بقدر عمق جرح جريمة الهجوم على مخابرات البقعة، التي هزّت وجدان الأردنيين، بقدر ما كانت صور المشتبه به، محمود المشارفة، والمعلومات الأوّلية صادمة أيضاً!
وأنا أفتّش في الأرشيف، عندما بدأ الاسم يتردد، وجدت أخباراً عدة عن المشارفة، وتصريحات منسوبة للمحامي موسى العبداللات، الذي يتوكّل بالدفاع عن أفراد هذه التيارات؛ ومن ذلك أنّ المشارفة حاول الذهاب في العام 2012 إلى غزة، للانضمام إلى “جيش الإسلام” (المعروف بولائه للقاعدة حينها)، وجرت محاكمته على هذا الأساس. ثم بعدما خرج من السجن، تم اعتقاله لاحقاً، في العام 2014 على خلفية الترويج لداعش ومحاولات التواصل معهم، قبل أن يعتقل مؤخراً في مبنى مخابرات البقعة نفسه، ثم أخيراً ليخرج لينفذ هذا الهجوم الشنيع!
محمود من مواليد العام 1994؛ أيّ إنّ عمره يكاد يبلغ الـ22 عاماً. وفي المرّة الأولى التي حوكم فيها كان عمره 18 عاماً، ووصفه المحامي بـ”الشاب”. بعد عامين، عندما اعتُقل وصفه المحامي نفسه بـ”قيادات التيار في مخيم البقعة”، أي إن ابن الـ20 عاماً، خلال عامين قضاهما -على الأغلب- في السجن، أصبح قائداً معتبراً لأنصار التيار!
لو أعدنا التفكير في “بروفايل” محمود، سنجد أنّه مشابه لعدد كبير من الشباب الأردني، بخاصة من ذوي الأعمار بين 18-28 عاماً، وربما العربي والمسلم، ممن “غُسلت” أدمغتهم مبكّراً، عبر إحدى وسائل وأدوات التجنيد. ومن الضروري أن نتتبع الحالة النفسية له، والظروف السيسيولوجية والسياسية، كي نصل إلى المفاتيح التي تعبر من خلالها هذه الأفكار إلى شريحة من الشباب، لم تعد محدودة أو قليلة العدد.
الدولة نجحت، أمنياً، بدرجة كبيرة نسبياً، كما ذكرنا مراراً وتكراراً. لكنّها فشلت سياسياً وثقافياً في حماية شبابنا من الفكر المتطرف. وربما ما أعادني إلى هذا الموضوع وأنا أحاول الاقتراب من فهم شخصية محمود، هو التقرير الذي قدّمه الزميل زايد الدخيل أمس، في “الغد”، بعنوان “دعوات لمواجهة انزلاق الشباب نحو التطرف”، وفيه آراء لوزيري الأوقاف الحالي والسابق، ومسؤول في وحدة مكافحة التطرف، الجديدة، في الأمن العام، وسياسيين آخرين. إذ ما لفت انتباهي هي “اللغة الخشبية” للمسؤولين، مع الاحترام، حول قيم الإسلام التي شوّهها المتطرفون، وضرورة تقديم الفكر الإسلامي الصحيح، وغيرها من جمل أصبحت بمثابة معزوفة مملّة!
للمرّة المليون، نحن نعرف أنّ هذه التيارات اختطفت قيم الإسلام وصورته، لكن السؤال: لماذا يقتنع بها الشباب ولا يقتنعون بكم وبنا وبما نقوله لهم؟! لماذا تؤثّر فيهم دعاية “داعش” الدموية وتجتذبهم أفكاره العدمية والمتطرفة، بينما أفكارهم المستنيرة الجميلة الرائعة.. إلخ (!) حول الإسلام لا قيمة لها لديهم، وربما لدى شريحة اجتماعية واسعة لم تتدعشن، لكنّها لا تثق بالخطاب الديني الرسمي، ولا حتى بخطاب التيارات المعتدلة؟!
استراتيجية مكافحة التطرف التي وضعتها حكومة د. عبدالله النسور دُفنت قبل أن نقرأ عنها ونعرف عنها شيئاً. وهناك، في المقابل، برنامج يديره الأمن العام لحوار المتطرفين في السجون، لا نعرف أيضاً عنه وعن نتائجه شيئاً، ولا يتم إشراك المجتمع المدني في تلك الجهود، التي يتم التعامل معها بمنتهى السريّة!
كنت أتمنى أن نفكّر مرّة أخرى في تلك البرامج والجهود التي تختص بالشباب، وفي ضرورة إشراك المعنيين من الخبراء في علم النفس وعلم الاجتماع والفكر الإسلامي بصورة أكثر عمقاً، وتحليل الظاهرة وتفكيك أسبابها بموضوعية، عبر فكرة بناء “بروفايلات سيكولوجية” لهؤلاء الشباب.
هذه الفكرة، بالمناسبة، بدأنا بها في مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، لبناء قاعدة بيانات وتحليل للشخصيات والأسباب والدوافع، ولم نتلق أي دعم أو معلومة أو مساندة من أي مؤسسة رسمية، ولو كنّا “خواجات” لكان الأمر مختلفاً تماماً!