عروبة الإخباري – قال النائب الثاني لرئيس مجلس الاعيان رئيس الوزراء الاسبق سمير الرفاعي ان ثورة «الربيع « العربي اختطفت وقُتل عشرات الالاف وتشرّد الكثيرون والقوى المضادّة بأجندات رجعية سيطرت على المشهد.
واضاف في كلمة القاها بحفل افتتاح مؤتمر هارفارد لآسيا والعلاقات الدولية الدولية امس الاول ان الأحداث التي تتسارع في منطقة الشرق الأوسط اليوم؛هي ذات تأثير مباشر، وكبير، على أوروبا، مستذكرا ربيع أمم أوروبا ،حيث سقطت دول كبرى وقوية، في العالم، وعاشت أوقاتاً من الظلام والاضطرابات من قبل، وقال ان ربيعي اوروبا والعرب ناتجان عن التشنجات المضطربة للنظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية،وأسفرا عن قتل عشرات الآلاف وتشريد الملايين.
وبين الرفاعي انه ووفقا لأحدث تقديرات البنك الدولي والأمم المتحدة، سوف تكون تكلفة إعادة بناء البنية التحتية وسندات الإسكان في العراق وسوريا واليمن وغزة وليبيا؛ أكثر من 500 مليار دولار.
وقال إن الأحداث التي تتسارع في منطقة الشرق الأوسط اليوم؛هي ذات تأثير مباشر، وكبير، على أوروبا، والتي عانت بسبب الأعداد الكبيرة من المهاجرين؛ والولايات المتحدة مع صعود ما يطلق عليه وصف: «الإسلاموفوبيا»، وآسيا حيث يعيش العدد الأكبر من السكان من المسلمين،حيث هناك أكثر من 1.6 مليار مسلم في العالم. وعلى الرغم من أن الإسلام كثيرا ما يرتبط بالعروبة، بالذات، لأسباب كثيرة، أو بمنطقة الشرق الأوسط، فإن ما لا يعرفه الكثيرون، أن أقل من 15% من المسلمين هم من العرب.
وسأكتفي بالتركيز، هنا، على القضايا المتعلقة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكيف يمكننا بشكل جماعي إيجاد حلول لها، للمساهمة، وقائيّاً، في مجابهة المشاكل التي قد تنتج عنها وتنتشر على مستوى العالم، ومما لا شك فيه أن العالم اليوم أصبح قرية واحدة.
اسمحوا لي أن أبدأ من خلال استحضار بعض النقاشات التاريخية، ونحن نحاول أن نفهم، ما يحدث اليوم في العالم العربي. وبعد ذلك، أريد توضيح ما أعتقده في صميم التحديات التي تواجه المنطقة؛ قبل أن أنهي ببعض المقترحات للبُنى الأساسية، واللازمة، للخروج من الأزمة الحالية، ببطء ولكن بإصرار.
تصوّروا ثورة اجتماعية تمتد عبر عدة بلدان؛ ثورة تقودها حركة شعبية تضم أغلب الطبقات الاجتماعية ممّن ضاق أفرادُها ذرعا من الحكم الاستبدادي، وهي حركة تتسارع، بطريقة لم نألفها مسبقاً، بسبب التقدم الهائل في مجالات الاتصالات الحديثة، التي تغذّي الأفكار حول كيفية تنظيم المجتمع والسياسة؛ والانتشار ما بعد، وبالرغم من سيطرة الدولة.
واوضح انه في البداية، وُصفت هذه الحركة بأنها «ربيع» من الأمل، ولكن مع الوقت، اختُطفت الحركة، وتوقف الزخم باتجاه التغيير الإيجابي، وقُتل عشرات الالاف وتشرّد الكثيرون من منازلهم، وتحركت قوى مضادّة،بأجندات رجعية، وسيطرت على المشهد.
وأيضاً، هكذا عاشت أوروبا، بعد ثورات 1848، وبما أطلق عليه، في حينه: «ربيع الأمم».
وقال إن ربيع أمم أوروبا جدير بالذكر هنا لأنه يذكرنا بأن دولاً كبرى وقوية، في العالم، سقطت، وعاشت أوقاتاً من الظلام والاضطرابات من قبل. وكما فعل الاوروبيون يوما ما، فإن شعوب العالم العربي اليوم يجب أن تبدأ في التعامل مع الحاجة إلى الكفاح في طريقهم إلى واقع جديد. هذا التماثل في الشواهد التاريخية هو أيضا تذكيرٌ هادئ، بالحاجة الماسة لتجنب تكرار أخطاء وترك الاضطرابات لتزرع بذورها ولتؤسس للصراع العالمي للمستقبل.
وبالرغم من وجود فروقات وتباينات واضحة،في المستويات الاجتماعية والثقافية بين المجتمعات الأوروبية والعربية، وأكثر من 150 عاما من فرق التقدم الاقتصادي والتكنولوجي بينهما؛ فمن الملاحظ هنا، أن الحالتين قامتا على الأفكار الليبرالية والقومية والديمقراطية، وقادها متظاهرون، أغلبهم من الطبقة الوسطى، وكلتاهما كانتا ناتجتين عن التشنجات المضطربة للنظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية،وأسفرتا عن قتل عشرات الآلاف وتشريد الملايين.
وعلى الرغم من أن معظم حراكات 1848 في أوروبا فشلت؛إلا أن المثل العليا والتطلعات التي ساعدت على تحفيزها، كانت في نهاية المطاف، السبب في إنتاج الثقافة السياسية والاجتماعية التي كان من شأنها أن تحدد مستقبل أوروبا.
وبالنسبة لعالمنا العربي اليوم، فإن من شأن التجربة الأوروبية التاريخية، أن تثير سؤالين رئيسيين؛:أولا، كيف لنا أن نوقظ ونوجه روح الليبرالية والديمقراطية للشعب العربي؛ وتحفيز الدول القومية العربية نحو التماسك الداخلي والتعايش المزدهر مع جيرانهم والمجتمع الدولي ككل؟.وثانيا، في حين لا يوجد خلاف حول الوجهة المفضلة من قبل أي شخص، باستثناء المتعصبين الذين يحاولون اختطاف الإسلام، في الرحلة المحفوفة بالمخاطر، التي نشهدها اليوم، بشكل واضح،خصوصاً مع تعقيدات الأزمة السورية؛ كيف نصل إلى هدفنا بتحقيق الأمن والرخاء المشترك،والشامل للشعب العربي دون الحاجة إلى عقود من الصراع الداخلي وخطر نشوب حرب عالمية كبرى بين القوى الإقليمية والعالمية؟
وبين انه من المستحيل أن نحيط في خطاب واحد كافة تعقيدات ما يحدث اليوم في العالم العربي، ولكن اسمحوا لي أن أقدم بعض الأفكار؛
للأسف، لقد تبخر الأمل وتلاشت حماسة الربيع العربي للديمقراطية؛الصراعات الجارية في العراق وسوريا واليمن وليبيا وغزة جرَت المنطقة إلى دوامة – حلقة مفرغة – من التشرذم والطائفية وانعدام الأمن.
وبالرغم من تقلبات أسعار النفط العالمية، تمكنت القوة المالية الكامنة في دول مجلس التعاون الخليجي من المضي قدما في اقتصاداتها، لكنهم قلقون للغاية بشأن الأزمات الإقليمية. وأعتقد أن هذا ينبغي أن يكون مصدر قلق لآسيا ككل، لأن آسيا تعتمد على منطقة الشرق الأوسط بنسبة 66% من احتياجاتها من النفط مما يجعلها عرضة للتأثر بما يحدث اليوم في منطقتنا. خمس سنوات مرت منذ واقعة البوعزيزي وما يزال العالم العربي يكافح ليجد طريقه.
واضاف الرفاعي ،إن دولاً عربيّة، مثل الأردن وتونس ولبنان والمغرب؛ شقت طرقها بأساليب مختلفة خلال السنوات الخمس الماضية، ولكنها، ما زالت، تحت تهديد مستمر من تسلل الجماعات المسلحة، مثل داعش (التي سميت خطأً وظلماً تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام) وغيرها،مبينا ان العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران توترت، بشكل ملحوظ، فيما تركيا تكافح للرد على سلسلة من الهجمات الإرهابية.
وبين انه حتى الآن، نتج أكثر من 250 ألف ضحية و 9.5 مليون نازح داخل سورية وخارجها،و13 مليون طفل خارج المدارس في المنطقة،و1.8 مليون نازح عراقي،وواليمن تعاني من أعلى مستويات سوء التغذية في العالم.
ووفقا لأحدث تقديرات البنك الدولي والأمم المتحدة، سوف تكون تكلفة إعادة بناء البنية التحتية وسندات الإسكان في العراق وسوريا واليمن وغزة وليبيا؛ أكثر من 500 مليار دولار.
ونحن جميعا ندرك القاعدة المأثورة، المنسوبة إلى أرسطو بأن «الطبيعة تمقت الفراغ»، والعالم العربي يعاني اليوم من شيء أكثر عمقا بكثير من فراغ السلطة السياسية التي تشغل النصيب الأعظم من اهتمام المحللين وبرامج الحوارات.
من وجهة نظري، فإن جوهر الحقيقة التي تشكل أساس الدول القومية القوية؛ هو سيادة الشعب: السيادة المبنية على المواطنة وقناعة راسخة في القيم المدنية المشتركة والأعراف الاجتماعية.
وللتوضيح، أنا لا أتحدث هنا عن الهوية الدينية أو العرقية، ولكن عن هوية مدنية متفوقة حقاً،حيثُ قوة السيادة تأتي من كون الشخص على سبيل المثال: ألمانياً، وليس «تركي-ألماني». ومن كون المواطن امريكياً، وليس «آسيوي- أمريكي»، وكذلك؛ من كونه عراقياً، وليس سنياً-عراقياً.
هذا هو رأس المال المدني الذي يصنع الأمة والمؤسسات التي أنشئت لخدمتها.
وقال إن العالم العربي لم يعش الديمقراطية في السنوات الـ 500 الماضية، بعد أن كان أغلب مجتمعاته تحت الحكم العثماني ومن ثم الأوروبي. وبالنسبة للغالبية العظمى من حقبة ما بعد الاستعمار، كانت بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا متماهية مع قادتها السلطويين، وبزوال الأضواء التي تكثّفت حول هذه القيادات السلطوية وحازت على اهتمامنا؛ انكشفت بشكل كامل لنا الطبيعة الهشة للسيادة في بعض الدول في العالم العربي.
وبسبب غياب رأس المال المدني -بما في ذلك ممارسة الديمقراطية- فإن المحرضين والمنظمين للربيع العربي كانوا غير قادرين على تحويل تعبئة وسائل الإعلام الاجتماعي إلى قوة سياسية قادرة على ممارسة السلطة،كانوا فقط «مهندسي هدم» بامتياز؛ وهم يهتفون «الشعب يريد اسقاط النظام».
واكد انهم كانوا يعرفون ما لا يريدون، لكنهم لم يعرفوا، للأسف، ماذا يريدون، ولذلك، فشلوا في التغلب على غياب الهدف المدني المشترك والطموح -من جميع المذاهب الدينية والعرقية والاجتماعية والاقتصادية- لبناء منصة متماسكة حول ما سعوا إلى إنشائه كبديل عن النظام القديم.
وحتى نكون منصفين لهؤلاء الشباب الذين شاركوا في حراكات الربيع العربي؛ فإن التاريخ يقول لنا إن هذه هي مهمة ضخمة، ومعقدة، مع احتمالات ضئيلة من النجاح، إنها تتطلب بلورة رؤية واضحة، شاملة ومتكاملة، ليس فقط فيما يخصّ الحقوق السياسية ونماذج الحكم، ولكن أيضا؛ لعقد اجتماعي تعادُ صياغتُه بين المواطن والدولة.
لقد رأينا ما بعد الربيع العربي، قادةً في منطقة الشرق الأوسط يصارعون هذا التحدي، مع التركيز الكبير على تصميم نماذج سياسية جديدة مثل الدساتير والانتخابات؛ وعدم التركيز على العقد الاقتصادي والاجتماعي بين الدولة والمواطنين، وهو ما يحتاج في نهاية المطاف إلى خلق فرص عمل ووضع الطعام على الطاولة خلال الأوقات العصيبة.
واشار الرفاعي الى إن وقوع كل من سوريا والعراق وليبيا واليمن في حالة من الفوضى كان تذكيراً مؤلماً أن فراغ رأس المال المدني يترك المجتمعات ضعيفة بشكل لا يصدق أمام التلاعب والتطرف، وبدلاً من اللحمة الرابطة بين المواطنة ورأس المال المدني؛ تأتي جماعات مثل داعش لملء هذا الفراغ بالترهيب. إنهم يفعلون ذلك من خلال التشويه المتعمد والتلاعب بالقيم الإسلامية داخل المجتمعات الضعيفة. وللتوضيح؛»داعش» وما تمثله لا تمت للإسلام بصلة، كما قال اوليفييه روي مؤخرا «إنه ليس تطرف الإسلام بل أسلمة التطرف»..
الهجمات الأخيرة في باريس، سان بيرناردينو، وجاكرتا، تسلط الضوء على حقيقة أن التطرف ليست قضية متجذره فقط في منطقة الشرق الأوسط،ولكن كانت دائما وأبدا قضية عالمية،فالإرهاب والتطرف العنيف لا يعرفان حدوداً ولا ديناً.
باختصار، نحن نشهد جيلاً من القيادات السلطوية تحل محل أخرى؛ تخنق رأس المال المدني الذي نحن في أمس الحاجة لتعزيزه في جميع أنحاء العالم العربي. الرئيس أوباما عبر عن ذلك،على نحو موفّق في خطاب حالة الاتحاد، بالقول: «في عالم اليوم، نحن مهددون أقل من إمبراطوريات الشر وأكثر من قبل الدول التي تسقط».
وقال ان من وجهة نظر أولئك من خارج المنطقة، هذا يبدو في الواقع وكأنه صراعا بين «الديمقراطية وزعزعة الاستقرار»، ولكن من وجهة نظر قلوب وعقول العرب، فإنها معركة بين «الحرية والفتنة».
المصطلح العربي «فتنة» يمكن أن يعني أشياء كثيرة، ولكن اتخذ المعنى الأساسي له الخلاف والنزاع والانقسام الداخلي. ولمصطلح الفتنة أهمية دينية عميقة في النصوص الإسلامية وصدى تاريخي قوي في أذهان العرب،وبالنسبة للكثيرين يدل على خطر تهديد وجودي لاعتقاد والتزام المسلمين بدينهم.
فالخوف من الفتنة متجذر بعمق في عقلية المسلمين وفي المجتمع العربي، وأنا أزعم أن الخوف العميق من تفشي الفتنة هو أحد الأسباب لكون المجتمعات العربية متساهلة للغاية على مر التاريخ مع هياكل السلطة الاستبدادية، حيث زعمت تلك الهياكل أنها تقوم بحماية المجتمع من الفتن وإلى حد كبير، قاموا بالاستثمار في أجهزة أمن الدولة، وقمع الداخل بتكلفة رهيبة لحقوق الإنسان الأساسية.
واوضح ان الرد على الديناميكيات الكامنة وراء الأزمة القائمة يتطلب من القادة الحاليين والطامحين في جميع أنحاء العالم العربي لاجتياز الخيط الرفيع مع عدم وجود شبكة أمان، ومن ناحية أخرى، يجب أن يشجعوا التشكيل العضوي لرأس المال المدني من خلال تعزيز حقوق الإنسان وحرية الفرد في التعبير، بالإضافة الى إدارة العملية التطورية للإصلاح السياسي الذي لا يكافئ أسوأ الغرائز وأجندات أولئك الذين يعتمدون التطرف والاستيلاء على السلطة من خلال ثقافة سياسية جنينية.
نحن كعرب،صرنا نميل إلى قلة الصبر، وتضخيم الغرائز في عصر الـ WhatsApp وتويتر، ولكن المفتاح هنا هو التطور. وهذا يعني أيضا التداول. لقد تمت الموافقة على ماجنا كارتا في عام 1215 ولكن لم تصبح حقوق التصويت متساوية على أرض الواقع في المملكة المتحدة حتى عام 1928، وبعد أكثر من 700 عام. هنا، في الولايات المتحدة، دخل الدستور حيز التنفيذ عام 1789، ولكن، حتى صدور قانون حقوق التصويت لعام 1965، بعد حوالي 180 عاما، مُنع التمييز العنصري في التصويت وأُعطي حقُّ التصويت لكل مواطني الولايات المتحدة بالكامل.
أنا لا أقصد أن أقول إن العرب يجب أن ينتظروا لمئات السنين قبل أن ينشئوا مجتمعات ديمقراطية ومدنية، ولكن أعتقد أن الكلمة المفتاح هي «تطور»؛ وليس «ثورة».
واضاف، عندما حصلت الدول العربية في الشرق الأوسط على استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية، بدأت تدريجيا مسيرة التطور نحو خلق مجتمعات ديمقراطية مدنية، وكانت مصر ذات نظام ملكي دستوري مع نظام الحزبين وانتخابات حرة، وكان النظام في العراق أيضاً ملكية دستورية حيث كانت سيادة القانون عليا، والشيعة والسنة والأكراد تعاونوا جميعا لتطوير بلادهم، وسوريا أصبحت جمهورية. ومن الجدير بالذكر هنا، أن الغالبية العظمى من المسلمين في سوريا انتخبت المسيحي، الذي ينتمي إلى الأقلية المسيحية الصغيرة في سوريا، رئيسا لهم. وتعطلت مسيرة التطور التدريجية نحو نظام مستقر وديمقراطي للحكومة من قبل قيام إسرائيل ومعاناة الشعب الفلسطيني في عام 1948. وأدى ذلك إلى الثورات والانقلابات العسكرية في البلدان الثلاثة، مما أدى إلى الأنظمة الديكتاتورية، وزرعت بذور الشقاق والخلاف.
أن الحروب الأهلية والتعصب والإرهاب الحالي في العديد من دول الشرق الأوسط ألقت بظلالها على القضية الفلسطينية، ولكن تبقى هذه القضية السبب الرئيسي لعدم الاستقرار في المنطقة.
واكد ان «داعش» وغيرها من المنظمات الإرهابية والمتطرفة في نهاية المطاف، سوف يتم دحرُها، ولكن لن يكون هناك أبدا استقرار حقيقي في المنطقة من دون إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية مستقلة في الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل،ومن شأن دولة كهذه أن تعيش في سلام مع إسرائيل وتمهد الطريق لجميع الدول العربية والإسلامية أن تحذو حذوها.
هذا يسلط الضوء على ضرورة القيادة التالية في المنطقة اليوم؛ التحرر السياسي والاقتصادي الكامل للشباب في العالم العربي. فلا يمكننا أن نأمل الحد من العنف الطائفي المستمر ما لم نخلق مسارات للازدهار للشباب العرب أكثر جاذبية من العروض التي تقدمها لهم الجماعات المتشددة مثل داعش.
وقال حتى لو صحّت الإحصاءات الرسمية، أن العالم العربي لديه أعلى معدل بطالة الشباب في العالم (23% مقارنة مع المتوسط العالمي البالغ 13%)، أظن أن الأرقام الحقيقية أعلى من ذلك بكثير؛وعلى الرغم من كونه استثناء عن ما يدور في جميع أنحاء المنطقة، فإن تونس تدرك تماما مدى خطورة عدم الاستقرار الاقتصادي الذي يهدد بعرقلة التحول الديمقراطي الناجح، وفي الشهر الماضي، قال الرئيس التونسي السبسي أنه «سوف يكون هناك ثورة أخرى إذا لم تتغير كافة الظروف الاجتماعية والاقتصادية».
وبالنسبة للأردن قال الرفاعي ان جميع الأردنيين يؤمنون بالنظام الملكي، وجلالة الملك عبد الله الثاني قام بالاستفادة من الزخم الذي تولد لدينا في ربيع الأردن للإسراع في الإصلاحات السياسية التي كان قد بدأ بها بالفعل، نحن لا نزال نعاني من ارتفاع معدلات البطالة خاصة بين الشباب، ومن ارتفاع الدين العام، والتدفق الكبير للاجئين السوريين الذين يشكلون اليوم 20% من سكان الأردن.
وكما قال جلالة الملك مؤخراً، فإن الشعب الأردني صابر وقد أسهم بأكثر من حصته العادلة لمساعدة اللاجئين السوريين،وقد تسبب هذا لهم المشقة والشدة ووصلوا إلى درجة الغليان. وأضاف جلالته إن الأردن سيستمر في فعل ما هو صحيح، ولكن ليس على حساب المواطنين الأردنيين، لقد حان الوقت للمجتمع الدولي لاتخاذ موقف جاد لدعم الأردن، والمؤتمر الدولي الذي عقد مؤخرا في لندن لدعم سوريا والدول المجاورة أسفر عن تعهدات بأكثر من 10 مليارات دولار، وهذه خطوة في الاتجاه الصحيح، وكما قال جلالة الملك إن ذلك هو استثمار في خلق الأمل، في منطقة الأمل فيها محدود.
وأختتم الرفاعي بتقديم بعض الملاحظات حول ما أعتقد أنه مطلوب لاجتياز المصاعب التي اشار إليها ومعالجة ضرورات القيادة بنجاح:
أولاً، أعتقد أن منطقة الشرق الأوسط تحتاج إلى تحقيق نسخة عربية من برامج ميخائيل جورباتشوف التوأم من الغلاسنوست والبيريسترويكا. الغلاسنوست كونها حركة حقيقية نحو الانفتاح السياسي والمشاركة والبيريسترويكا كونها إعادة هيكلة اقتصادية عميقة وعميقة، وباللغة العربية تترجم عموماً هذه بالإنفتاح والإصلاح.
كما رأينا من جهود غورباتشوف نفسه في الاتحاد السوفياتي السابق، فإنه من الصعب للغاية؛ تشغيل أجندات الإصلاح هذه في نفس الوقت، سوف تكون هناك معارضة شرسة، أخطاء وتراجع عن الالتزامات، ولكن صياغة أجندات إصلاح متوازية والالتزام بها هو في حد ذاته خطوة حيوية في التواصل حول ما تعتزم الدولة القيام به لتلبية احتياجات المواطنين، بل هو أيضا أفضل أمل لكسب الوقت وتصبير المواطنين، لا سيما أولئك الذين يخشون حتى من الفتنة بشكل كبير.
ثانيا، نحن بحاجة، كما دعا كثيرون آخرون، إلى «خطة مارشال» إقليمية للمساعدة في تمويل برنامج من نوع البيريسترويكا وإعادة الاقتصادات في منطقة الشرق الأوسط. إن التزاماً دولياً كبيراً وعلى مدى طويل؛ يمكن أن يقوم بتوفير شبكة الأمان التي يحتاجها القادة في المنطقة لتجاوز المخاطر.
لقد استطاعت الفلسفة الاشتراكية العربية ونماذج التخطيط في العصر الناصري أن تثبت حضورها القوي، كذاكرة، ما زالت تجتاح العالم العربي، وأثرت على طريقة عمل وتفكير الحكومات والمواطنين في جميع أنحاء المنطقة وكونت سياسات اقتصادية وبرامج الرعاية الاجتماعية، والكثير من تلك الآثار لا يزال موجوداً اليوم، فيجب علينا تسخير هذه القوة من رصيد شعبيّة التخطيط البيروقراطي والسياسي العربي لتصميم وترسيخ فلسفة جديدة، أكثر معاصرة وشاملة للازدهار في جميع أنحاء العالم العربي، ويجب أن تكون نابعة من الداخل، ولكنها تحتاج إلى أن تكون قادرة على المنافسة عالميا، رحيمة ومستدامة اجتماعيا وماليا.
وبين انه مع وجود محتوى برنامج البيريسترويكا، يمكن للثروة السيادية الكبيرة في المنطقة العربية أن تكون حجر الأساس لتمويل برنامج كهذا، وهذا من شأنه تخفيف الالتزام والتوقعات المالية على بقية المجتمع الدولي، ولكنها تحتاج إلى أن تدار كبرنامج دولي حقيقي مع تدابير أفضل الممارسات من المساءلة السياسية والمالية.
هذا هو في الواقع، حيث أعتقد أن الاقتصادات الآسيوية الكبرى يمكن أن تلعب دورا رئيسيا في إعادة استقرار المنطقة..إعادة إعمار سوريا، وليبيا، واليمن، والعراق الحالي اليوم هي أكبر الفرص الاقتصادية والتنموية في هذا القرن.
واوضح ان تحرير التجارة الإقليمية البينية (حاليا هي عند مستويات محزنة مقارنة بالمعايير الدولية المماثلة)؛ يجب أن يكون شرطا مسبقا لتوفير والإفراج عن الأموال تحت أي ترتيب من نوع خطة مارشال.
ثالثا، مع وجود شبكة الأمان والمساءلة من خطة مارشال، القادة العرب الجدد -المنتخبون والمعينون- يجب أن يتولوا المناصب القيادية الوطنية في المكتب السياسي وعبر الخدمة المدنية لقيادة تصميم العقد الاجتماعي بين المواطن والدولة. هذه هي مهمة معقدة التنفيذ إذا كان المراد منها إدراك تطلعات غلاسنوست وبيريسترويكا.
وهنا يجب على العالم العربي التعلم من تجربة كل من شرق آسيا، بما فيها الصين، والنموذج الاسكندنافي في الرعاية الاجتماعية، حيث آسيا، في اعتقادي مرة أخرى، يجب أن تتدخل وتلعب دوراً أكثر نشاطاً في إعادة الاستقرار للمنطقة، وليس فقط عن طريق المعونات والمساعدات والاستثمارات، ولكن أيضاً؛ من خلال توفير الخبرة والإرشاد.
وبين أن سلسلة من الحسابات الاستراتيجية والتكتيكية الخاطئة -من قبل القوى العالمية، وقادة محليين- جعلت الطريق إلى استقرار المنطقة أطول وأكثر تعقيداً مما كانت عليه قبل ثلاث أو أربع سنوات، فلا تزال الوجهة نفسها والمسيرة لا مفر منها.
واضاف، الطريق إلى الأمام للقادة اليوم في جميع أنحاء العالم العربي يبدو وكأنه حبلا رفيعا يختفي في ضباب الحرب، مع عدم وجود شبكة أمان؛ ففي هذا الوقت لا يحسد الشخص إن كان زعيما وطنيا.
وبالتعاون مع الشركاء والحلفاء الدوليين، يجب علينا أن نبدأ بخلق حقائق على الأرض لإزالة ضباب الحرب وتمكين القادة العرب المعتمدين والتقدميين من اجتياز المرحلة الصعبة وبناء الطريق إلى الازدهارللـ 70 مليون شاب في المنطقة .
وختم بالقول إن تحديات مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف وتزايد البيئات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتقلبة هي قضايا لم تعد المحلية؛ ولكن كما يوحي عنوان هذا المؤتمر، هي قضايا عابرة للحدود، وإن التحديات التي نواجهها اليوم لا يمكن حلها دون زيادة التعاون على المستوى العالمي.