على الأغلب، وربما المشتبه به الوحيد في الهجوم الإرهابي أمس (على النقطة الحدودية المحاذية لمخيم الركبان للاجئين السوريين)، هو تنظيم “داعش”. لكنّه إلى الآن (حتى كتابة هذا المقال) لم يعلن مسؤوليته عنه. وبالمناسبة، فإن التنظيم لم يعلن مسؤوليته سابقاً عن أيّ عملية ضد الأردن، بما في ذلك العمليات التي نفذتها خلايا وأفراد موالون له في الأردن، مثلما حدث في عمليتي إربد والبقعة الأخيرتين. واكتفى أنصار التنظيم عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بصورة غير رسمية، بمباركة تلك العمليات، أما التنظيم، فرسمياً التزم الصمت.
إذن، سنراقب خلال الساعات المقبلة موقف التنظيم من الهجوم. وفي حال أعلن هذه المرة مسؤوليته، فسيكون ذلك بمثابة “نقطة تحول” وتغيير في قواعد الصراع مع الأردن. وإن لم يعلن، فسيبقى محافظاً على استراتيجيته في القيام، أو محاولة القيام بعمليات ضد الأردن، من دون الإعلان رسمياً عنها، كما يفعل مع تركيا.
بالرغم من أنّ الأردن أبعد خطر التنظيم عن المناطق الحدودية السورية، خلال الفترة الماضية؛ وعندما ظهرت جماعات مرتبطة به في درعا، ساعد الجيش السوري الحرّ (الجبهة الجنوبية) في التصدي لها، إلاّ أنّ الحال تختلف في المناطق الشمالية الشرقية، تحديداً، المتصلة بريف دير الزور؛ إذ يمتلك التنظيم فيها حضوراً فاعلاً، وهو تحت أنظار القوات المسلّحة، لكن تم تجنب الاشتباك معه أو فتح معركة كي لا يؤثر ذلك على مخيم الركبان وأوضاع قرابة 60 ألف سوري موجودين فيه، يتولى الأردن تنسيق المساعدات الإنسانية لهم.
لم يكن الأردن بحاجة إلى العملية الإرهابية الأخيرة أو إلى سقوط الشهداء والمصابين حتى يعلن الحرب على “داعش”، فهو في حالة حرب معه منذ قرابة عامين. لكن قواعد الحرب ستتغير، وإن كانت الأمور شهدت تصاعداً ملحوظاً في درجة ونمط الصدام مع التنظيم منذ جريمة “داعش” بحق الشهيد معاذ الكساسبة، وصولاً إلى العمليات الداخلية الأخيرة، والآن عملية الركبان.
صحيح أنّ هناك فرقاً مهماً ونوعياً من المفترض أن ننتبه إليه بين أحداث إربد وعملية البقعة من جهة، وبين عملية الركبان من جهة أخرى، ويتمثل هذا الفارق، أولاً، في التمييز بين الخطرين الداخلي والخارجي، الاجتماعي والعسكري. وثانياً، وهو الأهم، أنّ ما حدث في إربد والبقعة مرتبط بخلايا نائمة أو ذئاب منفردة، وليس بقرار مباشر -بالضرورة- من قيادة التنظيم هناك، بينما هجوم الركبان مرتبط بقرارات من المستويات القيادية في “داعش”، وهذا ما يجعل منه أكثر خطورة ودلالة في المواجهة مع التنظيم.
بالرغم من هذا الفرق الجوهري (بين الهجوم الأخيرة وبين أحداث إربد والبقعة) فإنّهم يقدمون مجتمعين دلالة قوية على أنّ حجم الخطر ومستواه على الصعيدين الداخلي والخارجي قد ازداد وارتفع، ووصل إلى مرحلة جديدة.
مع ذلك، من الضروري عدم الخلط بين المستويين (أي الداخلي والخارجي)، فكلٌّ له طبيعته وأساليبه وخصائصه. والأهم من ذلك في طريقة المواجهة والمعالجة المطلوبة داخلياً للمتعاطفين مع “داعش” أو حتى الذين يسيرون على طريق التطرف، أو انتشار الثقافة المتطرفة نفسها.
من ناحية ثانية، من الضروري ألا ننزلق إلى دعوات عنصرية أو عصابية في طبيعة الاستجابة للهجوم الإرهابي في الركبان. فالجيش الأردني قدّم صورة إنسانية وأخلاقية رائعة في تعامله مع الأشقاء السوريين. وهذه الصورة يجب أن نحميها ونحافظ عليها في الوقت الذي من الضروري أن ننتبه إلى إعادة النظر في بعض المعطيات الأمنية والعسكرية في محيط الركبان، بخاصة المسافة التي تفصل المخيمات عن الساتر الترابي.