المنحة الخليجيّة إلى الأردن لن تتوقف/ زياد الدباس

dabbass.jpg

الأردن شريك استراتيجي لدول الخليج، واستفاد اقتصاده من النمو الكبير الذي شهدته دول المجلس التعاون، خصوصاً أثناء طفرات ارتفاع سعر النفط، كما أن وجود أعداد كبيرة من العاملين الأردنيين في الخليج ساهم مساهمة فاعلة في تعزيز تحويلاتهم إلى الأردن، التي أدت دوراً مهماً في تعزيز ميزان المدفوعات واستقرار سعر صرف الدينار وتدعيم الاحتياطات من العملات الأجنبية. ولعبت استثمارات دول الخليج المباشرة وغير المباشرة دوراً مهماً في تعزيز أداء الاقتصاد الأردني، إضافة إلى الدور الإيجابي الذي لعبه تدفّق السياح الخليجيين إلى الأردن سواء للعلاج أو الراحة والاستجمام.

هذه هي الحقيقة الأولى. الحقيقة الثانية هي حرص دول الخليج على استقرار الأردن سياسياً واجتماعياً وأمنياً واقتصادياً، باعتبار أن هذا الاستقرار من الأمور الاستراتيجية لهذه الدول. وأثبت الأردن خلال عقود، أنه شريك استراتيجي يُعتمد عليه، ومثل ذلك تأمين الأردن الحدود الشمالية للسعودية ومساهمته في مساندة الأهداف الأمنية لبعض دول الخليج، إذ يملك الأردن قوة عسكرية وأمنية واستخبارية متميزة وكفوءة، إضافة إلى أن التشابه بين النظام الأردني وأنظمة دول المجلس يضيف نوعاً من الاستقرار والقوة إلى دول المجلس في مواجهة أحداث المنطقة.

الحقيقة الثالثة، أن غالبية دول الخليج كانت تطمح إلى انضمام الأردن إلى دول المجلس قبل سنوات، إلا أن اختلاف عناصر الاقتصاد الكلي بين الأردن ودول المجلس ساهم في تعثّر هذا الانضمام، إذ يعاني الأردن ارتفاع مستوى البطالة وانخفاض دخل الفرد والتفاوت بين معدلات النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي ومعدلات الادخار كنسبة من الناتج، إضافة إلى الاختلاف في الهياكل القانونية لجهة فرض الضرائب على الدخل في الأردن ورسوم جمركية على الواردات، إضافة إلى ضريبة المبيعات، مع الأخذ في الاعتبار التفاوت الكبير في التصنيفات الائتمانية نتيجة امتلاك معظم دول الخليج صناديق سيادية واحتياطات مالية ضخمة، في مقابل ارتفاع مديونية الأردن والعجز في الموازنة.

الحقيقة الرابعة، أن مجلس التعاون قرر عام 2011، تخصيص منحة مالية بقيمة خمسة بلايين دولار لتمويل المشاريع التنموية في الأردن لخمس سنوات، لتعزيز أداء الاقتصاد الأردني وحل مشكلة البطالة والفقر، وتم التنسيق بين وزارة التخطيط ووزارة المال ودائرة الموازنة لاختيار المشاريع التي ستموَّل.

وتمت الموافقة على كل المشاريع المقترحة من مجلس الوزراء في منتصف آب (أغسطس) 2013، وقسمت المشاريع التي اقترحت للتمويل إلى مجموعتين، الأولى مشاريع رأسمالية بكلفة 3.175 بليون دولار تشكل 63.5 في المئة من إجمالي المنحة، وهي مدرجة ضمن قانون الموازنة لعام 2012، والمجموعة الثانية تتضمن مشاريع جديدة مدرجة ضمن البرنامج التنموي التنفيذي وكلفتها 1.825 بليون دولار تشكل ما نسبته 36.5 في المئة من إجمالي المنحة.

ونصحت دول الخليج الأردن بالتركيز على الاستثمارات الأجنبية المباشرة لتعزيز أداء اقتصادها وحل مشكلة البطالة ورفع مستوى معيشة مواطنيها من خلال تهيئة المناخ الاقتصادي وخلق بيئة استثمارية جاذبة خالية من التعقيدات من خلال التعديلات القانونية والتشريعية المناسبة.

الحقيقة الخامسة هي التراجع الكبير في سعر النفط، الذي أدى بالتالي إلى تراجع كبير في إيرادات دول الخليج وبروز عجز واضح في معظم موازناتها، ما اضطرها إلى اتخاذ إجراءات سريعة لخفض الإنفاق ووقف الهدر ورفع الدعم، مع توقعات فرض ضرائب واللجوء إلى إصدار سندات وصكوك لتمويل المشاريع والإنفاق الاستثماري مع إشارة بعض المحللين إلى أن دول المجلس قد تلجأ إلى ترشيد المنح والمساعدات والتبرعات.

لكن، يُرجَّح استبعاد الأردن من هذا الترشيد باعتباره شريكاً استراتيجياً في هذه الظروف في ظل الدعم العسكري والسياسي الذي يقدمه الأردن إلى دول الخليج، خصوصاً في حربها في اليمن، مع الأخذ في الاعتبار أن الاقتصاد الأردني استفاد من تراجع سعر النفط، فانخفضت فاتورة وارداته من النفط بنسبة كبيرة، ما كان له تأثير إيجابي في عجز الموازنة والمديونية ورصيد الاحتياطات الأجنبية.

وثمة تخوّف من توقف بعض دول الخليج عن استقدام عمال جدد، بمن فيهم العمال الأردنيون، نتيجة تباطؤ أداء العديد من القطاعات الاقتصادية وإلغاء العديد من المشاريع، كذلك ثمة تخوّف من تراجع تدفّق الاستثمارات الخليجية إلى الأردن وما قد يكون لذلك من تأثيرات سلبية على أداء الاقتصاد الوطني. لكن العلاقة الاستراتيجية بين دول الخليج والأردن لن تتغير.

* مستشار أسواق المال في «بنك أبو ظبي الوطني»

شاهد أيضاً

الأضحى بين الشعائر والمشاعر* الأمير الحسن بن طلال

عروبة الإخباري – لكل أمةٍ أعيادها المرتبطة بثقافتها وعقيدتها وتاريخها وهويتها، ومن الأعياد ما يرتبط …

اترك تعليقاً