ثمة تخوفات ومشاغبات وشكوك في أوساط سياسية وشعبية من مسار الانتخابات النيابية، واليوم التالي لها، ونتائج قانون الانتخاب الحالي (الجديد)، والديناميكيات الناجمة عنه في العملية الانتخابية عموماً.
الشكوك تتشكّل على أكثر من صعيد، سواء عبر “ظواهر” متناقضة مع فكرة القانون نفسها، مثل الدعايات الانتخابية الفردية، و”مرشحي الحشوات”، واستمرار سطوة العشيرة في اختيار المرشّحين، أو في اليوم التالي للانتخابات، وما قد يرتبط به من منازعات اجتماعية وعشائرية بسبب اتهامات الخيانة بين المرشحين، بخاصة في المناطق العشائرية.
هي ظواهر وهواجس لا يمكن إنكارها، بالضرورة. لكنها -مرّة أخرى- ليست نتاج القانون الحالي، بل هي انعكاس لنتائج السياسات الرسمية وتطبيقات قانون “الصوت الواحد” و”الدوائر الفرعية الوهمية”، التي نمّت هذه الهويات الفرعية والمناطقية والجهوية، وأعطتها شرعية وقوة؛ ليس فقط في البرلمان، بل في كل مكان، ومنحتها مصطلحاً خادعاً يتمثل في “الحقوق المكتسبة”، وما هو إلا فبركة لغوية لتجاوزات كبيرة ولممانعة الدعوات الإصلاحية.
على أيّ حالٍ، القانون الحالي ليس عظيماً ولا مثالياً، ولا يوجد قانون كذلك؛ فهناك علاقة ديناميكية وثيقة بين القانون والحالة الاجتماعية، وكلاهما يؤثّر في الآخر. إذ لو كانت هناك حالة حزبية مثلاً، ناضجة في الأردن، سيكون هذا القانون فاعلاً ونافعاً أكثر، والعكس صحيح.
إلاّ أنّه في ضوء الوضع الحالي، وصراع القوى السياسية والاجتماعية المحافظة والإصلاحية والليبرالية والإسلامية واليسارية والعشائرية وغيرها؛ فإنّ القانون الحالي بمثابة “الحل الوسط”-الصفقة، الأكثر مناسبة لدفع الحياة السياسية والنيابية خطوة إلى الأمام، والخروج من كهف “الصوت الواحد” وما أحدثه من ثقوب سوداء كبيرة في مجتمعنا.
لذلك، بالرغم من كل الملاحظات والسلبيات من جهة، وكذلك حالة الإحباط واليأس لدى شريحة اجتماعية عريضة في المجتمع، من جهة ثانية، فإنّ هناك ظواهر إيجابية جيدة بدأت مع بداية الحملات الانتخابية والترشّحات الرسمية. وفي مقدمة ذلك عودة النقاشات والحوارات والخطابات والحملات ذات اللغة السياسية إلى المجتمع، في الحارات والمنتديات والصالونات والصالات.
هذه الظاهرة -النقاشات السياسية- لم تكن موجودة في الانتخابات السابقة، لسببين رئيسين: قانون الصوت الواحد والدوائر الفرعية، الذي أعطى الاعتبار الرئيس للعشائري والجهوي والمحلي؛ فلم تكن هناك أصلاً مساحة لتلك النقاشات، ولم تكن مطروحة. والسبب الثاني، غياب القوى السياسية عن العملية الانتخابية السابقة، وفي مقدمتها حزب جبهة العمل الإسلامي الذي يمثّل المعارضة الرئيسة المنظمة في البلاد.
الآن، وإلى جوار الإسلاميين المعارضين، هناك التيارات الإسلامية الجديدة الوسطية، مثل حزب الوسط، و”زمزم”، وجمعية الإخوان الجديدة، ما يخلق نقاشات أخرى. وهناك تيارات علمانية وليبرالية تحمل أجندة واضحة غير ملتبسة في موضوع الدولة المدنية والفصل بين الدين والدولة، كما هي حال قائمة “معاً” لخالد رمضان وزملائه. وهناك القوميون واليساريون والمحافظون. وكل هؤلاء مضطرون لتقديم خطابات سياسية أو شعبية، لأنّ المعارضة ستستدرجهم لذلك.
صحيح أنّ هناك فقراً ملحوظاً في البرامج، عند الجميع، وفي مقدمتهم الإسلاميون والقوميون والحزبيون، فهم أقرب إلى الأيديولوجيا منهم إلى البرامجية، مع ذلك، فإنّنا لا نرفع سقف توقعاتنا ولا أوهامنا حول البرلمان المقبل، وكل ما نأمله أن نجد فيه ألواناً متعددة، وأن يعود له احترامه بالتدريج بعدما تدمّر تماماً مع المجلس الأخير.