لا خلاف على أن الخزانة الأردنية تتحمل عبء يفوق طاقتها بمراحل في ما يتعلق باستضافة كم بشري هائل من اللاجئين السوريين والفلسطينيين والعراقيين، فلم يكن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني مبالغاً حين وصف معاناة الشعب الأردني جراء الضغوط التنموية والاقتصادية الهائلة الناجمة عن نزوح مئات الآلاف من اللاجئين السوريين بأنها قد بلغت “درجة الغليان”، حيث تعرض اقتصاد البلاد، والبنى التحتية والمرافق الخدمية الأردنية كافة إلى ضغوط هائلة ربما يصعب تحمل قسوتها في المرحلة المقبلة، وقد تتسبب هذه الضغوط في تدهور الأوضاع المعيشية للأردنيين أنفسهم، بما يضع الدولة في مأزق أخلاقي صعب، وفي مواجهة خيارات انسانية وسياسية مريرة.
لاشك أن المملكة الأردنية قد أنقذت ماء وجه الانسانية جمعاء، والدول العربية بشكل خاص حين فتحت حدودها أمام هذه الحشود الهائلة من النازحين السوريين، ومن قبلهم الفلسطينيين والعراقيين، ومن ثم فليس من المنطقي أن يتغاضى المجتمع الدولي عن عواقب هذا الموقف الانساني النبيل على الاقتصاد والشعب الأردني، وليس من المعقول أن يترك العالم اقتصاد المملكة الأردنية يئن تحت وطأة احتياجات هذا الطوفان البشري الكاسح من اللاجئين. ولكي نفهم عمق المعاناة، علينا أن نراجع مواقف دول الاتحاد الأوروبي التي ملأت الدنيا صخباً وضجيجاً جراء دخول مايناهز المليون من اللاجئين السوريين إلى دول أوروبية مختلفة عبر الحدود اليونانية، فيما تستضيف المملكة الأردنية بمفردها أكثر من مليون لاجىء سوري، رغم عمق المتاعب الاقتصادية والتنموية التي يعانيها الشعب الأردني، ورغم أن الناتج المحلي الاجمالي الأردني لا يقارن بنظيره في معظم دول الاتحاد الأوروبي. ويكفي الاشارة هنا أيضاً إلى بعض المؤشرات الاحصائية كي يقف الجميع على عمق معاناة الدولة الأردنية جراء موقفها الانساني النبيل حيال النازحين واللاجئين من الأشقاء العرب، فنحو 25% من مخصصات الموازنة الأردنية يتجه للانفاق على اللاجئين السوريين، الذين تقدر أعدادهم بنحو 65ر1 مليون لاجىء، فضلا عن أن الدولة الأردنية تعيش وسط أزمات ثلاث اقليمية محتدمة في العراق وسوريا والاراضي الفلسطينية، ما جعل اقتصاد المملكة يعيش “أسوأ وضع في تاريخه” بحسب وصف عبد الله النسور رئيس الوزراء الأردني.
لم يدفع الاقتصاد الأردني فاتورة تدفقات اللاجئين فقط، بل يتحمل أيضاً أعباء تفرزها أزمات اقليمية أخرى مثل الأزمة الليبية واليمنية، فحركة السياحة العلاجية إلى الأردن قد توقفت، كما تراجعت اعداد الطلاب العرب الدارسين في الجامعات الأردنية من هذه الدول، كما توقف النشاط التجاري عبر سورية والعراق، فضلا عن التراجع الهائل في فرص العمل وانتشار البطالة بين الشباب الأردني بسبب وجود كم هائل من اللاجئين الذين التحقوا بسوق العمل المحلي ويقبلون غالباً بأجور أقل ويشغلون أي فرص عمل جديدة، وهي في مجملها مؤشرات صادمة للاقتصاد الأردني، فضلا عن الأعباء الأخرى التي تترتب على وجود هذا الطوفان البشري المنتشر في ربوع المملكة الأردنية من إشكاليات أمنية وغير ذلك من متاعب مؤكدة في ظل انتشار الارهاب والقلق حيال تفشي الفكر المتطرف.
ولاشك أن هذه الظروف الصعبة والموقف الانساني النبيل للقيادة والشعب الأردني حيال اللاجئين السوريين يحظيان بتقدير استثنائي من جانب القيادة الرشيدة في دولة الامارات العربية المتحدة، التي تدرك أهمية دور الأردن ومكانته الاستراتيجية ودوره الحيوي في الأمن والاستقرار الاقليمي، وهي قناعة تعكسها المواقف الاماراتية الداعمة للاقتصاد الأردني من أجل مساندة هذا البلد العربي الأصيل في مواجهة أزماته.
فالامارات التي تستضيف نحو 200 ألفاً من الأشقاء الأردنيين، الذين يسهمون في مسيرة التنمية الاماراتية، ويرفدون اقتصاد بلادهم بجزء كبير من تحويلات العملة الأجنبية إلى المملكة الشقيقة، تدرك جيداً واجباتها التاريخية والقومية حيال الوقوف بجانب المملكة الأردنية الشقيقة في هذه الظروف الصعبة. ولكن الموضوعية تقتضي القول بأن ضخامة المسؤولية الانسانية الملقاة على كاهل الدولة الأردنية في هذه الظروف الاستثنائية تفرض على العالم أجمع أن يتفهم أن الأردن دولة لها ظروف اقتصادية صعبة حتى من قبل تفاقم أزمة اللاجئين السوريين، ومن ثم فإن من غير المنطقي أن يترك العالم هذا البلد بمفرده في مواجهة محنة اللاجئين، كما إنه ليس من المعقول عدم التعامل بالجدية اللازمة مع تحذيرات العاهل الأردني ، التي قال فيها صراحة “سينهار السد عاجلا او آجلا على ما اعتقد”، وذلك رغم ماتحويه هذه التحذيرات من معان ومضامين تستحق الاصغاء من قادة الدول الكبرى على وجه التحديد.
على العالم أن يدرك أنه عندما يبلغ تعداد اللاجئين نحو 20% من إجمالي تعداد سكان المملكة الأردنية، وعندما يعتبر العاهل الأردني بلاده بمنزلة “السد الانساني” الذي يحول دون تدفق ملايين اللاجئين إلى دول الاتحاد الأوروبي وبقية دول العالم، فإن على العالم بدوره التقاط “الرسالة” وفهم مغزى التحذير من انهيار السد والعواقب الخطرة المحتملة لهكذا سيناريو كارثي على العالم أجمع، كما يجب أن يدرك المجتمع الدولي أن المعالجات والحلول لا يجب أن تقتصر على إبداء التعاطف وحسن النوايا والكلمات الطيبة، فما يقدمه الأردن للاجئين هو بمنزلة خدمة لدول العالم التي تستهدفها موجات اللجوء الانساني خلال السنوات الأخيرة.
القارة الأوروبية التي ضجت وانتفضت منذ وصول أفواج اللاجئين السوريين الأولى إلى شواطئها الجنوبية قادمين عبر مياه البحر الأبيض المتوسط، والولايات المتحدة التي أسهمت بتقاعسها عن ايجاد تسوية نهائية للأوضاع المأساوية المستمرة في سورية، عليها أن تقدم الدعم للملكة الأردنية كي تستطيع الوفاء بواجباتها الانسانية حيال هذا العدد الضخم من اللاجئين، وعلى الجميع أن يدركوا حجم المعاناة الانسانية والتنموية الناجمة عن أزمات المنطقة، ما يفرض ضرورة البحث عن تسويات نهائية عادلة لهذه الأزمات النازفة./”ايلاف”