وزير الدولة للشؤون الخارجية العماني بن علـوي يلقي بعصاه لتلقف الاشاعات

bn-3lwe-3kath003

 عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب – ليس من عادة وزير الدولة للشؤون الخارجية العماني يوسف بن علوي ان يجري مقابلات صحفية او تلفزيونية كثيرة .. فهو مقل في هذا الجانب ويرى أنه لا يجوز التحدث للاعلام إلا للضرورة فالجرعة الزائدة ربما تعادل خطورة الناقصة وان الاعلام في النهاية لا يصنع الحقائق وانما يقدمها ويصورها وربما يمحصها او يضيئها او حتى يزورها في اسوأ الحالات ..

مقابلة الوزير العماني مع صحيفة عكاظ السعودية استوقفتني لاسباب ..
اولا: لأنها صحيفة ارادت مسح الزجاج الفاصل بين السعودية وعمان من اجل رؤية افضل بعد أن حجبت الرؤية بالاشاعات والاسقاطات الجاهزة والنوايا غير السليمة من اطراف عدة، ولذا يعتقد ( وهذا استنتاج مني ) ان هذا الزجاج لا بد أن يبقى شفافا نظيفا تسهل الرؤية من خلاله، وان لا يشكل فاصلا معتما اذا ما سمح للاشاعات ان تغطيه..
الصحفي كان جريئا في اسئلته وهي اسئلة “لحوحة” تلتف بأكثر من وسيلة وصياغة لتلتقط اجابات ارادتها الصحيفة في خدمة اهدافها وهي صحيفة سعودية !! في حين تحلى الوزير ايضا بالشجاعة وأعطى سائله ما يجعله يستأنس ان مهمتة ناجحة وان الاجابات المقدمة تبرر المقابلة وانتظارها الذي طال..
الوزير ارسل رسائل عديدة متناثرة بعضها تكتيكي والاخر استراتيجي، ليس من اجل ان يملأ فراغ الاسئلة بالاجابات وانما من اجل ان يثير اسئلة جديدة يعرف مسبقا اجاباتها، وان في الاجابات انجازات عمانية لصالح السياسة العمانية التي هو من ابرز مهندسيها وراسميها، وإلا لما أبقاه السلطان في موقعه منذ أكثر من أربعين سنة ، وهو ربما العمر الأطول لوزير في أي وزارة في العالم..والله أعلم.
بن علوي لا تأخذه المفاجآت ويبقى على هدوءه الظاهري ووقاره العماني القائم من ثقافة ” التجلد” سواء أمام الشامتين او من يغبطونه.. وشعاره احيانا:
وتجلدي للشامتين أريهم *** أني لريب الدهر لا اتزعزع
وهذا التجلد في الموقف والصمود فيه الذي يعبر عنه الوزير وليس للموقف الشخصي.. فهو رجل عام يعبر عن موقف عام.
جال الوزير في مواقع عدة مما سألت عنه الصحيفة، فقد تكلم عن اليمن وصراعها الداخلي باسلوب مختلف ورؤية مختلفة، لا تهرب للأمام ولا تضع رأسها في الرمل، مطالبا بتمثيل الحقائق واعادة انتاج مواقف جديدة للمصالحة تحقن الدماء وتخدم اليمنيين الذين خذلهم العرب جميعا، بعد ان خذلوا حكمتهم و انفسهم بالقتال الذي ما زال لم يصل بهم الى الجدار ليستفيقوا .. وحمل الوزير الجميع بالانحياز للمسؤولية ودافع عن الرؤية العمانية التي تقبل القسمة على الجميع دون مداهنة ، ورأى ضرورة الانصات للمبعوث الاممي وعدم تغطية مبادرته بمزيد من القتال ، وبشر بأن خارطة الطريق التي اطلعت عليها عمان وايدتها ودعمتها يجري نشرها الان والحديث عن تفاصيلها وتقديمها كوصفة وروشيتة لا بد أن يصرف العلاج المسمى فيها.
وعمان التي ظلت مواقفها جدلية في نظر الآخرين انسحب ذلك على موقفها مما يجري في سوريا وكان ردّ الوزير بن علوي واضحا على اللذين يردون جزئيات شكلية في المواقع الاساسية في الصراع السوري حين وضع اللوم على السلطنة في ابقاء سفارتها مفتوحة في دمشق. فكان الرد واضحا بأن النظام السوري رغم كل ما حدث ما زالت الامم المتحدة تتعامل معه وما زالت الجامعة العربية في تذبذب في مواقفها منه وقد اعادت كرسيه ثم تركته فارغا بما لا يخدم الصراع الدائر هناك وحتى الموقف العماني من ايران والذي يكثر عرب السعودية من الاسئلة حوله رأى الوزير انه يمكن توظيفه لصالح السعودية ومجلس التعاون الخليجي اذا ما قرأ كما يجب , دون ان يتوقف القارئ عند ( ولا تقربوا الصلاة ), وقد اعجبني مثاله في علاقة الدول العربية والخليجية تحديدا التي تدب الصوت وتشق الجيوب غضبا من السياسة الايرانية حين قال ” ان الطائرات التي تقلع من الخليج الى طهران لا يجد المسافر فيها مقعدا واحدا خاليا ” عاكسا بذلك المثال حجم مصالح هذه الدول التي ربما كان لسانها على ايران وتجارتها معها !!!!
فايران النووية اخطر على الجوار وعرب الخليج من ايران المحتواة حيث ساهمت سلطنة عمان في احتواء ايران النووية ومساعدة العالم على ذلك وارشاده الى مفاتيح التخاطب مع ايران، معتقدا انه لا ضرورة لاقتحام الابواب المفتوحة وان عشر سنوات من الدبلوماسية ربما تكون اهون من اسبوع حرب واحدة.
تحدث الوزير عن الحياد العماني وعن النأي بالنفس الذي لم يفهمه المتحمسون في صراعات غير محسوبة وعن النهج العماني الذي لم يدرك الكثيرون اسبابه في التاريخ العماني وفي المذهب وفي سياسة السلطان كثمرة لذلك .
فعمان تسخّر فائض سياساتها من اجل الوساطة والمصالحة وتصفية الخلافات بين دول صديقة وشقيقة وحتى غير ذلك مساهمة منها في السلام العالمي وفي

التعريف برسالتها التاريخية والتاكيد عليها .
عمان لدى الوزير ليست وجبة جاهزة يمكن التهامها حتى من محبيها , وربما اراد ان يقول ” ان عظمها ازرق ” بمعنى يابس غير هش وان لها من تاريخها وجذورها كدولة اساس في المنطقة ما يجعلها عصية على التماهي في سياسات غير ناضجة جرى تثبيتها بسرعة في مجلس التعاون الخليجي , واودت بما كان متوفرا من استقرار .
ولأن ” زرقاء اليمامة ” انتقلت الى عمان منذ استخف القوم بالحكمة والرؤية السديدة فان السياسة العمانية ظلت في هدوئها ترى ما لا يرى المنفعلون سواء في الصراعات الداخلية ( فوضى الربيع العربي ) او في الصراعات الاقليمية التي تدخل فيها الاطراف العربية في شؤون بعضها البعض دون احترام للخصوصيات والكيانات القائمة , او حتى الصراع مع الاخر العالمي وكيفية ادارة التعامل معه , حين تحدث عن قانون ( جوستا ) الذي قال انه يدلل على العقلية الامريكية ( وازيد من عندي ) عقلية رعاة البقر الذين ظلوا يؤمنون بالغزو , وظلت وزيرتهم كونزاليس رايس السابقة يعجبها من التراث العربي كلمة ( غنيمة ) حين تحدثت عن غزو العراق .
الوزير بن علوي لم يقدم عمان كدولة مثالية لكنه قدمها كدولة معنية بمصالحها و استقرارها و ايمانها بالمؤسسات واخذها بالقانون واحترام حقوق الانسان , فالانسان لا يحاسب على افكاره وانا على اعماله ان كانت قائمة من التطرف وملحقة للاذى بالاخرين .
ولذا يقول لا نحاسب الاخوان الملسمين لانهم اخوان , وانما على اعمالهم ان اخترقوا الدستور والنظام , و هذا موقف سام و ديمقراطي افتقرت اليه اطراف عديدة لم تاخذ بذلك , فدخلت دوامة الصراع حين اخذت الناس جميعا بجريرة بعضهم , واخذتها العزة بالاثم حين جرى الضغط عليها لتمثيل مواقف يريدها الاخرون وهي ليست مقتنعه بذلك .
قدم الوزيرعمان عشية يوم الاستقال ال (46 ) يوم النهضة بشكل موضوعي فالحكم مستقر وله نصوص دستورية واضحة , يحتكم اليها العمانيون وياخذون بها ويتمسكون بمضمونها في التوريث و تداول السلطة والحكم , وعمان لا تتوسع في اعتقالات السياسيين واصحاب الراي في الدفاع عن امنها واستقرارها , وهي قابلة للقراءة بل تريد ان يقرأها العالم بوضوح وانصاف , لانها تقبل النقد وتعالج الخلل وتأخذ بالاسباب .
اعجبتني مقابلة وزير الدولة للشؤون الخارجية العماني , واتمنى ان يصل اليها القراء وهي منشورة في جريدة عكاظ السعودية ليتعرفوا على الموقف العماني والمسافات التي تفصله عن الاضراريات والحرائق المحيطة .

شاهد أيضاً

القمة العربية تنطلق اليوم في البحرين على وقع حرب غزة

تنطلق، الخميس، في البحرين أعمال مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في دورتها العادية …

اترك تعليقاً