“… صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا…” (الحج، الآية 40).
ربما يؤشر الغضب الذي عبرت عنه أوساط أردنية كثيرة بسبب نشر اقتباس من مصادر تراثية يسيء إلى الكنيسة في أحد مواقع الإنترنت، إلى حالة اجتماعية سياسية جديدة يجب الالتفات إليها والاهتمام بها كثيرا؛ هل ثمة صعود في مجتمعاتنا لحالة جديدة من الكراهية بين مكونات المجتمع والدولة، أو ثمة كراهية منحازة ضد فئة من المواطنين؟ وهل حالة الكراهية تخص المسيحيين فقط، أم أننا نشهد صعود حالة من الكراهية والانحيازات المتبادلة بين فئات وطبقات عدة في المجتمع، تبعا لتصنيفات اجتماعية واقتصادية وجغرافية متعددة ومعقدة؟
المسيحيون في الأردن والدول العربية هم أهلها الذين كانوا يستوطنونها منذ آلاف السنين، ثم اعتنقوا المسيحية في موجتها التي سادت الشرق العربي وحوض البحر المتوسط.
لكن ما الجديد فيما يحدث ويدور اليوم؟ فالمسيحيون يعرفون (يفترض) وجود حالة انحياز ضدهم، يقلل من ألمها (ربما) الحالة السياسية والاجتماعية السائدة والمطبقة. والمسلمون يعرفون ذلك أيضا ولكنهم يلتزمون غالبا بالاحترام المتبادل مع المسيحيين. لماذا حدث مؤخرا فقط غضب واسع من مقولة منحازة ضد المسيحيين؟
أكتب إيجابيا في الصحافة عن المسيحيين والمسيحية منذ سنوات طويلة في مناسبات كثيرة. وكانت كتابات تمرّ بسلام ولم ألاحظ أنها أغضبت أحدا من المسلمين أو المسيحيين. وقد يعلق عليها في حدود مقبولة ومتوقعة من الاختلاف والاتفاق. إلا أن مقالتي عن المسيحية في “الغد” (بتاريخ 26/ 6/ 2015) كانت مسرحا لمئات التعليقات والردود الغاضبة من مسلمين، وجدل ديني متبادل، برغم أنها مقالة معلوماتية تهدف إلى تزويد القارئ المسلم بقدر من المعرفة عن المسيحية. لم تكن المقالة مفاجأة ولا غير مسبوقة، ولكن المفاجأة والسابقة كانت في العاصفة “الإسلامية” ضد المقالة.
يبدو واضحا أن ثمة قلقا مسيحيا وشعورا متزايدا بالانحياز ضد المسيحيين، ربما بسبب الأحداث في سورية والعراق، وربما بسبب صعود موجة من التعصب الديني الذي يتحول إلى كراهية وانحياز، وربما بسبب ما رافق العولمة في العقود الثلاثة الأخيرة من صعود موجات الشعور بالهويات المغيبة والهويات المفترسة (بفتح الراء وكسرها)، وما شهدته دول ومجتمعات كثيرة من صراعات بعد حالات راسخة من الاندماج. وأشير إلى أنني كتبت في “الغد” (بتاريخ 27/ 6/ 2015) بعنوان “تطرف وكراهية يهدداننا”؛ قلت إننا في مواجهة كراهية مخيفة تهددنا جميعا، وأنها تكشف عن هشاشة اجتماعية خطيرة.
ثمة قلق مسيحي وشعور بالغضب والتهديد. ولا يغير من جدية ومشروعية هذا القلق أن يكون واقعيا مبررا أو غير صحيح، فالقلق مهما كان مصدره لا يمكن الرد عليه إلا بتماسك اجتماعي واقعي وحقيقي. ولا تقلل منه شيئا مقولات التسامح، ولا الرد والتوضيح؛ ذلك أن نقص المعرفة هو أخف الأسباب، ولكن الكراهية مثل وباء خطير لا يصده الانتقاد؛ كما أنها محصلة سياسات اجتماعية واقتصادية معقدة ومتراكمة، لا يمكن الرد عليها إلا بمنظومة مكافئة في الاتجاه الإيجابي.