أصبح اهتمام المجتمع الدولي اليوم هو القضاء على تنظيم “داعش” عسكرياً، في العراق وسورية. وهو تنظيم إرهابي خطير، لكنّه ليس استثناءً عن القاعدة، ولا خارج السياق العام الذي يجري في المنطقة العربية، بل هو جزء من كل!
“داعش” تنظيم أصولي متطرف، هذا صحيح؛ يقتل بأساليب مروّعة، ويريد فرض أيديولوجيته الدينية على الجميع، وهذا صحيح أيضاً. لكن هل الأطراف الأخرى في الصراع تختلف عنه جوهرياً؟!
الجواب: بالتأكيد لا، بل ما تقوم به هذه الأطراف قد يكون أكثر سوءاً وفظاعة، لكنّ الأجندات الدولية والإقليمية غير معنية بمتابعته!
كيف نصف أو نعرّف ما يحدث في حلب اليوم؟! مقتل المئات من الأطفال والمدنيين تحت الأنقاض، وهدم المدن والمنازل على رؤوس الناس! ومحاولة فرض ليس أيديولوجية دينية، بل تطهير طائفي وديمغرافي! فيما يغمض “العمّ سام” عينيه تاركاً لبوتين والأسد وحزب الله إنجاز المهمة، ودفع المعارضة للعودة إلى جنيف!
كم عدد السجناء في سجون النظام السوري اليوم؟! عشرات الآلاف؟! كم مات منهم تحت التعذيب والقتل؟! كم منهم يتمنى الموت هروباً من الجحيم الكارثي الذي يعيش فيه؟! ما هو موقف العالم مما يحدث في سجن حماة المركزي اليوم، واحتمال أن يقوم النظام بارتكاب مجزرة مروعة ضد السجناء المعتصمين؟
لا شيء!
ما هو موقف الدول الكبرى من التقرير المهم الأخير الذي أصدرته منظمة العفو الدولية، عن اكتشاف سجون جديدة في العراق، تضم سجناء يعيشون ظروفاً غير إنسانية فقط على الشبهة، كما قال التقرير، ولا تخضع تلك السجون والمعتقلات السريّة لأي نوع من الرقابة أو المساءلة أو معيار من معايير حقوق الإنسان؟
لا شيء!
وفقاً للتقرير الأممي، فإنّ “الاعتقالات لا تقتصر على السكان الموجودين بتلك المناطق، ولكنّها تشمل أيضاً من يحاولون العودة إلى ديارهم بعد تحريرها من (داعش)، حيث تذكر الشهادات اعتقال المئات على حواجز تفتيش تقيمها المليشيات على الطرق وعلى مداخل القرى والمدن والبلدات بذريعة منع تسلل الإرهابيين ضمن المدنيين”. من يحاسب هذه المنظمات على ما تقوم به؟ ومن يتابع ملف المعتقلين الأبرياء؟! ومن يكترث بحجم العذاب والإذلال الذي يمارس بحقهم؟!
الجواب: لا أحد!
هل باقي الدول السلطوية العربية أفضل حالاً؟! كم عدد المعتقلين في مصر، بعد الانقلاب العسكري؟ وما هي ظروف احتجازهم؟ وكم من أستاذ جامعي توفي في ظروف قاسية؟! كم هو حجم الانتهاك لحقوق الإنسان ولكرامته في مصر؟!
هل توجد عبارة أكثر فظاعة وتعبيراً عمّا آلت إليه الأمور من جملة والدة الطالب الإيطالي، جوليو ريجيني (الذي اختُطف من الأمن المصري، وعذّب ووُجد مقتولاً بعد أيام)؛ عندما أجابت مجلس النواب الإيطالي عمّا حدث مع ابنها، بقولها: عذّبوه وقتلوه كما لو كان مصرياً؟!
ما أودّ الوصول إليه هنا ليس التخفيف من خطر تنظيم “داعش” ودمويته وعدميته، وبشاعة ما يقوم به، ولا المطالبة بعدم القضاء عليه. بل هو العودة إلى الشروط والأسباب والسياق العام الذي أدى إلى صعود “داعش” وانتشاره مثل النار في الهشيم!
هذا التنظيم الراديكالي المتطرف هو ابن شرعي للسياق العام الحالي في الدول العربية؛ السياق الاستبدادي السلطوي؛ السياق الطائفي؛ سياق الأجندات الدولية والإقليمية؛ سياق الشعور بالإحباط واليأس والإهانة والرغبة في الانتقام.
القضاء على “داعش” عسكرياً لن ينهي المشكلة، طالما أنّ شروط وأسباب ظهور هذا التنظيم قائمة، بل وتزداد. ولربما قد يكون ما بعد “داعش” أكثر سوءاً من داعش نفسه، طالما أنّ المنطقة تدعشنت بالكامل، لكن بألوان وأشكال متعددة ومتنوعة!