عروبة الإخباري – بعد مرور سبعين عاما على وفاة أدولف هتلر يستعد مؤرخون ألمان لإصدار نسخة جديدة لكتابه المثير للجدل “كفاحي”. لكن هذا المشروع يقسم الألمان إلى مؤيد ومعارض. فما هي أسباب المواقف المتعارضة؟
بينما يعتبر البعض إعادة نشر وبيع كتاب هتلر “كفاحي” بمثابة سيناريو مرعب، يرى آخرون أنه مشروع طال انتظاره. فابتداء من فاتح/ كانون الثاني 2016 يمكن اقتناء النسخة الجديدة للكتاب في المكتبات الألمانية. ويتعلق الأمر بطبعة نقدية أشرف عليها مؤرخون ألمان تراعي السياق التاريخي الذي كتب فيه الكتاب، بهدف توضيح مضامينه للقراء من المنظور الحالي. وسيتم حجب صورة هتلر عن غلاف النسخة الجديدة التي ستصدر في مجلدين، كما لن تحمل نفس العنوان الأصلي المنبوذ.
“كفاحي” من الملكية الخاصة إلى “الملكية العامة”
ورغم مراعاة تلك الأمور في النسخة المرتقبة فإن الإعلان عن صدورها يثير جدلا في ألمانيا. ففي الأشهر والسنوات الأخيرة أصبح الكتاب موضوع نقاش بين أعضاء البرلمان، وداخل المجلس المركزي لليهود في ألمانيا، أو داخل رابطة المؤرخين الألمان. من المعروف أن حقوق المؤلف تنتهي بعد مرور 70 سنة على وفاة الكاتب، ويجري العمل بذلك في جميع البلدان الأوروبية. ولكن عند الحديث عن هتلر فإن حقوق نشر كتابه “كفاحي” ستنتهي في بداية عام 2016 (في 30 نيسان / أبريل 1945)، أي تاريخ انتحار هتلر عندما تأكد بأنه لن يربح الحرب). وبعد انتهاء المدة القانونية لحقوق المؤلف تصبح ملكية الكتاب “ملكية عامة”، ويعني ذلك أن لكل شخص الحق في طبعه وتوزيعه.
إلى حد الآن، لم يقدم على هذه الخطوة سوى ناشر واحد وهو معهد التاريخ المعاصر في ميونيخ (IZF). وينهمك مؤرخون ألمان منذ 2009 لاصدار نسخة تتضمن شرحا تاريخيا لما جاء في الكتاب وسياق ظهوره. في هذا الصدد يقول مدير المعهد، أندرياس فرشينغ في مقابلة مع DWإن “الترويج للكتاب دون أي اعتبار آخر وجعله متوفرا في كل مكان لن يكون أمرا جيدا، بل إنه أمر غير مسؤول “. وأضاف مدير المعهد أن هدف فريق البحث من إعادة نشر “كفاحي” هو “تنوير” القراء. فالطبعة الجديدة ستحتوي على “الكثير من المعلومات الجديدة من شأنها أن تساعد على فهم النص جزءا بجزء، وبالتالي تحقيق فهم أفضل لتاريخ الاشتراكية القومية”.
أسطورة “كفاحي”
رغم الحديث الدائر في ألمانيا عن كتاب “كفاحي”، فليس لدى كل المواطنين معرفة عميقة بمضمونه وسياق نشره. كتاب “كفاحي” هو السيرة الذاتية للزعيم النازي هتلر، وهي تفتقر إلى التحليل العميق، وخصوصا فيما يتعلق بأسباب التأثيرالكبير للكتاب على الأحداث. ملايين الألمان اشتروا الكتاب آنذاك (أو حصلوا عليه كهدية)، ولكن غالبيتم لم تقرأه، فهم ليسوا عن علم بالدوافع الإجرامية التي خطط لها ونفذها هتلر.
وبالنسبة للخبير أندرياس فإن الكتاب يتضمن الكثير من القضايا التي تتيح للقارئ إمكانية معرفة الدور الذي لعبه هتلر في التنظير للحروب التي أشعلها تحت قيادته، مثل الحرب التي قام بها في أوروبا الشرقية ، وغزوه لبولندا عام 1939 وللاتحاد السوفياتي عام 1941، دون نسيان معاداته للسامية، أو أفكاره المجرمة في موضوعي التعقيم، والقتل الرحيم. فكل هذه الجرائم المرتكبة في عهد النظام النازي موجودة في كتاب هتلر الذي ظهر مجلده الأول عام 1924 والمجلد الثاني عام 1927.
في البداية تلقى معهد التاريخ المعاصر في ميونيخ دعما ماليا للمشروع من قبل حكومة ولاية بافاريا. حتى الآن تملك الولاية حقوق الطبع والنشر والملكية. فبعد الحرب العالمية الثانية انتقلت تلك الحقوق من دار نشر الحزب النازي إلى ولاية بفاريا، وهو ما تستخدمه الولاية كورقة لمنع إعادة طبع الكتاب وبالتالي عدم نشر الأفكار النازية. بيد أن الدعم المالي لحكومة ولاية بافاريا للمشروع توقف بسبب انتقادات من إسرائيل وأيضا من الرئيس السابق للمجلس المركزي لليهود في ألمانيا، شارلوت كنوبلوخ. ولم تأت الانتقادات فقط من أولئك الذين يفضلون مواصلة منع الكتاب إلى الأبد. قبل بضع سنوات حاول الباحث الاجتماعي هورست بوتكر نشر نسخة محققة لكتاب “كفاحي”، لكن ولاية بافاريا عارضت المشروع.
من سيقرأ الكتاب في المستقبل؟
ومع انتهاء الوقت القانوني لملكية حقوق طبع ونشر “كفاحي”، فإن الحديث عمن سيقوم بطبعه من جديد لم يعد يشكل السؤال الأهم، بل من سيقرأ هذا الكتاب مستقبلا؟ هل سيقرأه أنصار حركة “بيغيدا” الذين يرفعون شعارات الكراهية ضد الأجانب؟ أم الذين يصفون الاعلام الديمقراطي ب “صحافة النفاق” ؟ أم أنصار “الحزب النازي” الذي قد يصدر في حقه حكم بمنعه قريبا؟. وهل يغتنم أعضاء الحزب النازي فرصة اقتباس ما جاء من مضامين في كتاب هتلر؟.
منذ مدة طويلة يمكن قراءة مقتطفات من الكتاب المنبوذ في شبكة الإنترنت دون إمكانية تدخل القضاء في منعه من النشر. حاليا لايمكن التكهن بالقراء المحتملين لهذا الكتاب في المستقبل. لكن كل من يختار اقتباسات من الكتاب وينشرها بدون معرفة تاريخية بمضمونها وسياقها فسيعرض نفسه للمتابعة القضائية. حيث إن القانون الجنائي الألماني يعاقب كل من يقوم بنشر الفتن بين المواطنين.