يتناول كتاب “الحراك الشيعي في السعودية: تسييس المذهب ومذهبة السياسة” (الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2013)، لكل من بدر الإبراهيم ومحمد الصادق، التحولات التي مرّ فيها الحراك الثوري والإصلاحي في أوساط الشيعة في السعودية، خلال العقود الماضية.
تتراوح نسبة الشيعة في السعودية بين 10 و15 %، ويتركزون في مدن القطيف والإحساء الواقعة في المنطقة الشرقية. وهناك أيضاً مجتمع يتكون من نحو 700 ألف نسمة من الشيعة السليمانية الإسماعيلية، يعيشون في محافظة نجران على حدود اليمن.
يطرح الكتاب موضوع الطائفة الشيعية في السعودية من خلال الحركات الدينية-السياسية التي ظهرت في المجتمع الشيعي خلال العقود الماضية. ويشير الباحثان إلى أنّ المجتمع كان تقليدياً محافظاً، يكتفي بالالتزام بالعبادات والطقوس الشيعية الهادئة، والرجوع إلى مرجعية النجف الشيعية بقيادة محسن الحكيم، حتى ظهرت الحركة الشيرازية، نسبة إلى محمد الحسيني الشيرازي، العالم النجفي العراقي، الذي نظّر لولاية الفقيه قبل الخميني، وكان من أبرز مراجع الشيعة الذين عملوا على تسييس الطائفة ونقلها إلى العمل الحركي، ومعه ابن شقيقته محمد تقي المدرسي، الذي قام بدور المنظّر الحركي، وكان متأثراً بكتابات سيد قطب كثيراً. فشكّل الشيرازي مرجعاً روحياً ودينياً، والمدرسي مرجعاً فكرياً وحركياً للحركة التي أنشئت في العراق باسم “الطلائع الرساليين”.
انتقل الشيرازي هرباً من العراق إلى الكويت في العام 1970. وهناك بدأ تأثيره يتعزز ويتجذّر على الشيعة في الخليج العربي، فتأثرت به مجموعة من الشباب المتدين في القطيف (السعودية)، وبدأوا بتبني هذه الأفكار خلال دراستهم في العراق وإيران، ونقلها إلى السعودية، حتى أصبحوا يشكلون حركة دينية متصاعدة تنافس المرجعية التقليدية التي انتقلت من محسن الحكيم إلى السيد الخوئي، فبدأ الخلاف بين التيار التقليدي المحافظ والتيار الحركي الجديد هناك.
كانت الثورة الإيرانية العام 1979 نقطة تحول مفصلية في علاقة الشيعة بالدولة والمجتمع في السعودية، وانتقلت الحركة الشيرازية بعدها إلى إيران للعمل من هناك، وتمّ تأسيس منظمة الثورة الإسلامية في السعودية. واتخذت الحركة منحى راديكالياً في التغيير في مواجهة الحكم السعودي، ونشطت في التجنيد والانتشار في المناطق الشرقية، حتى نهاية الثمانينيات، إذ بدأت علامات التحول من الراديكالية إلى الإصلاح، والعودة إلى السعودية بعد صدور عفو الملك فهد عن الناشطين الشيعة في العام 1993.
يرصد الكتاب تحولات الحركة الشيرازية ورموزها مثل حسن الصفار، وانتقاله إلى الخطاب الإصلاحي، وإلغاء منظمة الثورة الإسلامية، والخروج من عباءة الحركة الشيرازية سياسياً وحركياً منذ منتصف التسعينيات، ودينياً في العام 2002، عندما توفي الشيرازي وأعلن الصفار عودته إلى مرجعية السيستاني في النجف، ثم مشاركة الصفّار في جلسات الحوار الوطني في العام 2003، واتخاذه مع مجموعته خط التهدئة والحوار مع الحكومة السعودية.
لم تكن الحركة الشيرزاية وحيدة في المشهد الشيعي السعودي، فقد انقسمت على نفسها بعد أن غيرت مجموعة الصفار المسار، فانشقت عنهم مجموعة بقيت في لندن، وحافظت على خط نقدي تجاه السلطة، مثل فؤاد إبراهيم وحمزة الحسن، فيما برزت في نهاية الثمانينيات مجموعة جديدة أكثر التصاقاً بالثورة الإيرانية وبخط الخميني، يطلق عليها الباحثان “خط الإمام”، تزاوج معها بروز جناح عسكري في تلك الفترة أطلق عليه حزب الله الحجازي، الذي قام بعمليات عنف، ونسبت إليه عملية الخبر، التي استهدفت جنوداً أميركيين في العام 1996.
إلى جوار هؤلاء، برزت ظاهرة الشيخ نمر النمر، الذي ينتمي إلى الحركة الرسالة (الشيرازية) وبقي على الخط الثوري. واعتقل في العام 2012 بعد خطاب لاذع على إثر وفاة الأمير نايف بن عبدالعزيز، قبل أن يتم إعدامه في بداية العام الحالي!