* السفير تريغونايات: علاقاتنا مع الوطن العربي وغرب آسيا استراتيجية وندعم بقوة القضية الفلسطينية
* د. أبو حمور: الهند قوة اقتصادية عالمية وعلاقاتها التاريخية مع العرب تعزز حماية المصالح المشتركة
عروبة الإخباري – – ضمن سلسلة لقاءاته الفكرية، استضاف منتدى الفكر العربي، مساء الأربعاء 9/6/2016، سعادة السيد أنيْل كومار تريغونايات، سفير الهند لدى الأردن، في محاضرة باللغة الإنجليزية تحت عنوان “العلاقات الهندية – العربية: آفاق ووجهات نظر”، تناول فيها تطور العلاقات التاريخية بين الجانبين، وإسهامات الهند في الحضارة الإسلامية وموقعها في العالم الإسلامي من حيث أنها ثاني أكبر دولة عالمياً في عدد مواطنيها المسلمين، فضلاً عن العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، والتعاون مع الدول العربية في المجالات الدفاعية والأمنية والتكنولوجيا، ومكافحة الإرهاب، وموقف الهند الداعم للقضية الفلسطينية من أجل التوصل إلى الحل الشامل. كما تحدث حول العلاقات الدبلوماسية المتميزة بين الهند والأردن، ومجالات التعاون وتعزيزها، والمواقف المشتركة بين البلدين. وقد أدار اللقاء الدكتور محمد أبو حمور، الأمين العام لمنتدى الفكر العربي.
كلمة تقديم للدكتور محمد أبو حمور
قدَّم الدكتور محمد أبو حمور لمحاضرة السفير الهندي بكلمة أكد فيها أن مثل هذه اللقاءات التي ينظمها المنتدى هي نوع من الإسهام في الدبلوماسية الثقافية التي تعمل لصالح الجميع، وتهدف إلى إقامة حوار بين الشخصيات الدبلوماسية والفاعلة في العمل الدولي والإنساني والنخب الثقافية والفكرية، وخاصة في القضايا المشتركة والشؤون المتعلقة بالوطن العربي والشرق الأوسط والأوضاع العالمية، ومن أجل توضيح وجهات النظر المختلفة وتبادل الآراء، واستشراف الحلول للأزمات والقضايا في المنطقة.
وأشار الدكتور أبو حمور إلى أن مجالات الاهتمام المشترك تتشعب في إطار العلاقات العربية- الهندية، مما يعطي هذه العلاقات أهمية خاصة، اعتماداً على تاريخ حضاري عميق من الروابط بين الجانبين، وبحكم الجوار الجغرافي، والتبادل الثقافي والتجاري، والهجرات وحركة السكان، والقواسم المشتركة في معالجة العديد من القضايا السياسية الدولية، وتشابه التجربة النضالية ضد الاستعمار الأجنبي، وأشكال المساندة المتبادلة بين العرب والهنود، خاصة ضمن إطار حركة عدم الانحياز، التي عززت علاقات الصداقة والتعاون بين الجانبين منذ عقود. وقال: إن تطورات السياسة الدولية، واختلاف موازين القوى تفرض تقوية تلك العلاقات وتمتينها في مختلف المجالات، وإقامة حوار دائم بين الهند والدول العربية، يساعد على مزيد من التفاهم والتقارب بينهما، وتنعكس نتائجه بشكل إيجابي على شعوب المنطقتين، وعلى السلم العالمي، وبما يخدم أهدافهما وحماية مصالحهما، ويعالج بشكل جذري ما يمكن أن يؤدي إلى منع التأثيرات السلبية على هذه العلاقات.
وأضاف الدكتور أبو حمور أن الهند تعتبر اليوم قوة كبرى في عالمنا، وتحظى تجربتها التنموية بالاحترام، فهي ضمن مجموعة العشرين الاقتصادية، وضمن المجموعة النووية، ولديها نخبة متعلمة مزودة بالخبرات والمهارات والانفتاح على العالم الخارجي، كما أنها تعتبر الدولة الأولى عالمياً في تكنولوجيا المعلومات والبرمجيات. وفيها أكبر عدد من المسلمين في العالم بعد إندونيسيا، وتتسم بتنوع ثقافي، وديمقراطية عريقة، وسياسة متزنة. إضافة إلى أنها شريك تجاري واستثماري مهم للدول العربية التي تضم بعضها عمالة هندية كبيرة في القطاعات الخاصة، ومن شأن هذه الروابط أن تسهم في تحقيق المزيد من تبادل حماية المصالح عبر المشروعات الاقتصادية المشتركة، والاستثمار، وتكثيف الاهتمام بالمجال الثقافي الذي يضمن وجود ركائز لمناهضة الإرهاب وتجاوز المخاطر التي يسببها على استقرار الشعوب وأمنها.
محاضرة سعادة السفير الهندي أنيل كومار تريغونايات
وفي محاضرته استعرض سعادة السيد أنيل كومار تريغونايات تطورات العلاقات بين الهند والوطن العربي ومنطقة غرب آسيا؛ مشيراً إلى استمرار هذه العلاقات وتفاعلاتها على مدى لا يقل عن 5000 عام من الروابط الحضارية، ولا سيما الثقافية والتجارية، التي ساعدت على ازدهار طرق التجارة ونقل البضائع الهندية في العالم القديم، ومنها عبر مدينة البتراء في الأردن، وصولاً إلى الأسواق الإقليمية والغربية. كما أن الهند التي تضم 200 مليون من السكان المسلمين وتعد ثاني أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان المسلمين، كان لها إسهاماتها في الحضارة العربية والإسلامية، من خلال اتصال العرب والمسلمين قديماً بالمعارف الهندية في علوم الرياضيات والفلك والفلسفة، التي انتقلت من خلال علمائهم إلى الغرب، وأهمها الأرقام المخترعة أصلاً في الهند. عدا علماء الإسلام واللغة العربية الذين نشأوا فيها عبر العصور وقدموا أعمالاً مهمة في الآداب والعلوم والفنون.
وأشار السيد تريغونايات إلى أن عدداً كبيراً من الطلاب العرب بمن فيهم طلاب من الأردن يتلقون دراستهم اليوم في مختلف جامعات الهند، وأن عدداً من الجامعات الهندية افتتحت لها فروعاً في دولة الإمارات العربية المتحدة، وكذلك تنتشر المدارس الهندية في جميع دول مجلس التعاون الخليجي. وهناك 10 مذكرات تفاهم وقعت عام 2015 بين الجامعات الهندية الكبرى، بما فيها المعهد الهندي للتكنولوجيا، مع الجامعات الأردنية.
وقال: إن منطقة غرب آسيا تزداد أهميتها بالنسبة للهند في ضوء التطورات الكبيرة خلال العقود الماضية، بما في ذلك إنشاء منظمة أوبك، ونضال الفلسطينيين لنيل حقوقهم الوطنية المشروعة، موضحاً أنه لا بد من التكامل بين الهند والوطن العربي الذي يمتلك الثروة النفطية الوفيرة والموقع الاستراتيجي، في الوقت الذي أصبحت فيه الهند قوة اقتصادية إقليمية، ويعد اقتصادها حالياً أسرع الاقتصادات نمواً في العالم، ووجود أكثر من 7 ملايين من الهنود يعيشون ويعملون في منطقة الشرق الأوسط، ويساهمون في ازدهار وتطور كل من الهند والبلدان المضيفة في الخليج العربي بشكل خاص، وتشكل دخولهم مصدراً كبيراً من النقد الأجنبي؛ إذ يتجاوز مقدار تحويلاتهم 35 مليار دولار سنوياً.
وأضاف في هذا الصدد أن الشرق الأوسط وغرب آسيا هما الشريك التجاري الأكبر للهند. وفي بعض السنوات أصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة وحدها هي أكبر شريك تجاري للهند بقيمة تزيد على 75 مليار دولار، علاوة على استثمارات الشركات الهندية في إنشاء مرافق في دول مجلس التعاون الخليجي والاقتصادات الرئيسية في غرب آسيا. وفي المقابل حققت الهند تقدماً استراتيجياً في إيجاد مناخ مؤات لزيادة حجم التجارة والاستثمار الخليجي فيها خلال العامين الماضيين، الذي يقدر حالياً بما قيمته 125 مليار دولار. ومن المتوقع أن تكون الهند ثالث أكبر مستهلك للنفط في العالم من النفط في عام 2030 بحيث يزيد اعتمادها بشكل كبير على دول مجلس التعاون الخليجي، الذي تمتلك الدول الست الأعضاء فيه أكثر من 45% من الثروة النفطية القابلة للاستخراج في العالم، و 20% من موارد الغاز. وتستورد الهند نحو 70% من احتياجاتها النفطية والغاز من الشرق الاوسط. كما أن منطقة الخليج الغنية برؤوس الأموال ستكون مصدراً كبيراً للاستثمار في تطوير البنية التحتية في الهند، التي تفتح أبوابها للشراكات بين القطاعين العام والخاص، وهناك نافذة كبيرة من الفرص للمستثمرين من منطقة الخليج. ووصف السيد تريغونايات العلاقة مع عدد من الدول في المنطقة بأنها ذات طابع استراتيجي، فلدى الهند اتفاقات موقعة وترتيبات دفاعية وأمنية مع كل من السعودية والإمارات وقطر والبحرين والأردن وسلطنة عُمان.
وقال إن فلسطين تشكل القضية المحورية في العلاقات الهندية العربية. وأن الهند تدعم القضية الفلسطينية بشكل دائم، مشيراً إلى أن السيدة سوشما سواراج، وزير الشؤون الخارجية في الهند أكدت خلال الاجتماع الوزاري الأول لمنتدى التعاون الهندي العربي في المنامة يوم 24 كانون الثاني/ يناير الماضي، أنه لا يوجد أي تغيير في سياسة الهند إزاء تقديم دعم قوي للقضية الفلسطينية، مع الحفاظ على علاقات جيدة مع إسرائيل، وأن الهند تعرب عن قلقها العميق إزاء فقدان عدد كبير من أرواح المدنيين في غزة. كما أن فخامة السيد براناب موخرجي، رئيس الهند، أكد خلال زيارته الرسمية للأردن في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي أن “الهند لديها التزام لا يتزعزع لدعم وتوسيع العلاقات مع العالم العربي، فهي علاقات قديمة وحضارية، وأن غرب آسيا التي يعيش ويعمل فيها ملايين من الهنود هي منطقة حيوية بالنسبة للهند”.
وأوضح السفير تريغونايات أن الهند تثمن دائما رؤية صاحب الجلالة المغفور له الملك الحسين، وصاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين في السعي مع جميع الأطراف المعنية على المستويين الإقليمي والعالمي لإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية. ومن جانب آخر، فإن علاقات الهند الثنائية مع إسرائيل مستقلة عن علاقاتها مع فلسطين. فالهند تدعم التوصل إلى حل تفاوضي يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة ومستقلة وقابلة للحياة، عاصمتها القدس الشرقية، وتعيش بسلام جنباً إلى جنب مع إسرائيل، وفق قرار اللجنة الرباعية وخريطة الطريق وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وقد ساهمت الهند بدور نشط في حشد الدعم لهذه القضية في جميع المحافل متعددة الأطراف، ودعت الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني إلى ممارسة ضبط النفس، والعمل من أجل التوصل إلى حل شامل للقضية الفلسطينية، وقامت بتقديم المساعدة في الميزانية الاقتصادية التنموية لفلسطين.
وأكد السفير خلال استعراضه العلاقات الهندية الأردنية الدبلوماسية والاقتصادية، التي بدأت منذ 65 عاماً، أن الهند في تعاونها لمكافحة الإرهاب والتطرف في المنطقة، تريد أن تكون هذه المنطقة مستقرة وآمنة، دون التدخل في الشؤون الداخلية لدولها، وأن ذلك يعد مؤشراً على البُعد الاستراتيجي في نهجها إزاء القضايا الدولية الرئيسية التي تهدد القيم الإنسانية والوجود، وعبَّر عن التقدير لدور الأردن في مكافحة الإرهاب. وكذلك تقدير الهند عالياً للأردن والإمارات العربية المتحدة دورهما في إعداد صياغة واضحة لترشيح الهند في عضويتها الدائمة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، داعياً إلى تعزيز العلاقات الهندية مع دول الجامعة العربية نحو مزيد من تحقيق مصلحة الجانبين.