برغم أنّ الأردنيين يشعرون اليوم بأهمية الأمن وقيمته التي لا تقدّر بثمن، مقارنةً بما يحصل في دول الجوار من كوارث إنسانية بتداعيات اجتماعية وثقافية وأخلاقية، فإنّ أي مراقب دقيق للشارع الأردني وهواجسه وأحاديث الناس لن يعجز أن يشعر بوجود حالة قلق شديد وخوف من المستقبل!
لماذا نجد كثيرين ممن يقول الواحد منهم: “أنا خائف”؟! سؤال جدير بأن يكون محلّاً للتفكير والبحث والفحص من قبل المسؤولين والباحثين والإعلاميين، وأن تُعقد حوله ورش عمل وتدار نقاشات، لمعرفة سرّ هذا الخوف الذي يؤثر -كما يزعم عدد كبير من تجار السوق- على حالة السيولة المالية وعلى الحركة التجارية عموماً وبيع العقارات، وهو -أي هذا الخوف- ينعكس على المزاج الاجتماعي ويعزز من نشر سيكولوجيا الإحباط والتوتر في أوساط اجتماعية.
لو حاولنا القفز إلى الفرضيات الرئيسة، وتجاوزنا المشهد المحيط في المنطقة (على ما فيه من فوضى وذبح ودمار هائل)، والذي له تأثيره بلا شك على “المزاج الاجتماعي”، بخاصة أنّنا -في الأردن- على بعد كيلومترات فقط من هذه الكوارث، وفكّرنا في الشأن الداخلي؛ فما هو أكثر ما يخيف الأردنيين ويخلق حالة الشعور بـ”عدم اليقين” (Uncertainty)، وفقدان ضمانات الأمان المستقبلي؛ هل هو الخوف من مشهد مماثل للدول العربية المجاورة مثلاً؟
ربما يبدو هذا السيناريو-الهاجس بعيداً عن الوقوع، لشروط موضوعية متعددة. ما هو شكل الخوف إذن، ومصدر تلك الهواجس؟
أظنّ أنّها جملة من الظواهر المتزامنة التي برزت خلال الأعوام الأخيرة، سواء عبر “وباء المخدرات” أو ازدياد المتأثرين بالفكر المتطرف، أو حتى تفكك السلطة الأخلاقية للدولة والمجتمع، ما ساعد على انتشار ظواهر التحلل الأخلاقي ونوعيات من الجرائم (معدل الجرائم قلّ في العام الأخير وفق أرقام الأمن العام)، مثل الرشوة على المستويات الدنيا، وأيضاً ضعف الثقة بمؤسسات الدولة.
ثمّة عوامل ومؤشرات متعددة تغطس وراء هذه الظواهر المقلقة. لكن ما أصبح، مؤخراً، مقلقاً بحقّ للمسؤولين والمواطنين على السواء، وبمثابة الكرة المتدحرجة التي تحتاج إلى تفكير عميق، هو الأزمة الاقتصادية؛ تلك التي أصابت موازنة الدولة، وتمثّل شبحاً للمسؤولين في كيفية التعامل مع ارتفاع المديونية والتحكم بالعجز، وفي الوقت نفسه ألقت بظلال كبيرة على المجتمع، وتتجلّى بالطبع أولاً بمعدل البطالة الآيل للارتفاع المستمر، واتساع الفجوة بين الطبقة الغنية والفقيرة، ما يعني ضغوطاً شديدة على الطبقة الوسطى وارتفاع الأسعار، وعدم قدرة شريحة اجتماعية واسعة على التكيّف مع هذه الظروف الاقتصادية وبناء التوازن المطلوب، ما يؤدي إلى اختلالات اجتماعية وثقافية وأخلاقية، من بينها الآفات المذكورة السابقة.
بالطبع، الإصلاح الديمقراطي، الذي تحدّثنا عنه أمس، مفتاح ذهبي للتعامل مع الأزمة الاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية. لكنه بالضرورة لا يكفي أبداً، من دون رؤية اقتصادية استراتيجية لإيجاد حلول غير تقليدية للخطر الأكبر والأعظم الذي يواجه الأردن، وأحد أهم أسباب القلق الحقيقي، وأقصد هنا معدل البطالة المرتفع.
رئيس الحكومة د. هاني الملقي، وفريقه الاقتصادي، ومجلس السياسات الاقتصادية فوقهم، يدركون جيّداً هذه النقطة. لكننا بحاجة لأن نتحدث أكثر عنها إعلامياً وسياسياً وثقافياً، وأن نضع أيدينا على مصدر هذا الخوف الكبير لدى الشارع. فالأرقام الجديدة تتحدث عن 14.7 % كنسبة للبطالة بصورة عامة، وعما يزيد على 30 %، وفي بعض الأرقام تصل إلى 40 % نسبة البطالة لدى الشباب، أي إنّنا نجلس على بركان خطير اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً وثقافياً.
هذا الجيل أطلق عليه د. عمر الرزاز “جيل الانتظار”. وهو مصطلح من المفترض أن يكون مدار اهتمام الجميع، لأنّهم ينتظرون فرص العمل والحياة، وإن لم يجدوها سينتظرون ماذا؟!