عروبة الإخباري – تثير زيارة الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية العماني “يوسف بن علوي بن عبدالله” إلى إيران، في هذا “الوقت بالذات”، عناوين وأسئلة عديدة، لعل أبرزها: هل بمقدور مسقط أن تصلح ذات البين، بين الرياض وطهران؟
إذا كان الاعلام العماني الرسمي لا يفصح إلا عن تلك العناوين التي تُخفي أكثر مما تظهر، من قبيل “تطوير العلاقات الثنائية والأوضاع في المنطقة لا سيما الأزمة السورية”، وإذا كانت العلاقات الثنائية بين السلطنة وإيران ” متطورة” وعلى قدر عال من التقارب والخصوصية التي يمكن ان تجمع دولة خليجية بإيران، فإن زيارة مهندس الدبلوماسية العمانية إلى طهران الآن لن تزيد من عمق وتطور العلاقات الثنائية شيئا، لكن قد تحمل رسائل وتعيد فتح ملفات أزمات المنطقة بمقاربات يمكن وصفها بالمختلفة.
توتر العلاقات بين أكبر دولتين على ضفتي الخليج، السعودية وإيران، يثير قلق مسقط كثيرا، ويثير قلق قوى دولية كالولايات المتحدة الأميركية التي تعوّل كثيرا على دور عُماني لتهدئة هذا التوتر بين ضفتي الخليج، فالسلطنة التي القت بثقلها من أجل إخراج إيران من عزلتها الدولية ومن أجل نزع فتيل مواجهة عسكرية محتملة بين الغرب والجمهورية الاسلامية بسبب “الشق العسكري” من برنامج الأخيرة النووي، والتي لعبت دور وساطة فاعلا في إنجاح الاتفاق على برنامج إيران النووي بين الجمهورية الاسلامية والغرب، تأمل في جني ثمار عملها الدبلوماسي الدؤوب عبر الحصول على “حصة كبيرة” من انفتاح إيران على الأسواق العالمية بعد رفع الحصار، عبر جذب المال الإيراني المفرج عنه من بنوك الغرب وأيضا عبر عائدات عودة النفط الإيراني إلى السوق العالمية، ايضا الخبرات الإيرانية في مجالات الصناعة والزراعة والطب إلى مناطق الاستثمار في عمان، خصوصا منطقة ” الدقم ” على بحر العرب، ومنطقة صحار على بحر عمان.
وإذا كانت التجارب الماضية أثبتت أن مسقط مؤهلة للعب دور فاعل في نزع فتيل الأزمة بحكم طبيعة العلاقة التي تربطها بالرياض وطهران، فإن قرار الحوار لنزيع فتيل هذه الأزمة هو بيد الإيرانيين والسعوديين أولا، ولا بد أن يتخذ داخل العاصمتين الكبيرتين ووفق تنازلات معلنة أو غير معلنة ولكن أيضا وفق المعطيات على الأرض.
يرى محللون سياسيون أن المعطيات على الأرض هي لصالح الرياض لا طهران، وفي هذا السياق هنالك ثلاثة مؤشرات:
الأول ما يتعلق بالأزمة في اليمن والمواجهة الدائرة هناك من أجل إعادة الشرعية إلى هذا البلد العربي الذي يمثل، بموقعه وبطبيعة العلاقات الاجتماعية والتركيبة القبلية، الحديقة الخلفية للسعودية. على صعيد هذه الأزمة نجح التحالف العسكري الذي تقوده الرياض من تحقيق جملة من الأهداف الكبرى أولها إعادة حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى داخل البلاد، ثانيها تحرير العديد من المدن الرئيسة من قبضة “تحالف الحوثي – صالح” المدعوم من إيران. ثالثها تفكيك تحالف الحوثي- صالح وعزل جماعة أنصار الله الحوثية الشيعية وميليشيا الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح عن حواضنها الاجتماعية والعشائرية داخل اليمن وإظهارها في صورتها الحقيقية ” ميليشيا تخريبية تتبع أجندات خارجية”. إذا، بات واضحا أن إيران خسرت رهانها على ” الحصان الحوثي” في اليمن، وأن السعودية ربحت رهانها على ” الشرعية السياسية ” في هذا البلد.
الثاني ما يتعلق بالحرب في سوريا، وبعد سنوات من محاولات الرياض إخراج سوريا من حربها الطاحنة عبر مقاربات عديدة، سياسية ودبلوماسية وعبر دعم بعض جماعات المعارضة السورية، وعبر الضغط، في المحافل الدولية المختلفة، على نظام بشار الأسد بالرحيل حفاظا على ما تبقى من الدولة والمجتمع السوريين، اكتشف صانع القرار السعودي وعلى ضوء الخبرة المكتسبة من معالجة الملف اليمني، أن الدخول عسكريا على الأرض قد يكون السبيل الوحيد.
التحرك العسكري السعودي الذي سيكون مدعوما عربيا ودوليا ( لا سيما تركيا) سيوجه ضربة مؤلمة لإيران وذراعها الطويل في سوريا “حزب الله”. غير أن الاستراتيجيين السعوديين لا يخفى عليهم خطورة الحالة السورية واختلافها عن الحالة اليمينة. فعلى الصعيد القانوني، بشار الأسد هو رئيس شرعي لسوريا، على عكس جماعة أنصار الله الحوثية. وعلى صعيد الوضع على الأرض، المشكلة السورية أكثر تعقيدا وتتشابك فيها قوى محلية واقلمية ودولية كثيرة، خصوصا مع دخول روسيا طرفا مباشرا ورئيسا في الحرب.
وعلى صعيد المأساة الإنسانية التي تعصف بسوريا منذ خمس سنوات، فإن أزمة اللاجئين السوريين أصبحت مشكلة تقلق الضمير العالمي وباتت واحدة من نقاط الجدل السياسي والاخلاقي بين دول الاتحاد الأوروبي. غير أن هذه النقاط مجتمعة هي نقاط ضعف لا نقاط قوة بالنسبة لطهران، على مستوى الداخل الايراني وعلى مستوى الخارج. ولعل معرفة صانع القرار السعودي بتعقيدات الأزمة اليمنية وخطورة الوضع، يٌسهل على مسقط لعب دور حيوي لجهة تقريب وجهات النظر بين الرياض وطهران حيال الملف والسوري والملفات الأخرى.
ثالثا وجهت الرياض ضربة استباقية مهمة لطهران بقرارها وقف الدعم الكبير الذي كانت تقدمه للجيش اللبناني وربما لبعض القوى السياسية اللبنانية بسبب ما وصفته الرياض بمواقف لبنان التي لا تخدم الاجماع العربي وارتهان ” المواقف اللبنانية” لقوى وأجندات خارجية.
متابعو الحالة اللبنانية يقدرون نفاد صبر الرياض التي طالما شكلت صمام أمام لكبح العناصر المحلية اللبنانية القابلة دوما للتفجر.
وبحسب محللين فإن الرياض قررت وقف ما يوصف بعنت حزب الله اللبناني وقراره رهن لبنان واللبنانين للراعي الإيراني.
هذه العناصر الثلاثة تضعف من مواقف إيران تجاه السعودية، لكنها لا تقوي فقط من الموقف السعودي تجاه إيران، ولكن من الموقف العماني الساعي لرأب الصدع بين بلدين كبيرين ومهمين، سياسيا واقتصاديا للسلطنة.
فهل تٌسفر زيارة إبن علوي الحالية لطهران عن اقناع الساسة الإيرانيين بإعادة النظر حيال ” سياسية التدخل” خارج الجغرافيا الايرانية والبدء في مقاربة جديدة، تضع مصالح إيران الاقتصادية والتجارية والسياسية مع العام العربي أولوية على رعبة الجهورية الإسلامية في التوسع وبسط نفوذها الطائفي؟.
وبحسب دبلوماسي عماني سابق، فإن الرئيس الإيراني حسن روحاني يحتاج إلى الدعم العماني لتثبيت برنامجه الإصلاحي وسياسات الانفتاح على الغرب وإعادة هيكلة الاقتصاد الإيراني المتداعي بفعل سنوات الحصار الطويلة… في مواجهة المتشددين وفي مواجهة الخطاب الايديولجي الطائفي الذي يرى في الجمهورية الإسلامية الإيرانية ” جمهورية موعودة ” لكافة شيعة العالم.
لكن عودة طبيعية لإيران إلى المجتمع الدولي لن تتحقق إلا بحل كافة المشكلات والأزمات التي تربطها بجيرانها العرب وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية… وربما أن هذا ما يحاول الوزير العماني للشؤون الخارجية قوله، بوضوح ودون لبس، للإيرانيين في “هذا الوقت بالذات”.ارم