أن تصل المراسلات الرسمية بين رئيس الحكومة د. عبدالله النسور ورئيس مجلس النواب المهندس عاطف الطراونة إلى مواقع التواصل الاجتماعي، معناه أن الخلاف بين الرجلين قد بلغ مداه.
إذ على مدار الأيام القليلة الماضية، تبادل الناس عبر هذه المواقع صورا للكتب الرسمية بين الرئيسين بشأن تعيينات طالب بها الطراونة لحوالي 100 موظف في مجلس النواب، متكئا على استثناء حصل عليه مجلس الأعيان سابقاً، سمح له بتعيين العشرات مباشرة، رغماً عن القرار الحكومي الذي يمنع التعيين إلا من خلال ديوان الخدمة المدنية.
اللغة بين الرجلين، كما ظهر من المراسلات “المسربة”، لم تعد اعتيادية أو ضمن حدود المعايير المهنية؛ فالنسور يوافق على الطلب بعد اجتماع مع الطراونة، لكنه يعبر عن هذه الموافقة بصيغة غير مألوفة بين رؤساء السلطات الدستورية، إذ يخاطب رئيس مجلس النواب، في كتاب رسمي، بالقول: “بعد تردد توافق الحكومة على الطلب بتعيين الموظفين”. ليرد الطراونة: “كنت أتمنى أن يكون هذا التردد عندما تم اختيار شاغلي الوظائف العليا أو عند ترفيع بعض شاغلي الوظائف العليا أو حين تم منح الاستثناءات للتعيين لكل من وزارة الخارجية والداخلية والعمل ومجلس الأعيان وسلطة منطقة العقبة الخاصة”!
وفي “معركة التعيينات”، يبدو كلا الرئيسين مخطئا. ذلك أن النسور؛ صاحب الولاية العامة، وافق بالنتيجة النهائية على الاستثناء، مع تصميمه في الوقت ذاته على أن لا يفوّت فرصة تسجيل ضربة جديدة للطراونة، عبر لغة بدت استعلائية، فجاءت الصيغة خارج كل الأطر المعروفة. وقد كان الأولى أن يلتزم صاحب الولاية العامة بقراره بعدم التعيين، لأن الاستثناء يزيد التشوهات في بند الإنفاق الحكومي. أيضا، كان من حق النسور رفض طلب الطراونة فحسب، من دون اتباع هذا الأسلوب الغريب على رؤساء الحكومات.
أما بالنسبة للطراونة الذي يؤكد أنه تعاون مع الحكومة تطبيقا لمبدأ تكامل العمل بين السلطات، فهو يتهم النسور بالاستقواء على السلطة التشريعية وإضعافها، بعدم إدراك رئيس الحكومة لحجم الأذى الذي يوقعه على صورة المؤسسات الدستورية الراسخة.
لكن رئيس مجلس النواب الذي قام في بدايات رئاسته بتوزيع 500 موظف من كادر المجلس على الوزارات والمؤسسات المختلفة بسبب ضخامة عدد العاملين لديه، يعود اليوم مطالبا بتعيين أكثر من 100 موظف بدافع المحسوبية خصوصا، كما يبدو. إذ تشمل التعيينات الجديدة أبناء نواب ومقربين وسواهم؛ فلماذا هذا التناقض؟
ليست هذه هي المعركة الأولى بين الرئيسين، ولا يبدو أنها ستكون الأخيرة؛ فقبلها كانت هناك، على وجه الخصوص، معركة رئاسة الجامعة الأردنية التي ذهب ضحيتها شقيق رئيس مجلس النواب د. اخليف الطراونة، رغم تطمينات النسور له بتجديد عقده.
وبما أنه ما يزال في عمر ولاية رئيسي المؤسستين بقية، بغض النظر عن طول المدة؛ فيكون منطقياً تماماً توقع أن تسوء العلاقة بينهما أكثر، بعد أن وصل التنافس بينهما حدودا خطيرة تؤثر على صورة المؤسستين. كما أن في هذا الواقع خروجا عن المعيار الملكي الذي يقوم على حصول الحكومة على ثقة أغلبية أعضاء مجلس النواب الذي يرأس الطراونة فيه أكبر كتلة نيابية.
فوق ذلك، فإن تعقّد العلاقة بين الرجلين، بحيث خرجت عن كل الأطر الرسمية، وباتت حديث مواقع التواصل الاجتماعي، يؤدي إلى تعطل المنجز المشترك غالباً بين المؤسستين، وبما يطرح التساؤل عن جدوى الذهاب إلى سيناريو إطالة عمر الحكومة الحالية، من خلال تعديل موسع كما يرغب النسور أو التمديد، وفقاً لرغبة الطراونة، لمجلس نواب لم يعد يقوى حتى على الحفاظ على نصاب استمرار جلساته!
لدى النسور والطراونة قصص كثيرة يرويانها عن مدى سوء العلاقة بينهما. والحقيقة أن كل ما يصدر عنهما في هذه المرحلة الحاسمة والحساسة، لا يعدو أن يكون سوى أعراض قرب الرحيل من “الدوار الرابع” و”العبدلي”. لكن يبقى السؤال الأول هو: متى؟ فيما السؤال الأهم: من يخسر من هذا الصراع؛ الطراونة أم النسور.. أم الأردن؟