ثمّة هواجس مشروعة ومبررة لدى المسؤولين، من ردود فعل عنيفة من قبل بعض المرشّحين الخاسرين وقواعدهم الاجتماعية على نتائج الانتخابات النيابية.
مورد هذه الهواجس مرتبط بأمرين اثنين؛ الأول، أنّ القانون الجديد يلغي، نسبياً، مفهوم “الحقوق المكتسبة” التي تمسّك بها كثير من النواب والمناطق الانتخابية خلال الفترة الماضية، وهي مبنية على قاعدة “الصوت الواحد” و”الدوائر الفرعية”، بينما القانون الحالي يقوم على تمثيل أوسع على مستوى “المحافظة”، ما قد يؤدي إلى خسارة بعض العشائر والمناطق مقاعد كانت تحصل عليها باستمرار في الانتخابات السابقة، ويأتي بنتائج غير متوقعة، بخاصة في المناطق التي فيها قدر أعلى من “الحساسيات الاجتماعية”.
الأمر الثاني، مرتبط بفكرة أو مفهوم “البوق”، أو الخداع بين المرشحين والناخبين في القوائم الانتخابية. وهو أمر متوقع وطبيعي -لمن يدرك “البنية الاجتماعية” الأردنية- إذ سيعطي ناخبون أصواتهم لقائمة معينة، لكنهم سيمنحونها لمرشحين ويحجبونها عن آخرين، ما قد يؤدي إلى وجود خلافات بين القواعد الانتخابية للمرشّحين واتهامات، وربما ما هو أكثر من ذلك.
بالضرورة، نتمنى ألا يحدث أيّ من هذا، أو على الأقل أن تبقى الأمور دون سقف ردود الفعل العنيفة؛ أي عند حدّ العتب والحرد. لكن لو أخذنا السيناريو الأسوأ وتصوّرنا احتمالية اندلاع احتجاجات عنيفة من قبل بعض المرشحين وقواعدهم، وتطوّرت الأمور في هذا الاتجاه، فما هو تصوّرنا لردود فعل الدولة على ذلك؟
مثل هذا السيناريو يتطلب خطة معدّة مسبقا من قبل الدولة للتعامل معه، وتقديرات دقيقة لما يمكن أن تقوم به الدولة والإعلام والنخب السياسية قبل الانتخابات، كخطوة استباقية وقائية، لا أن ننتظر وقوع ما لا نريده، وعلى الأقل تحجيم نتائجه إلى أكبر قدر ممكن وإلى الحدّ الأدنى.
دور الأجهزة الأمنية، بطبيعة الحال، يحتل الجانب الأساسي، في تطبيق القانون وحماية النظام العام، وردع من يحاول أن “يصطاد في الماء العكر” ويؤلب الناس على العنف، في حال خسر الانتخابات ولم يصل إلى “قبّة البرلمان”. لكن في الوقت نفسه فإنّ هناك أدوات وديناميكيات أخرى مطلوبة بالتزاوج والتوازي مع الدور الأمني، مثل دور النخب السياسية ووزارة الداخلية والرسالة السياسية والإعلامية للدولة في بناء “مناخ عام” ضد أي ردود فعل عنيفة قد تنتج عن الانتخابات.
وكما أنّ إجراء الانتخابات بشفافية ونزاهة ومصداقية، هو اختبار مهم للدولة على أكثر من صعيد في اللحظة التاريخية الدقيقة الراهنة، محلياً وإقليمياً؛ فإنّ إدارة اليوم التالي للانتخابات بنجاج، وفرض القانون والنظام، والنجاح في “توصيل” رسالة الدولة مسبقاً للجميع بالحزم في التعامل مع أي محاولات لخرق القانون غداة الانتخاب.. كل ذلك أيضاً بمثابة اختبار آخر لا يقل أهمية عن الاختبار الأول.
لا نتمنّى أي مستوى من “السيناريو” الأسوأ أن يقع. ودعونا نراهن على وعي الشعب وقدرته على تقبل نتائج الانتخابات، بعد هذه الخبرة الطويلة. لكن من المهم أيضاً أن تعدّ الدولة قراءة مسبقة، وأن تقوم بما عليها من مهمات قبل الانتخابات؛ مثل تصميم رسالة سياسية وإعلامية واضحة للرأي العام، ولقاءات وحوارات مع المرشّحين للتأكيد على جملة من الالتزامات والشروط المطلوبة بعد إعلان النتائج مباشرة، وإلزامهم إدارياً وأدبياً بذلك.