“محاولة الانقلاب العسكري في تركيا، مؤامرة حاكتها الولايات المتحدة والدول الغربية للتخلص من أردوغان، حامي أهم قلاع الإسلام السياسي”… و”العالم كله متآمر على تركيا وتجربتها”!
هكذا نحن عموماً؛ نؤمن بأن أيّ حدث في منطقتنا يرتبط بمؤامرة عالمية حيكت ضدنا! وهذه المؤامرة، وذلك العالم، هما المسؤولان عن كل مشاكلنا وتعقيدات قضايانا. فالربيع العربي بات مؤامرة، تماماً كما تلاه من تبعات، لاسيما انتهاء حكم الإخوان في مصر! ولا يقول لنا المنظّرون لذلك لماذا لم تُفشل الشعوب تلك المؤامرة!
النظرية السابقة في حالة تركيا تحديداً، تناست أو أغفلت، بقصد أو من دون قصد، كل التاريخ الطويل للدولة التركية مع الانقلابات العسكرية، والتي تعبّر عن صراع دائم بين العسكر والسلطات المدنية هناك، وسعي المؤسسة العسكرية للاستحواذ على السلطة وعدم التنازل عن مكتسباتها التاريخية.
سورية أيضا وحربها الأهلية التي أفضت إلى قتل نحو مليون مواطن وتشريد حوالي 12 مليونا آخرين، هي مؤامرة على “نظام المقاومة”، وسعي إلى تدمير آخر معاقل الممانعة والوقوف في وجه المحتل الإسرائيلي.
لكن من وضع هذه النظرية عليه إخبارنا، وبالتفصيل، ماذا فعل نظام الأسد للقضية الفلسطينية، واللاجئين الفلسطينيين الذين سكنوا سورية على الأقل؛ وكم استرد من الأراضي المحتلة في حروبه الطويلة مع إسرائيل. وهل كان بإمكان بشار الأسد دفن “المؤامرة” في مهدها لو كان استجاب لطموحات شعبه وتطلعاته المحقة؟
“داعش” الإرهابي يخضع بدوره، نشأة وتمدداً، للنظرية ذاتها؛ بأن هذا التنظيم الدموي هو من صُنع أجهزة استخبارات ومخابرات عالمية وإقليمية، لتشويه صورة الإسلام السُنّي، وخلق ما يُعرف بـ”الإسلاموفوبيا” في العالم كله!
لكن من يبحث في نشأة كل التنظيمات الإرهابية الإسلامية، سيكتشف أنها وجدت بفعل بيئة محلية حاضنة، فكرية واجتماعية واقتصادية، أسهمت في تنامي ما يسمى الفكر السلفي الجهادي وتطوره مع الوقت.
لا أدري ما علاقة أجهزة الاستخبارات العالمية بآلاف من شبابنا أصابتهم اللوثة، واقتنعوا بأفكار “داعش” وأشباهه وآمنوا بها، لدرجة فقدوا معها العقل والمنطق، وصاروا محكومين لفكرة الحور العين والجنة بلا حساب.
حتى في تحليل قضايانا وأزماتنا الداخلية، تبرز نظرية المؤامرة في كل مرة. فهناك من سعى إلى تكسير المنجزات والانقضاض عليها باسم هذه النظرية. وأسبق من ذلك أن فكرة نظرية المؤامرة تريح ضمائرنا وتخلي مسؤوليتنا، فنقف عاجزين عن إحداث التغيير، بحجة ضعف الحيلة أمام عالم متآمر علينا.
بصراحة، نحن العرب من نتآمر على أنفسنا. فكل أزماتنا صنيعة بيئاتنا، بسبب غياب المشروع الوطني على مستوى كل دولة، وغياب المشروع العربي على مستوى الإقليم. ولذلك، نجد الأزمات متلاحقة، فهي لا تنفكّ عن غياب الحكم الرشيد والشفافية والتعددية، وتفشّي الفساد، والصراع على السلطة، ورفض الآخر.
صحيح أن ثمة قوى عالمية وإقليمية باتت تتحكم بمصائرنا، وصارت لاعبا رئيسا في شؤوننا الداخلية، أقلها في بعض الدول. لكن ما سبق ليس إلا نتيجة لغياب المشروع والرؤية العربية، على المستويين الوطني والإقليمي.
بصراحة، المؤامرة الوحيدة التي حيكت ضد المنطقة هي “سايكس-بيكو”، والتي أدت إلى تقسيم المنطقة وإنشاء كيان إسرائيل بعد اغتصاب واحتلال أرض فلسطين. أما كل ما عدا ذلك من مآس وكوارث، فهو من صنيعة أيدينا؛ وما “سايكس-بيكو 2” التي تقترب من أن تكون واقعا، إلا دليل على ذلك.
الخلاصة هي أن الأنظمة القمعية التي حرمت الشعوب من حقوقها، هي مَن تآمرت على هذه الشعوب. ولو كنا غير ما نحن عليه، لفشلت كل المؤامرات ضدنا.