غصّت عمان الأسبوع الماضي بالمبعوثين الأمميين والأوروبيين، وكانت أغلب اللقاءات منصبة على التحضيرات الجارية لمؤتمر المانحين في لندن نهاية الأسبوع الحالي.
ولدت فكرة المؤتمر من جانب قيادات أوروبية أساسا، لمساعدة الأردن على تحمل أعباء اللجوء السوري. وعمل الملك عبدالله الثاني شخصيا على حشد الدعم الدولي والأوروبي للفكرة، استنادا إلى فرضية مفادها أن أفضل دعم يقدمه المجتمع الدولي للاجئين، هو الدعم الموجه لاقتصاديات الدول المستضيفة.
وطوال الأسابيع الماضية عملت طواقم أردنية وأوروبية ودولية على بلورة آلية مستقبلية لدعم الأردن، ستتم مناقشتها وإقرارها بمؤتمر لندن.
وتتضمن الآلية حزمة من المشاريع الإنتاجية لتشغيل الأردنيين والسوريين، وإقامة مصانع صغيرة في بعض المحافظات، إضافة لتقديم دعم مباشر لخزينة المملكة التي تتحمل العبء الأكبر من تكاليف اللجوء.
لم تسلم دولة في المنطقة من تبعات الأزمة السورية، ومعظم دول الجوار اضطرت لفتح حدودها للاجئين السوريين الهاربين من الموت. وفي مرحلة ما من الأزمة كان اعتقاد الكثيرين بأنها لن تطول وسيعود اللاجئون إلى ديارهم.
لكن وبعد أن دخلت الأزمة عامها الخامس دون أفق لحلها قريبا، صار لزاما على الدول المستضيفة والمجتمع الدولي بلورة مقاربة جديدة وخلاقة للتعامل مع تحد طويل الأمد، وإدارة أزمة لجوء ستمتد لسنوات طويلة قبل أن يستتب الأمن في سورية.
وعليه بدأ التفكير باستبدال برنامج المساعدات الطارئة، بصيغة أخرى تراعي الإقامة الطويلة للاجئين، وتوفير فرص لحياة كريمة، شرط أن لاتكون على حساب أبناء البلد المستضيف الذين تفاقمت معاناتهم جراء المنافسة الشرسة على فرص العمل، وعجز موازنة الدولة عن الوفاء بالاحتياجات التنموية والخدمية للمناطق التي تضاعف عدد سكانها في بعض الأحيان كمدن وبلدات محافظات الشمال.
لكن يتعين على المسؤولين الأردنيين المشاركين أن لا يخطفهم بريق المؤتمر في لندن، وأن يتمسكوا عند صياغة برنامج الدعم بالفرضية الأساسية التي انطلقت منها الفكرة، لتعظيم المكاسب لصالح الأردن واقتصاده وموازنته.
سيكون من الصعب على مواطن أردني عاطل عن العمل رؤية شقيقه السوري، وقد تحصّل على وظيفة في أحد المشاريع، بينما لا تمنح له نفس الفرصة. فعلى المدى المتوسط ستخلق مثل هذه الحالة إشكاليات جمة، وتعقيدات نحن في غنى عنها.
لا جدال في حاجة السوريين المعذبين للإنصاف، والحياة بكرامة، فهذا أقل مايمكن أن يقدمه الشقيق لشقيقه في الظروف العصيبة. غير أن الصيغة الأكثر عدالة هي التي تنصف الطرفين، وتمنحهما فرصا وحصصا متساوية.
وقبل هذا وذاك بذل أقصى جهد ممكن لتوجيه الحصة الأكبر من الدعم للموازنة، لتغيير المعادلة الحالية التي بموجبها تتحمل الخزينة نحو ثلثي كلفة استضافة اللاجئين، لتحسين مستوى الخدمات الصحية والتعليمية، ودعم البلديات التي باتت عاجزة في بعض المناطق عن جمع النفايات. ناهيك عن التحدي الأمني الكبير الذي تمثله استضافة هذه الأعداد من البشر في منطقة تموج بالصراع، وتلعب بحدودها الجماعات الإرهابية.
نذهب إلى لندن لندافع عن مصالح وحقوق الأردن أولا وقبل كل شيء.