يتعامل مسؤولونا بدرجة كبيرة من الغموض والتورية مع الأزمة المتدحرجة، التي تتمثّل في وجود أكثر من عشرين ألف لاجئ سوري بالقرب من الساتر الترابي على حدودنا الشمالية (مع سورية)، في مخيمين اثنين: الأول (وهو الحدلات)، يضم قرابة ألفي شخص، ويبعد قرابة 50 كم عن الرويشد. والثاني (هو الركبان)، يحتاج الوصول إليه المرور بمحاذاة الحدود العراقية، ويبعد عن الرويشد قرابة 210 كم، وهو الأسوأ حالاً ويضم قرابة 18 ألف شخص.
لم يوافق الأردن على دخول هؤلاء اللاجئين. وقام بتوفير الخيم من الأمم المتحدة، فأعطيت لهم عبر الحدود، ويتم توفير الأمور الضرورية لهم عبر الأردن، بدعم المجتمع الدولي، لكن بما لا يتجاوز الوجبة الواحدة يومياً فقط، مع عدم توفير أي وسيلة من وسائل التدفئة المطلوبة، في ظل ظروف البرد القارس في هذه الصحراء القاحلة، والنقص الحاد في الأدوية والمياه، وغياب أي شرط من شروط الحياة الرئيسة الأخرى!
المشكلة تتفاقم والأعداد في ازدياد. وما يضاعف من حجم هذه الأزمة الإنسانية الخطيرة، أنّ هناك نسبة كبيرة، قد تصل إلى الأغلبية، من هؤلاء اللاجئين المشردين، هي من الأطفال الصغار، ممن لا يوجد لهم أولياء أمور، قدموا من مناطق مختلفة في سورية، لكنّهم “علقوا” في هذه المنطقة الجغرافية الموحشة، بلا أي حلول في الأفق!
بالرغم من أنّ المسؤولين متمسكون بموقفهم بعدم السماح بعبور الموجة الحالية من اللاجئين، إلاّ أنّ هناك ما يقارب 200 طفل أو امرأة أو مسنّ كبير يتم السماح بدخولهم إلى الأردن يومياً، لأسباب إنسانية ملّحة، مثل المرض والولادة وخطر الوفاة. لكنّ بالرغم من ذلك العدد لا ينقص.
إلى الآن، الأردن يتعامل مع هذه الأزمة وكأنّها شيء غامض لا يريد إثارته، أو يخشى تسليط الضوء عليه إعلامياً، حتى لا تزيد الضغوط علينا لإدخال الأشقاء اللاجئين. إلاّ أنّ هذه السياسة غير مجدية على المدى المتوسط. فمع ارتفاع منسوب التوتر في درعا واحتمال اشتعال الجبهة مرّة أخرى، فإنّ العدد مرشّح للارتفاع بأضعاف مضاعفة، وستكون في نهاية اليوم المسؤولية الإنسانية والأدبية، فضلاً عن القانونية، على الأردن أكبر بكثير. إذ حتى لو لم تكن الضغوط الغربية قوية، فإنّ الواقع الموجود على الحدود سيفرض نفسه بقوة، وسيضطر الأردن إلى التعامل مع هذه المشكلة!
لماذا الوضوح أفضل؟ لأنّ وضع هذه القضية أمام المجتمع الدولي والمنطقة، وتقديم صورة إعلامية حقيقية عن حجم الضغط الذي يواجه الأردن ومعاناة وأزمة الأطفال والنساء والشيوخ في هذه المخيمات، سيخلق ضغطاً بديلاً على الدول العربية والأمم المتحدة؛ أولاً من أجل إيجاد حلول إنسانية دولية، يكون الأردن جزءاً منها، وثانياً من أجل الضغط على صنّاع الحرب في سورية للبحث عن حلول لهذه الأزمة التي أنتجوها هم.
كان هناك مخطط أردني جيّد تم إيقافه مع الحملة العسكرية للنظام على درعا، مباشرةً بعد مقتل زهران علوش، ويتمثّل في فتح المجال للمنظمات الإنسانية لإقامة مخيم (يضم 5000 كرفان) مهيأ بالشروط المطلوبة، لتوطين اللاجئين في محافظة درعا، بالقرب من الحدود الأردنية، وتوفير المتطلبات اليومية لهم هناك، من دون الحاجة إلى عبور الحدود. وهو سيناريو مهم، لكنه تعطل، ويحتاج إلى قرار دولي لتنفيذه.
إذن، المطلوب عدم التغطية على ما يحدث، بل العكس؛ كشف هذه الأزمة الآن ومطالبة المجتمع بإيجاد الحلول أو تبنيها. وهو ما يتطلب رسالة دبلوماسية وإعلامية أردنية كبيرة وحقيقية، وعدم الاستمرار في التعامل مع هذا الملف المؤرق أمنياً وإنسانياً واستراتيجياً بعدم اهتمام كافٍ، بخاصة أنّه مرشّح مع الأيام المقبلة للتفاقم.