أول من أمس، انطلقت القاذفات الروسية من قاعدة همدان في إيران، لتضرب خطوط المعارضة السورية، وبصورة خاصة في حلب وإدلب، ما يؤشّر على أمرين رئيسين: الأول، إصرار روسي كبير على تحقيق انتصار عسكري في سورية، والوصول إلى حسم عسكري هناك. والثاني، زيادة وتعميق التحالف الروسي-الإيراني استراتيجياً.
التطوّر الآخر المهم هو التقارب الروسي-الإيراني-التركي، الذي أصبح يطلق عليه بعض السياسيين الغربيين “حلف بغداد 2″، مع المسار التركي الجديد بعد محاولة الانقلاب، وإعادة التموضع، وتغيير المقاربة التركية تجاه الأزمة السورية؛ بما يتجاوز تحييد الملف السوري إلى الاقتراب من الرؤية الروسية-الإيرانية في هذا الملف.
من يراقب تصريحات المسؤولين الأتراك لن يعجز عن رصد التحول المتدرّج، عشية محاولة الانقلاب العسكري وغداتها، وصولاً إلى الزيارات المتبادلة؛ أردوغان في روسيا، جواد ظريف في أنقرة، المسؤولون الأتراك في طهران، وما تبع ذلك من تسريبات تتحدث عن المبادئ المتفق عليها بين الدول الثلاث، وتتضمن حكومة وطنية انتقالية موسعة، واحترام اختيار الشعب، ولا تشترط رحيلاً مبكّراً للأسد، وربما لا تأتي على ذكر ذلك مبدئياً!
في الأثناء، هناك لقاءات وحوارات في الدوحة للمعارضة السورية مع أطراف إقليمية، لبحث هذه التطورات الجوهرية، بصورة خاصة في الموقف التركي الذي كان يمثّل أحد أبرز الداعمين للمعارضة الإسلامية في الشمال. وليس واضحاً ما هو “العرض” الذي يمكن أن يقدمه الأتراك للمعارضة السورية، بعد هذا الانقلاب الكبير في الموقف!
بالضرورة، هذا وذاك يتزامن ويتوازى مع تحولات لا تقل أهمية في الموقف الأميركي من سورية. ومن الواضح أنّ الأميركيين باعوا سورية والسوريين إلى روسيا. وإن كان هذا الاستنتاج ليس جديداً، لكنّه أصبح اليوم أكثر وضوحاً، بل وهناك حديث عن تنسيق أميركي-روسي للضربات الجوية.
ما هي الخلاصة التي من المفترض ألّا نتجاهلها؟
هي، أولاً، أنّ المعارضة السورية لم يعد لها نصير حقيقي، ولا سند دولي أو إقليمي، ولا حتى دبلوماسياً. فالأوروبيون والأميركيون أصبحوا واضحين، والأتراك بدؤوا بعملية الدوران، وسينعكس ذلك قريباً على علاقتهم بالمعارضة السورية. والدول العربية منقسمة على نفسها؛ المعسكر المحافظ عملياً مرتبك، لا توجد لديه أجندة واضحة، وهو أقرب إلى الأسد منه إلى المعارضة. أما المحور التركي-السعودي-القطري، فعملياً، تفكك، ومن الصعوبة بمكان أن يمتلك القدرة على الوقوف أمام التغييرات الإقليمية الكبيرة.
ثانياً، أنّنا أمام حلف جديد يتشكل من الروس والإيرانيين والأتراك، ويتبعهم في ذلك كل من النظام العراقي والأسد. وإذا كانت علاقة الإيرانيين ليست جيدة بإسرائيل، فمن سيقوم بضبط الإيقاع بين الطرفين هم الروس ومعهم الأتراك. أمّا أهداف الحلف، فتتمثل في تقاسم النفوذ في المنطقة العربية، وترسيم مستقبل سورية والتعامل مع مسألة الأكراد.
ثالثاً، أنّ الروس والإيرانيين مصممون على إنهاء حلب عسكرياً، ما يمهّد الطريق إلى القضاء على المعارضة السورية في المناطق الأخرى، ومن ثم تنظيم “داعش” في الرقة وريف دير الزور، وقطع الحدود العراقية-السورية عليه.
هذا لا يعني بالضرورة نهاية المعارضة السورية، لكنه سيضعها على “مفترق طرق” بين القبول بالتفاهمات الدولية والإقليمية، تحت ضغط حلفائها الإقليميين، بما في ذلك التخلي عن شرط رحيل الأسد، وإما الإصرار على المقاومة حتى النهاية. وعلى الأغلب فإنّ المعارضة السورية ستنقسم إزاء ذلك.
أردنياً، من المهم أن نفكّر جديّاً في التغييرات الجديدة والتحولات الكبيرة، سواء على صعيد إدارة الجبهة الجنوبية، أو على صعيد ترسيم العلاقة مع الحلف الجديد في المنطقة، في ضوء الحالة العربية المترهلة الراهنة!