ثمة من يدفع إلى الواجهة بفكرة تأجيل الانتخابات النيابية، بحجة الأوضاع الإقليمية المضطربة. غير أن هذا الفريق يتكئ إلى رؤية محدودة؛ أي من دون النظر إلى كامل ما نحتاجه من متطلبات في هذه المرحلة لكي نمضي إلى الأمام.
إذ ثمة عناصر متعددة، كما متداخلة، تفرض نفسها؛ يلزم وضعها على الطاولة والتمعن فيها، عند طرح فكرة من قبيل تأجيل الانتخابات النيابية، أهمها العجز الرسمي عن تحسين حياة الناس، وضمن ذلك عجز السياسات الحكومية عن تخفيض معدلات الفقر والبطالة خصوصاً، في إطار التخفيف من الضغوط الاقتصادية عموماً. وهو ما يعمق إحباطات الأردنيين من أحوالهم التي يضربها غياب الرؤية الوطنية على هذا الصعيد، مترافقاً مع صفعات الظروف الإقليمية التي تحد حتى من فرص إبقاء الوضع القائم على ما هو عليه.
وفي الشق الاقتصادي تحديداً، هناك مشروع اتفاق ثان مع صندوق النقد الدولي، سيتم إبرامه في النهاية حتى إن لم يتحقق ذلك خلال الزيارة الماضية لبعثة المؤسسة الدولية، والتي انتهت قبل نحو أسبوع. وهو اتفاق سيُلزم الحكومات باتخاذ قرارات صعبة، تتمثل في زيادة كل من تعرفتي الكهرباء والمياه، والضرائب والرسوم، ضمن قرارات أخرى تضاعف معاناة الناس اقتصادياً بشكل أساس.
بعبارة أخرى، فإن الالتزام مع “الصندوق” الذي يبدو –عبر تقييمه الأرقام الرسمية- غير راض عما تم تحقيقه في السنوات السابقة، على صعوبتها، معناه جملة من السياسات القاسية، ذات التبعات الاجتماعية الخطيرة والعميقة، والتي لن تتكفل شبكة الأمان الاجتماعي التي تطبقها الحكومات في تخفيف حدتها.
وإزاء عجز الحكومات عن تحريك مياه الاقتصاد الراكدة، بل وتكاثر المعطيات التي تشير إلى مزيد من تقلص القدرة على تغيير الواقع، يكون مهما، ومنطقياً، التفكير في الجزء الثاني من المعادلة، وهو الإصلاح السياسي؛ من حقيقة أن المضي فيه مصلحة عامة للبلد واستقراره. إذ لا يستوي أن يتعطل الشق السياسي فيما الحكومات ماضية بـ”الإصلاح الاقتصادي” على قسوته.
تجربة العام 1989 ما تزال حاضرة. إذ تمثل المخرج من أزمة مالية قاتلة وقتها، في إصلاح سياسي، أفرز مجلس نواب جديدا، وضخ الدماء في العملية السياسية، بما وفر فرصة تجاوز تلك الأزمة؛ إذ غطى الإصلاح والانفراج السياسيان عورات الاقتصاد المفضوحة.
واليوم يتكرر المشهد؛ أزمة اقتصادية خانقة، لا يكاد يبدو من أمل في تجاوزها وفق المعطيات الحالية، اللهم إلا أن تهبط علينا مليارات الدولارات من حيث لا ندري؛ لسداد الدين العام، وخفض العجز المالي، وإنشاء مشاريع تخلق فرص عمل وتخفّض –تالياً- معدلات البطالة، وكذلك زيادة أجور الأردنيين ومخصصات المعونة الوطنية، بهدف تخفيض معدلات الفقر. لكن هذا، وللأسف، لن يحدث، وكل ما يأتي من منح بالكاد يكفي لتسكين الجراح، وعدم تفاقم الوضع أكثر.
إضافة إلى ما سبق، فإن المشهد السياسي المحلي، ولاسيما العلاقة بين السلطتين اللتين على تماس مباشر مع الشارع؛ التنفيذية (الحكومة) والتشريعية (مجلس النواب)، بات يُظهر مؤشرات غير مطمئنة. ومن ثم، إذا كان هدف المرحلة المقبلة هو تحصين الجبهة الداخلية، بتعزيز وحدة المجتمع في وجه التحديات كافة، فإن الوصفة القائمة لم تعد قادرة على تحقيق ذلك، بل على العكس؛ إذ إن كل إفرازات المشهد القائم تشير إلى مزيد من الفرقة والانقسام والصراع، وبما يضرب الهدف السابق في الصميم.
خلاصة القول؛ إن إبقاء الوضع القائم، بإطالة عمر مجلس النواب، لن يخدم أحدا باستثناء أعضاء المجلس. وطالما أن الاقتصاد عاجز عن إحداث فرق إيجابي، بل وتتزايد اختلالاته وعيوبه، يكون الحل لتحقيق الأثر الإيجابي المطلوب على المزاج العام، هو الدفع بالإصلاح السياسي خطوة إلى الأمام، عبر إجراء انتخابات نيابية خلال العام الحالي.
مجلس النواب الحالي بات حمولة زائدة، ومثله الحكومة. وحتى يواصل المركب المضي بأمان وثبات نحو المستقبل، فإنه يلزم نقل البلد الى مرحلة جديدة من الإصلاح السياسي على الأقل.