لا تنفصل الضربة العسكرية التي وجّهها الأردن، قبل أيام، إلى مواقع تابعة لتنظيم “داعش” في جنوب سورية، عن سياق جديد يتشكّل في المنطقة، وينعكس على الأمن الوطني الأردني بصورة عميقة؛ سواء ما ارتبط بالتطورات في سورية أو العراق، أو حتى الإدارة الأميركية الجديدة وما يتعلّق بملف نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وأخيراً القمة العربية المنتظرة في عمان.
على الصعيد السوري، يشارك الأردن في مؤتمر أستانا بصفة مراقب. وهو يعوّل كثيراً على أهمية الدور الروسي في الحل السياسي المطلوب في سورية. وتبدو أهمية “أستانا” في بناء حالة الهدنة العسكرية في مناطق مختلفة من سورية، باستثناء الحرب على الإرهاب، ما قد يفتح الطريق إلى تطوير مقاربة الحل السياسي من جهة، واحتمالية إقامة “مناطق آمنة” من جهةٍ ثانية في المناطق الشمالية والجنوبية في سورية.
فكرة المناطق الآمنة التي اقتُرحت أميركياً يبدو أنّها تلقى قبولاً مبدئياً من قبل الروس، لكنّها تحتاج إلى تطوير وانتظار مدى إمكانية بناء التفاهمات الأميركية- الروسية. إلا أنّها في حال نجحت عسكرياً، يمكن استثمارها اقتصادياً؛ بما يساعد في حماية السوريين، وقد يؤدي إلى فتح خطوط التجارة مع دمشق نفسها.
على صعيد محاربة الإرهاب، فإنّ الضغوط التي يتعرض لها “داعش” في العراق وسورية ستجعل من “بادية الشام”؛ دير الزور وصولاً إلى تدمر نحو الركبان وشرق السويداء، هذه المنطقة الفسيحة، بمثابة “مقر جديد” لتنظيم “داعش”. وهو ما ينظر إليه “مطبخ القرار” في عمان بوصفه مسؤولية أردنية أمنية وعسكرية، يقوم الأردن فيها بدور مهم وحيوي مع أصدقائه في الخارج، ومع القوى المؤيدة للأردن في الداخل، مثل “الجبهة الجنوبية” والعشائر الموجودة في البادية.
عراقياً، يأمل الأردن أن يقوم بدور فاعل في ملف المصالحة العراقية الداخلية؛ إذ يحتفظ بعلاقات جيدة بالقوى الشيعية والسنية على السواء، وسيحاول عقد اجتماع لها قبل القمة العربية المرتقبة في عمان. هذا من زاوية، ومن زاوية أخرى، هناك تقارب جيد بين عمان وبغداد مؤخراً، وينظر الأردن إلى تطوير هذه العلاقات بوصفه أحد المفاتيح المهمة لمعالجة الأزمة الاقتصادية.
على صعيد الخشية من قرار الإدارة الأميركية نقل السفارة الأميركية إلى القدس، فإنّ الأردن سينتظر زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى البيت الأبيض قريباً؛ إذ ستكشف بصورة أكثر وضوحاً التوجهات الأميركية نحو القضية الفلسطينية في المرحلة المقبلة، وما يمكن أن يحدث من تداعيات لهذا القرار على الصعيدين الداخلي والخارجي.
بالرغم من الصورة الانطباعية عن القمم العربية وانخفاض سقف التوقعات منها، سياسياً وشعبياً، إلاّ أنّ اهتمام الأردن بها لا يأتي من فراغ؛ فقد تكون بمثابة دفعة لجهود الأردن في المصالحة العراقية والانفتاح العربي على العراق؛ أي أن يكون الأردن جسراً لتطوير هذا المسار. كما سينبثق عن القمة موقف عربي تجاه ملف القدس، يمكن أن يساهم الأردن في صوغه ونقله إلى الإدارة الأميركية، وكذلك قد تؤدي إلى دعم الحل السياسي في سورية، وبداية لإعادة ترميم النظام الرسمي العربي في المنطقة.
الموقف الأميركي، كما هو معروف، من إيران قد يدفع بالإسرائيليين والعرب إلى التفاؤل. لكنّ الأردن حريص على ألا يكون ذلك على حساب القضية الفلسطينية وأهميتها.
في الخلاصة، مع أنّ التحديات الاستراتيجية والأمنية والعسكرية المحيطة صعبة ومعقدة، إلا أنّ الأردن نجح في التموضع بصورة ذكية، وفي تعريف مصالحه الاستراتيجية وتحديد كيفية التعامل مع مصادر التهديد؛ فهو يمتلك علاقات قوية بالأميركيين والروس من جهة، ويلعب دوراً وسيطاً في الحالة العراقية من جهة أخرى، ويمتلك نفوذاً وقدرة على التعامل مع ملف المنطقة الجنوبية والشرقية في سورية من جهةٍ ثالثة.