صحيح! مشروع قانون الانتخاب الجديد ليس مكمَّلاً أو خالياً من العيوب، ولا هو الصورة النموذجية تماماً لطموحنا بمخرجات توصل الدولة والمجتمع إلى مجلس نواب يمثّل حجر الأساس لنظام تعددي ديمقراطي، يقوم على تداول السلطة بين الحكومات والتوازن بين السلطات.
لكن، في المقابل، المشروع الجديد يمثّل خطوات مهمة وإيجابية ونوعية للأمام، يمكن البناء عليها لاحقاً؛ إذ يخرجنا من نفق “الصوت الواحد”، أولاً؛ ويعيدنا إلى مربع المحافظات كوحدات انتخابية، ثانياً. أي أنّه يخلّصنا -نظرياً- من نوعية من مفهوم نواب الدوائر الصغيرة الذين يفتقرون إلى أي عمق سياسي وإيديولوجي، وهم أقرب إلى تمثيل تجمعات عشائرية أو مصلحية محدودة.
وهو، أي مشروع القانون، يعيدنا، مبدئياً، إلى تعدد الأصوات للناخب، ويُدخل مبدأ النسبية إلى المفاهيم الانتخابية الأردنية، ما يعزز فكرة التحالفات بين الأفراد والأحزاب في العملية الانتخابية أو مخرجاتها.
كنتُ أتمنّى لو أنّ القائمة الوطنية النسبية لم تُلغ من المشروع الجديد، وأن تكون هناك نسبة حسم فيها، كما يطالب العديد من السياسيين والباحثين. وأتفق تماماً مع الرأي القائل بأنه لا يجوز تحميل فكرة القائمة الوطنية مسؤولية النتائج التي أتت في الانتخابات الأخيرة، فهناك عوامل عديدة تداخلت في الموضوع، لا مجال لذكرها هنا، أهمها الخشية الرسمية المسبقة من نتائج هذه القائمة، وعزوف القوى السياسية والعديد من الشخصيات الوطنية عن المشاركة في تلك الانتخابات.
لكن دعونا نكُن أكثر وضوحاً وصراحة، بخاصة أمام موجة الانتقادات الحادّة التي تنال اليوم من المشروع الجديد. وهي انتقادات مشروعة، وجزء كبير منها موضوعي، لكنّها تغفل عن شرط مهم حققه هذا المشروع، ويتمثل في الغطاء الرسمي له، ما منحه القوة الحقيقية، وأنجحه مقارنة بمشاريع أخرى عديدة فشلت ولم تنجح في إزاحة “الصوت الواحد”، لأنّ المؤسسات الرسمية كانت مقتنعة بصلاحية ذلك القانون. وعندما يأتي المشروع الجديد وينجح في تقديم معادلة ترضي الطرف الرسمي، وفي الوقت نفسه تفتح الباب أمام عملية انتخابية أفضل بكثير، فإن المطلوب أن ندعمه كي يكون باباً لتغييرات مقبلة، بدلاً من الاستمرار تحت طائلة ذلك القانون سيئ الصيت والسمعة!
يوم أول من أمس، عرض د. عبدالرؤوف الروابدة ومتحدثون آخرون انتقادات للمشروع الجديد، في ندوة جمعية الشفافية الأردنية. وهي انتقادات وجيهة وموضوعية، لكن -كما قلنا- لا توجد وصفة سحرية أو ذهبية لقانون الانتخاب. وربما لم تُترك أي صيغة ممكنة إلاّ وأشبعت نقاشاً وبحثاً وتفصيلاً ونقداً، وفي النهاية كلّها تحتمل الخطأ والصواب.
حتى الصيغة لمعالم المشروع المقترح من الروابدة نفسه، طُرحت، وهي جيدة في العموم، لكنّ هناك ملحوظات شبيهة عليها، وفي مقدمة ذلك السؤال عن النسبة المقترحة للقائمة الوطنية من مجلس النواب المقبل. وقد كنت أتمنى أن أطلع على محاضرة الروابدة كاملة؛ فيما لو قدّم بالفعل رقماً معيناً، أم أبقاه غامضاً لأسباب سياسية معروفة، فهل نتحدث عن 50 % من مجلس النواب يأتي عبر القائمة الوطنية، أم أقلّ أم أكثر؟ فمثل هذه النسبة عامل مهم ومفصلي في محاكمة المشروع المقدم؟
الأمر الثاني، يتمثل في الإبقاء على المقاعد الفردية، وفكرة الحقوق المكتسبة، وهي وهم اخترعناه للإبقاء على نسبة كبيرة من النواب ممن يمثلون الدوائر الصغيرة، بدلاً من المحافظات!
السؤال الأخير؛ لماذا احتفظ دولته بهذا المقترح المهم إلى هذه اللحظة، ولم يطرحه سابقاً عندما كان قانون “الصوت الواحد” هو الذي يحكم الانتخابات؟!