حوارات ونقاشات كثيرة، ضمن ورش وجلسات عمل مستمرة، يعكف على إقامتها الشركاء في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. أما الهدف، فهو بلورة مبادرة جديدة تشكل انطلاقة مختلفة للقطاع.
التسمية ليست جديدة؛ إذ مرت “المبادرة” على مسامع الأردنيين في هذا المجال تحديداً أكثر من مرة، تحت عنوان “ريتش”. وحتى الآن، لدينا 4 مبادرات؛ أولاها في العام 2000، واتخذت نمطاً سنويا حتى العام 2004. ثم تُوّجت كلها بما سمي في حينه “الأردن 2010”. واليوم، يعكف القطاع على وضع “ريتش 2025”.
مراحل عديدة مر بها قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، لم تكن كلها ناجحة. ففي البداية، كان تنفيذ ما جاء في المبادرات معقولا. لكن المشكلة الأكبر تجسدت في المبالغة على صعيد الأهداف المرجوة، فكانت غير واقعية، مصيرها في النهاية، وبشكل طبيعي، العجز عن تنفيذ المطلوب، لتبقى “أهدافاً” أقرب إلى الأحلام معلقة.
أما المشكلة الثانية التي أدت إلى النتيجة ذاتها، فترتبط بسوء التنفيذ أو حتى غيابه تماماً في بعض المراحل، نتيجة غياب الإرادة وكثرة التغييرات في المواقع الرسمية تحديدا.
هذا الواقع خلق، بالنتيجة، فجوة بين الواقع والمأمول نظريا. فحجم القطاع ليس كما خُطط له، وفرص العمل التي ولّدها أقل بكثير من تلك الواردة في الخطط.
اليوم، لدى القائمين على القطاع فرصة لإصلاح الاختلالات من خلال المبادرة الجديدة التي يعكفون على وضعها، والتي يتمثل هدفها العام في تحويل الأردن إلى مركز إقليمي لقطاع التكنولوجيا، من خلال جذب استثمارات جديدة، وتوفير نوافذ تمويلية في بيئة داعمة للفكرة.
الفكرة نبيلة ومهمة في الظرف الاقتصادي الحالي. لكن تنفيذها ليس يسيرا، بل يواجََه بكثير من المعيقات، أهمها بطء الإجراءات. وأضرب مثالا على ذلك، بأنه منذ مدة أقرّت الحكومة مجموعة من الحوافز للقطاع، أُعلن عنها في الإعلام، وتم الاحتفاء بها. لكن الصادم في الموضوع أن قرار مجلس الوزراء بهذا الخصوص لم يصدر رغم مضي مدة طويلة على إعلانه. ومثل هذا التلكؤ، يا سادة، كفيل بإجهاض “ريتش 2025″ و”ريتش 2035” وغيرهما.
أيضاً، ومرة أخرى، فإن التفاؤل غير المبرر بشأن الأهداف؛ بأن لا يقوم على أرضية راسخة ومعطيات عملية، كفيل بدوره بتقديم نموذج جديد للفشل في تنفيذ الخطط. وهذا أمر يمكن تقديم عشرات الأمثلة عليه، في مختلف القطاعات! فهو للأسف القاعدة وليس الاستثناء.
فالنجاح يحتاج إلى توصيف حقيقي لوضع القطاع حاليا، لاسيما نقاط الضعف التي يعاني منها، من دون تجميل أو مواربة. وليتم، بناء على ذلك، وضع الحلول وتقييم مدى القدرة على تنفيذها. فليس مطلوبا اليوم رفع سقف التوقعات، لنأتي بعد عقد ونكتشف أن ما تحقق ليس إلا جزءا مما قيل.
فمثلاً، يعد صندوق “أويسس” لدعم الريادة قصة نجاح مهمة فعلاً؛ إذ دعم الكثير من المشاريع الريادية. وهو اليوم يدعم 127 مشروعا، فيما كان الهدف دعم 500 مشروع، في دليل جديد على الفجوة بين المخطط له والمنفذ فعلياً.
الآمال معقودة على قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لإحداث تغيير في هيكل الاقتصاد، خصوصا أن البيئة مواتية لتحقيق هذا الهدف في قطاع خدمي يُقبل عليه الأردنيون، وهو مؤهل فعلا لجعل الأردن مركزا للإقليم، إنما بشرط سلامة التخطيط والقدرة على التنفيذ.
الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات مجالان يقومان على الريادة، ولهما دور كبير في رسم مستقبل ماهية الاقتصاد. لكن المهم الانتباه إلى أن التراجع بدأ يظهر في القطاع؛ إذ كانت نسبة مساهمته في الناتج المحلي قبل خمس سنوات، تصل إلى 14.2 %، لكن هذه النسبة تراجعت في السنوات الأخيرة، كما أعتقد، بحكم تراجع بعض مؤشرات القطاع.
فرجاء، اجعلوا الأهداف ممكنة التحقيق، لا أحلاماً معلقة في الهواء.