يخشى الأردنيون كثيراً على وطنهم. وحساسيتهم مفرطة عندما يتعلق الأمر بأمنهم؛ أمن بلدهم واستقراره، فيكونون سدا منيعا في وجه أي محاولة للمساس به.
هذه الحساسية الأردنية والحرص الوطني، إلى جانب خصوصية العلاقة مع النظام السياسي، شكلا أحد أهم أسباب عبور البلد مراحل صعبة خلال السنوات الماضية.
لكن التحديات تبقى ماثلة. وإضافة إلى تهديد الإرهاب، يبرز التحدي الاقتصادي، ليكونا أخطر ما يواجه الأردن اليوم.
في مواجهة الأول، تبدو راسخة بشكل مثبت قدرة الأجهزة الأمنية. إلا أنه ما تزال ثمة ثغرات لنفاذ الإرهاب لم تُغلق بعد، وهو الأمر الذي يقع على عاتق الحكومات، لكن ما تزال قاصرة أدواتها المستخدمة لتحقيق ذلك، ولا يتسع المجال لتبيانها هنا. وتتعاظم خطورة هذا التهديد كونه يتزامن مع ظروف اقتصادية صعبة.
عمليا، الأردن محاصر. فالحدّان السوري والعراقي مغلقان، والعلاقة مع إسرائيل في أسوأ حالاتها، وفعالية حملة مقاطعة البضائع الإسرائيلية تتعاظم، في تكريس لرفض شعبي للتطبيع الاقتصادي مع عدو هو أيضا تهديد للأردن أصلاً، ويتفاقم توتر العلاقة معه أكثر حالياً نتيجة تعطل عملية السلام الفلسطينية-الإسرائيلية، وممارسات المحتل في المسجد الأقصى والمواقع المقدسة الأخرى.
الوضع الإقليمي، عموماً، هو كذلك الأسوأ منذ عقود. الأمر الذي انعكس تراجعاً كبيراً في نشاط القطاع السياحي، ملحقاً به ضرراً أفقده القدرة على تعويض خسائر في قطاعات اقتصادية أخرى، لاسيما بسبب تراجع حجم التبادل التجاري مع سورية والعراق نتيجة الحالة الأمنية الإقليمية.
الحالة المضطربة والمتفجرة في الدول المجاورة خصوصاً، والمنطقة ككل، تزامنت مع سياسات حكومية أضرت ببعض القطاعات الاقتصادية، لاسيما المرتبطة بالقطاع الخاص، وبما عمق المشكلة الاقتصادية عموماً.
وزاد الطين بلة التخبط في إدارة وتنظيم سوق العمل، والعجز عن تنفيذ استراتيجية التشغيل، باستثناء جوانب شكلية صورية، بحيث لم يحدث، بالتالي، فرق في تنظيم هذه السوق، وخلق فرص عمل للأردنيين. واستفحل الخلل مع لجوء مئات الآلاف من السوريين وعيشهم خارج المخيمات، بما فرض حاجتهم الماسة لوظائف توفر لهم قدرا من المال، حتى لو كان قليلا.
بالنظر إلى المحيط، واستناداً إلى جميع التقارير والقراءات المستقبلية، لا يبدو أن الإقليم سيعود كما كان سابقاً؛ فثمة سورية وعراق جديدان. وحتى هذا لن يكون قريبا، إذ إن أزمتي البلدين ستتواصلان لمدة طويلة نسبياً، قبل أن تضع الحرب فيهما أوزارها.
ماذا يعني ذلك؟
هذا بالتأكيد يقول إن العامين المقبلين على الأقل لن يكونا هينين اقتصاديا. إذ ستبقى المعاناة تنمو وتتزايد نتيجة ارتفاع نسب الفقر والبطالة خصوصاً، الأمر الذي يفرض على الجميع جاهزية كاملة للتعامل مع سنوات قاسية اقتصاديا، لا يتوقع خلالها تحقق تحسن في أوضاع الجوار، وبما يؤدي إلى اختناق الاقتصاد الأردني أكثر.
الحديث عن مساعدات إضافية، باستثناء الأميركية، مسألة غير مضمونة. وتجديد المنحة الخليجية تحديداً، والتي تنتهي في العام 2017، هي أيضا قضية لم تحسم بعد. لكن يمكن للمتابع سرد مجموعة من الأسباب التي تُبعد فكرة التجديد.
فوق ذلك، يبدو الوضع متجهاً للتصعيد على الجبهة الجنوبية من سورية، والتي يسعى الأردن إلى تجديد الهدنة فيها بالتنسيق مع الروس. وفي حال لم يتوصل الطرفان لاتفاق، سيعني ذلك مزيداً من الضغوط البشرية والأمنية على المملكة، وبالتالي مزيدا من التعقيد داخلياً.
أظن أنّ من المنطق الحديث بصراحة عن مدى صعوبة السنوات المقبلة، بحيث يتهيأ الناس لذلك؛ فتضع كل مؤسسة وحتى أسرة، إضافة إلى الحكومة طبعاً، معاييرها للتعامل مع الوضع الصعب، ومحاولة عبور الفترة المقبلة بأقل الخسائر، لاسيما أن التقليل من التبعات السلبية لما يجري في المنطقة يبدو مسألة تعجز عنها الحكومة الحالية المكبّلة بعقلية الجباية من ناحية، وبظروف إقليمية تخرج عن سيطرتها من ناحية أخرى.
ليس المقصود الاستسلام، بل لا بد من المضي في معالجة المشكلات وطرق كل الأبواب. لكن يلزم، في الوقت ذاته، أن لا نرفع التوقعات بتفاؤل لا يقوم على قاعدة راسخة، فنعيد مرة أخرى أخطاء سابقة.