عروبة الإخياري – محمد العامري * يشكل ديوان رفات فراشة للشاعرة السورية خلود شرف العتبة الاولى للدخول الى النص حيث تشكل تتيرولوجيا النص اهمية بالنسبة لطبيعة النصوص التي تضمنتها مجموعة (رفات فراشة) لكشط ما يخبو من نيران تحت حواس النص الذي ينبض بألم عميق نتحسسه عبر الانصات الصافي لتدفقات الجمل الشعرية التي تتوالى لنسج لنا مساحة من البكاء الخفي،الالم الذي انتجته الحروب والالتصاق بالطبيعة كوجاء طبيعي بدل من القذيفة، والبحث عن مفقودات في الذات الشعرية، الخوف الذي يوازي الفقد كما لو اننا امام شاعرة تقبض على الشجرة كي لا يرحل ظلها، شعر له رائحة الاشياء والدخول في جوهرها لتحبير عطر الالم. وارى الى ان الشاعرة تشيّدُ نصوصَها عبر الانصات لحركة الاشياء في محيطها الواقعي والمتخيل وصولا الى الانصات الاكثر ألما انصات الذات وتجلياتها من خلال الاشتباك مع الكون ووجوده واسئلته العالية. تقول الشاعرة: لا أثق بنهر وهب حكمته ونسي نفسه لا أثق بالتين على أمه يرضع أثق بنكهته في فمي. فالتشييد هنا يتحرك عبر عمارة الجوهر، فهي تحك الفسيفساء حتى الجص باحثة عن ما رشح من الاشياء كما لو انها تشرب من ما رشح من جرة الماء ولا تبتغي الكثرة في الكلام تذهب الى تجفيف النص من الثرثرة لتصل الى جملة تعبيرية مرصوصة لا فراغ فيها. انها مكنونات الرعشة الشعرية التي تضرب قارءها بمصعوقات اللغة، المصعوقات التي تثير في قاريء النص تجليات الرغبة المطلقة للاتصاق بالايقاع الشعري كما لو انه يخصه هو. ففي موقع اخر تقول خلود: يسكننا الماضي بلا استئذان غباره تحركه الأنفاس يسبقنا وإن أغلقنا الأبواب. فنرى تمظهرات النص تتجلى في الشراكة العضوية مع القاريء وما تثيره النصوص من شجن خفي، الى جانب تجليات التص بمستويات مختلفة للالم، الالم المقرون بالعزلة والتأمل بمفردات الوجود، فالوجود هو مساحة لزهرة ربما تتفتح صباحا لتأخذ الشاعرة الى كون ابعد، فهي تبدأ من تجليات الاشياء الصغيرة والمسحوقة الى العالم بأكمله. ذاهبة الى زعزعة المألوف في الكتابة الشعرية، فالتفرد هو احد مبتغياتها العليا والذي قادها نحو انياحات كثيرة في الجملة الشعرية والتي خدمت النص نفسه ومتطلبات التفرد. تقوم ممارسة النص على تفكيك الاشياء واعادة صايغتها عبر تاريخ جديد لحضورها الجمالي، وهذا الامر اقرب الى ما ذهب اليه دريدا في مسألة قوة التشظي في خارطة النص، فخلود تقوم بتعرية الاشياء من مخفياتها فاضحة وجودها لتفجر فيها تاريخا جديدا من الوجود.من ما جعلها تمتلك تنوعا وتعددية في التاويل وصولا الى مدايات ابعد من وجود النص نفسه.ففي معظم النصوص نجد تقنية ( إيزوتوبات) اي التصوير المقطعي كأننا نصطدم بجملة شعرية قد قدت من مشهد شمولي من باب جوهرة النص وصولا الى الشعر الصافي فقط. وتقول الشاعرة في مقطع مثير: اقترب مرت يمامة جنب شفتي السفلى اقترب أكثر تكاثفت روحي كما لو أنها شامة اقترب أكثر فأكثر نبت جذر أخضر في جسدي ابتعد.. تغدو سمائي داكنة. نجد في هذا النص تكثيفا مواربا للالم عبر تكثيف الروح الى نقطة سوداء ممثلة بالشامة، والتي تثير فينا الفضول الشعري لتؤكده في خاتمة النص بقولها تغدو سمائي داكنة فما بين دكنة الشامة التي تمثل الروح ودكنة السماء مساحة شاسعة من الالم، فالنقطة تشي بالبحر كذلك الشامة تصورات لسماء داكنة، فاللون هنا له الدلالة الاكثر الاما في تحول الروح في تكاثفات الاسود ليصل الى نقطة في بياض الوجه لتكون حاضرة وواضحة عبر المفارقة بين الاسود والمجاورات المضيئة حولة لكن السواد الاوسع هي سماؤها الداكنة من باب الايغال بالعزلة والحزن. وتعود مرة اخرى لتعمق الحزن والعزلة بقولها: هذا العالم أنا.. تناولته بكوب فغرق وتعود مرة اخرى لتسوق الدلالات اللونية في تعميق العزلة والحزن بقولها: تسلّلتُ من مرآتي وجهاً لوجهي قديمةٌ كحجرٍ ابتلعَ كُحلَهُ فانتظرتُ وجهَ الثلج ليبيّضَ حظِّي.طع اخر بقولها: ايضا هنا نجد المفارقة بين لون الثلج والكحل، فهنا نجد ان اللونين يمثلان مفارقات قاسية بين البياض والسواد، السواد المعادل الموضوعي للعزلة والبياض الذي يمثل الانفراج بكل تجلياته، في نهاية الامر ارى الى مجموعة رفات فراشة تقوم على المفارقات بين الالم والفرح وفي الغالب تنزح الى تلك المفارقات لتعميق الالم، عبر لغة تتجوهر فيها اللغة.
* شاعر وفنان تشكيلي من الأردن -الدستور