مع بالغ الاحترام لجميع الامم والشعوب والانسان إينما كان، وخاصة تلك التي تربطها مع وطننا علاقات صداقة وثقافة ومصالح (باستثناء اسرائيل) ،فإن هذا التدفق الهائل من العمالة الوافدة من جميع اقطار آسيا وافريقا امر يدعو للقلق والتفكير.. لماذا هذا الانفتاح المفرط نحو “ وفود واستقدام العمالة “ من قبل الاردن ؟بكامل قطاعاته الصناعية والزراعية والسياحية والانشائية والخدمية والترفيهية والعقارية والفنادق والمطاعم و المستشفيات وكل مكان، وكأن البلاد ليس فيها قوى عاملة من أي نوع؟
تبين الاحصاءات السكانية الاخيرة على ان هناك (3) مليون “ضيف على الاردن” فإذا كان عدد السوريين في حدود 1.3 مليون وعدد العراقيين 0.2 مليون و قد اضطروا للهجرة من بلادهم ، فمعنى ذلك ان لدينا 1.5 مليون إنسان معظمهم وافدون أو مستقدمون كأيدي عاملة ،مقابل العمالة الاردنية البالغة 1.65 مليون فرد. وعند الدخول بالتفاصيل و ملاحظة أن مساهمة المرأة في سوق العمل هي في حدود 15% نجد ان كل يد عاملة اردنية يقابلها تقريباً يد عاملة وافدة. وهذا غير معروف في دول العالم بهذه الكثافة ،باستثناء الدول النفطية ذات الثروات الكبيرة التي تنفق من عائدات تلك الثروات.
ان هذا الحال غير الإعتيادي يثير العديد من الاسئلة الخطيرة وعلى النحو التالي: أولاً: ما هي الكلفة الاقتصادية الحقيقية لهذا الاستقدام على المدى المتوسط والبعيد؟ آخذين بعين الاعتبار تحويلات العمالة وكلفة الأمن و الصحة والبيئة والمياه و الطاقة و المواردالأخرى؟ وهل قامت الوزارات والمؤسسات ذات العلاقة بحساب الكلفة الاقتصادية الحقيقية للعمالة الوافدة كل في قطاعها لتكون لدينا أرقام مرجعية عن “القيمة المضافة الفعلية” يمكن بناء السياسات على ضوئها.؟ ثانياً: ما هو التأثير الفعلي الحقيقي على حاله البطالة بين الاردنيين؟ وما كلفتها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية ؟وما هي الوسيلة للتعامل معها من منظور ايجابي تعاوني تشاركي وليس من منظور المنع والسماح والقبول والرفض؟ وهنا نرى ان تقوم كل وزارة بدراسة هذا التأثير وحساب كلفته ووسائل التعامل معه وتقديم مقترحاتها للحكومة. هل يعقل ان تطلب صناعات عديدة استقدام عمالة من بنغلادش أو اليمن(مع احترامنا) في الوقت الذي يعاني آلاف الأردنيين من البطالة ؟ اليست معان اقرب من بنغلادش ؟ والطفيلة اقرب من الصومال؟ وعجلون اقرب من اليمن؟ ثالثاً: ما هي الثأثيرات الصحية والسلوكية والاجتماعية لكل هذه الاعداد الضخمة على المجتمع الاردني؟ وكيف يمكن تلافي السلبيات ووضع الضوابط التي تحول دون انتشار المشكلات التي قد تؤدي الى تشوهات كثيرة ابتداء من التطرف نتيجة للإحباط والبطالة ، وانتهاء بالأمراض المزمنة لنكتشف بعد 20 سنة ان الشعب الاردني لم يعد هو الذي نعرفه.. رابعاً: ما هو تأثير كل ذلك على الامن الاداري والعسكري والمجتمعي؟ ما هو تأثير ذلك على انتشار الجريمة والتهريب والمخدرات والتزوير والفساد والعالم السفلي والالتزام بالقانون والنظام؟ خامساً: إن استمرار العمالة الوافدة على هذا النحو سوف يؤدي، في ظروف عدم قدرة العمالة الوطنية على المنافسة، إلى تمكن الوافدين من العديد من المهن و السيطرة عليها، ليتضاءل أعداد المهنيين الأردنيين و يختفون في بعض المهن إلى درجة تحدث خللا في هرم العمالة , الوطنية .
ان القرارات الفجائية في هذا المسألة ليست مطلوبة، حتى لو كانت صحيحة بالمطلق أو بشكل عام. إن الفجائية و الفورية تحولها الى قرارات غير صحيحة. فلا تستطيع الحكومة ولا ينبغي ان تعطل مرافق انتاجية او خدمية بوقف فجائي لتصاريح عمالها. و لكن تستطيع برمجة الإحتياجات من خلال التفاهم مع غرف الصناعة و الزراعة والسياحة وجميع المرافق التي تستخدم عمالة وافدة على خطط مشتركة لاحلال عمالة اردنية خلال فترة زمنية معقولة تتراوح من 5 إلى 10 سنوات– وخلال هذه الفترة يتم تأهيل العمالة الاردنية مهنياً و مهاراتيا ونفسياً وسكنياً ومادياً لأن تأخذ دورها ومكانها.
ان تأرجح سوق العمالة وسوق الانتاج بين انفلات العمالة الوافدة، أو منعها بشكل فجائي في هذا القطاع أو ذاك، سوف يؤدي الى نتائج اقتصادية واجتماعية وأمنية بالغة الخطورة.
في اعتقادنا ان المشكلة تتمثل في غياب الاستعداد للدراسات التفصيلية القطاعية وتحت القطاعية ومن ثم وضع الخطط و المخصصات اللازمة للمواجهة والتغيير، والتي هي بطبيعتها خطط إجتماعية إقتصادية تأهيلية مركبة،يأتي في مقدمتها انشاء “صندوق دعم العمالة الوطنية”. ولا بد أن يكون لدينا الاستعداد لوضع الخطط المشتركة بالتعاون مع القطاع الخاص والقيام بالتأهيل والتدريب والدعم اللازم بالتعاون مع مؤسسات التدريب والمؤسسات المالية والاسكانية والاكاديمية.
ان الدولة تتكبد خسائر كبيرة غير منظورة تتجاوز مئات الملايين دينارسنويا نتيجة لتدفق العمالة الوافدة المبالغ فيه. ولو تم تحويل جزء من هذه الخسائر الى صندوق دعم العمالة الوطنية لتغيرت الاوضاع باتجاه ايجابي. فلتستعن الدولة بالخبراء والمفكرين و التكنولوجيين وبمؤسسات التدريب والاقتصاديين، ولتستفد من تجارب الدول الأخرى، لوضع حلول عملية لهذه المسألة الخطيرة التأثير على المستقبل بل وعلى بنية المجتمع ذاته.