عروبة الإخباري- يشير الهجومان الانتحاريان اللذان خلفا عشرات القتلى والجرحى في مدينة زليتن الساحلية غرب ليبيا، ومدينة راس لانوف النفطية شرقاً، أمس، تزامناً مع إطلاق تنظيم «داعش» معركة «الموانئ النفطية» منذ يوم الإثنين الماضي، الى مسعى التنظيم المتطرف إلى خلط الأوراق في المنطقة، بعد الهزائم التي مني بها مؤخراً في العراق وسوريا، وفي الداخل الليبي، وإلى محاولاته المتصاعدة للتمدد في البلاد، مستفيداً من الخلافات الأفقية والعمودية التي تخيم على المشهد السياسي، والتي تعرقل أي جهود موحدة بين الأطراف المتنافسين لمحاربته.
وقبل أقل من عشرة أيام على انقضاء المهلة الممنوحة لرئيس حكومة «الوفاق» التي ولدت برعاية أممية، فايز السراج، لتشكيل حكومته، من المتوقع أن يفتح الهجومان، اللذان يعد أحدهما الأكثر دموية في ليبيا منذ شـباط الماضـي، والأعنف منـذ سقوط نـظام معمر القذافي، وكذلك معركة «الهلال النفطي»، النقاش بشكل أكثر إلحاحاً لدى الغرب حول التدخل الدولي مجدداً في البلاد، بغض النظر عن طبيعته وحجمه، بعدما أصبحت ليبيا ملفاً ملحاً لأوروبا، المهددة بالإرهاب وتدفق اللاجئين.
وفيما تكتفي واشنطن بضربات جوية تستهدف قادة للتنظيم في ليبيا، وبعمليات كومندوس، فإنها لن تسمح على الأرجح بالمساس بأمن المنشآت النفطية، بالرغم من ضعف احتمال أن يتمكن «داعش» من بيع النفط الليبي حتى لو سيطر على منشآته، في وقت كانت فرنسا قد قامت بطلعات استكشافية في نهاية العام الماضي فوق ليبيا، واعتبرت أن الملف الليبي سيكون الإكثر إلحاحاً في العام الحالي.
وفي الوقت الذي أبدت بعض الدول حماسة لمنحى التدخل العسكري، كإيطاليا، التي اشترطت طلباً ليبياً رسمياً ومباركة من الأمم المتحدة، وبريطانيا التي تفكر بنشر حوالي ألف عنصر لتدريب عناصر أمن ليبيين، يشير محللون إلى ان المجتمع الدولي سيعطي الأطراف الليبية المتصارعة بعد التصعيد الذي طرأ على المشهد الليبي خلال الأسبوع الحالي، فرصة أخيرة للتوحد، قبل التحرك عسكرياً.
وقتل ما لا يقل عن 60 شخصاً، وأصيب أكثر من 150 آخرين، في هجوم انتحاري بشاحنة مفخخة، أمس، استهدف مركزاً لتدريب الشرطة في مدينة زليتن غرب ليبيا، في أحد الهجمات الاكثر دموية في البلاد.
وقال مصدر أمني في زليتن، الواقعة على بعد 170 كيلومتراً شرق طرابلس، والتي تسيطر عليها قوات «فجر ليبيا» التابعة لسلطات طرابلس غير المعترف بها دولياً، أن انتحارياً فجر صباح أمس شاحنة صهريج مفخخة تستخدم لنقل المياه في مركز للشرطة حيث كان دفعة لخفر السواحل مكونة من 400 عنصر تقوم بتدريب، فيما أوردت بعض المواقع الليبية أنه جرى في المدينة أيضاً تفكيك عبوة ناسفة كانت تستهدف مجمع المحاكم .
واستقبلت مستشفيات زليتن ومصراتة القريبة وطرابلس الضحايا، فيما اطلقت دعوات للتبرع بالدم، بعد الاعتداء الذي وقع في منطقة «سوق الثلاثاء» في وسط المدينة، والذي كان مكتظاً عند وقوع الانفجار.
وتفجير اليوم في زليتن هو الأعنف منذ شباط العام الماضي حين انفجرت ثلاث سيارات ملغومة في مدينة القبة في شرق ليبيا، ما أسفر عن مقتل 40 شخصا، في ما وصفه المسؤولون آنذاك بأنه «هجوم انتقامي» بعدما قصفت طائرات مصرية أهدافاً للمتشددين.
ومساء أمس، أدى تفجير انتحاري آخر بسيارة مفخخة، إلى مقتل سبعة اشخاص، بينهم طفل، في مدينة راس لانوف النفطية شرق ليبيا، والتي يسعى التنظيم المتطرف إلى التقدم باتجاهها منذ يوم الإثنين.
وقال المتحدث باسم حرس المنشآت النفطية اسامة الحضيري إن «سيارة يقودها انتحاري انفجرت عند حاجز على المدخل الغربي لراس لانوف ما أدى إلى مقتل سبعة أشخاص، بينهم حراس للمنشآت النفطية، وإصابة 11 بجروح»، مضيفاً أن «أفراد عائلة كانوا في سيارة عند الحاجز اصيبوا في التفجير، بينهم رضيع توفي متأثراً بجروحه».
وفي درنة، حيث تدور مواجهات عنيفة بين مسلحي «داعش» و «مجلس شورى مجاهدي درنة»، هز انفجار ضخم المدينة صباح أمس عند المخل الرئيسي لإحدى المدارس، من دون أن يسفر عن وقوع ضحايا.
وذكرت مصادر في المدينة أن الانفجار «نتج عن عبوة ناسفة في مدرسة النهضة المقابلة لـ «الكورفات السبعة» في حي باب طبرق، والتي يتخذها مجلس شورى مجاهدي درنة معسكراً له».
وفي طرابلس، ندد نائب وزير الدفاع محمد بشير النعاس بـ «الجريمة الشنيعة» في زليتن، كما أعلن «المؤتمر الوطني العام» الحداد العام لمدة ثلاثة أيام.
وفي الشرق، دانت الحكومة المعترف بها دولياً في البيضاء «العمل الارهابي الغاشم»، داعية مجدداً الى رفع الحظر عن الاسلحة الذي تفرضه الامم المتحدة للتمكن من مكافحة «الارهاب». كما دان رئيس البرلمان المعترف به عقيلة صالح «الهجوم الجبان».
من جهته، دعا «المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني» الذي شكلته الأمم المتحدة برئاسة فايز السراج، والمكلف بتشكيل هذه الحكومة، في بيان «أبناء الوطن إلى الالتفاف حول حكومة الوفاق الوطني ودعمها في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد».
وفور وقوع هجوم زليتن، دان رئيس بعثة الامم المتحدة الى ليبيا مارتن كوبلر على حسابه على «تويتر» الانفجار، داعياً «كل الليبيين الى ان يتحدوا بشكل عاجل في المعركة ضد الارهاب». كما دان الاتحاد الاوروبي وفرنسا وايطاليا وألمانيا الاعتداء، داعين مجددا الليبيين إلى «الوحدة لمواجهة الارهاب».
ودعت فرنسا «مجمل الاطراف الليبية الى ان تشكل بسرعة حكومة الوحدة الوطنية برئاسة السيد فايز السراج الذي سيكون شريك المجتمع الدولي في مواجهة الارهاب».
من جهته، قال وزير الخارجية الايطالي باولو جنتيلوني إنه «ازاء التهديد الارهابي، لا بد من الرد قبل كل شيء بوحدة الليبيين. ومن الملح بالتالي تطبيق الاتفاق السياسي الموقع حديثاً، وتجاوز الانقسامات الداخلية، للوصول الى حكومة وحدة وطنية والتركيز على مكافحة مشتركة للإرهاب واعادة بناء البلاد».
وأعلنت بعثة الاتحاد الأوروبي في ليبيا أن الممثلة العليا للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني «ستلتقي أعضاء المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني في تونس» اليوم.
وكان اتفاق سياسي وقع برعاية الامم المتحدة في 17 كانون الاول الماضي في الصخيرات المغربية بين اعضاء من البرلمانيين المتنافسين في ليبيا ينص على تشكيل حكومة وحدة وطنية، الا ان رئيسي البرلمانين التابعين للسلطتين الحاليتين عقيلة صالح ونوري أبو سهمين لا يزالان يرفضان هذه الحكومة.
واستبعد المحلل الليبي في مركز «أتلانتيك كاوسيل» في واشنطن محمد الجارح ان يشجع هذا الاعتداء جهود الوحدة في ليبيا.
وقال الجارح، لوكالة «فرانس برس»، إن «ذلك لم يحصل في السابق، حتى حين كثف تنظيم الدولة الاسلامية هجماته. المجموعات السياسية لا تزال تركز على الصراع على السلطة».
واعتبر الجارح أن «العملية الانتحارية في زليتن ضربة استباقية يقصد بها تنظيم داعش ضرب القطاع الأمني الليبي بعد محاولاته ضرب عصب الاقتصاد الليبي، البترول».
من جهته، قال الباحث الليبي في معهد «إيسبي» إن «هذا الهجوم سيستخدمه الغرب لزيادة الضغط على الأطراف الليبيين المتصارعين، لكي يتأكدوا أن هناك خطراً حقيقياً من قبل داعش، وأن عليهم أن يسرعوا في تشكيل حكومة الوحدة»، مضيفاً أنه «إذا لم تتشكل هذه الحكومة في غضون عشرة أو 15 يوماً، فإن الغرب سيفكر جدياً في شن ضربات جوية دولية، ولكن لا أعتقد أنه سيكون هناك قوات أجنبية على الأرض»، بحسب ما نقلت عنه صحيفة «فايناشال تايمز».
وكان تنظيم «داعش» قد شن اعتباراً من يوم الإثنين الماضي هجوماً قوياً على مدينتي السدرة وراس لانوف في منطقة «الهلال النفطي» انطلاقاً من معقله في مدينة سرت، ما أسفر عن سقوط ما لا يقل عن عشرة قتلى في صفوف حراس المنشآت النفطية، كما بثت مواقع مقربة منه مشاهد لبلدة بن جواد القريبة التي قالت إنه تمكن من السيطرة عليها.
وأمس، قال المتحدث باسم «المؤسسة الوطنية للنفط» محمد الحراري إن رجال الإطفاء يحاولون السيطرة على الحرائق التي شبت في ميناءي رأس لانوف والسدرة نتيجة هجمات «داعش».
وكانت المؤسسة قد أعلنت أمس الأول ان النيران اندلعت في اربعة خزانات للنفط الخام على الاقل في المنطقة النفطية جراء المعارك بين حراس هذه المنشآت وتنظيم «داعش».(وكالات)