يلتقي غداً الثلاثاء أهل الحق والباطل اليمنيون في جنيف، تحت مظلة الأمم المتحدة لبحث مستقبل اليمن، والخروج به من الحرب الضروس التي ذهب ضحيتها آلاف القتلى من دون ذنب، وضعفهم آلاف الجرحى والمشتتين عبر دول الجوار، أو راحوا يعيشون في الكهوف وتحت الأشجار، بعد أن هدمت منازلهم ودمرت ممتلكاتهم، من جرّاء هذه الحرب المكروهة. أهل الحق هم أصحاب السلطة الشرعية، بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي، وأصحاب الباطل هم الباغون على السلطة الشرعية وإزاحتها بقوة السلاح.
(1)
للذهاب إلى مؤتمر جنيف 2، انقسم الانقلابيون إلى وفدين، أتباع الرئيس المخلوع، علي عبد الله صالح، وأتباع الحوثي، وهما يلاقيان الدعم المادي والمعنوي والإعلامي من إيران عبر مؤسساتها الإعلامية في العراق وبيروت وطهران، إضافة إلى وسائل إعلام الحلف الثنائي صالح ــ والحوثي. وسيكون وفد الحكومة الشرعية برئاسة وزير الخارجية نائب رئيس مجلس الوزراء، عبد الملك المخلافي. في تقدير الكاتب، كان المفروض أن يكون هناك وفدا الشرعية والانقلابيين، وليس ثلاثة، إذ ستقود هذه التوليفة الثلاثية إلى تشعيب الأزمة اليمنية، وإطالة زمن الحوار، وقد يدفع آخرين إلى المطالبة بالذهاب إلى جنيف فريقاً متضرراً من الطرفين، وهنا يتحول المؤتمر إلى مسارات أخرى.
كان المفروض أن يكون ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، إسماعيل ولد الشيخ، واعياً هذه المسألة، وكان على وفد الشرعية ألا يقبل وفدين من فريق الباغين على السلطة الشرعية. في ظل هذه التركيبة العجيبة لوفدي التفاوض، على وفد الشرعية التأني في قراءة جدول الأعمال، وفي كل وثيقة تقدم من ممثل الأمم المتحدة ومن أي من الفريقين الانقلابيين.
“ليس مؤتمر جنيف 2 لتقديم تنازلات جوهرية للانقلابيين، وليس للمحاصصة السياسية، لأنها ستجر اليمن إلى الهاوية، كما الحال في العراق ولبنان”
(2)
لا جدال في أن الهدف النهائي لهذه المفاوضات هو الوصول إلى وقف إطلاق النار في كل الأراضي اليمنية، وإخلاء القرى والمدن والأرياف من المسلحين غير الشرعيين، والعودة بالبلاد إلى ما قبل 21 سبتمبر/أيلول 2014، تطبيقاً لقرار مجلس الأمن 2216، وتسليم السلاح، بكل أنواعه، إلى قيادة الحكومة الشرعية، أو قوات التحالف العربي، وتحت مظلة جامعة الدول العربية، وإطلاق سراح المعتقلين لدى الانقلابيين. يجب التركيز في “جنيف 2” على إنهاء المظاهر المسلحة في كل اليمن، وإنه لا سلاح إلا بيد السلطة الشرعية، ومع قوات التحالف العربي إلى أن يستتب الأمر، ثم تقرّر الحكومة الشرعية أمر قوات التحالف.
يطلق أركان تحالف صالح والحوثي سؤالاً غير منطقي: كيف نسلم السلاح لسلطة/ حكومة ضعيفة لا تستطيع أن تحمي نفسها؟ متذرعة باغتيالات في عدن قبل أيام. الرد أن التفجيرات والاغتيالات تحدث في كل عواصم الدنيا، وأحداث باريس ليست بعيدة. وفي الولايات المتحدة الأميركية، اغتيل ثلاثة رؤساء، أحدهم جون كيندي، وجرت محاولة اغتيال الرئيس رونالد ريغان عام 1981. وفي مصر اغتيل أنور السادات في وسط حراساته، فيجب الكف عن التذرّع بهذه الذرائع الواهية.
(3)
أعلنت المقاومة الوطنية في تعز رفضها أي حوار أو لقاء مع أعضاء حلف صالح ــ الحوثي، وناشدت الحكومة الشرعية بعدم المشاركة في أي حوار مع الذين قتلوا من المدنيين، أهل تعز الآمنين، 1446، بينهم 102 امرأة، 202 طفل منذ منتصف مارس/آذار الماضي، وحتى الأسبوع الأول من ديسمبر/كانون الأول الحالي، ناهيك عن الجرحى، وعن اختطاف ناشطين من أهل تعز، وما لحق بالمحافظة من خراب ودمارٍ يشبه دمار زلزالٍ بقوة تزيد على 8 درجات على مقياس ريختر. ارتكب الحوثي وعلي عبد الله صالح جرائم في حق الشعب اليمني، ويجب ألا يفلتا من العقاب الدولي، أسوة بمجرمي حرب يوغسلافيا في التسعينيات.
(4)
اعتاد صالح ابتزاز العالم، وخصوصاً السعودية وأميركا، في العشرين عاماً الماضية، بأنه يقف في وجه “القاعدة”، ولا بد من تمويله للقضاء على التنظيم، والحق أنه صاحب ذلك التنظيم، وفي سجلات الحكومة اليمنية الحالية ما يثبت ذلك. واليوم يهددهم بتنظيم داعش، وهو الداعشي الأول ونصيره الحوثي. ويفيد تقرير مركز أبعاد للدراسات الاستراتيجية بأن ضابطاً من جهاز مخابرات المخلوع صالح، وأحد أقارب اللواء الذي يوصف بأنه القائد العام لقوات الانقلابيين المسلحة، يقدم تسهيلاتٍ واسعة لتنظيم داعش، ما جعله يحصل على أسلحة وآليات ومدرعات وسيارات ذات دفع رباعي، ما يؤكد أن “داعش” في اليمن من صنع علي عبد الله صالح.
آخر القول: ليس مؤتمر جنيف 2 لتقديم تنازلات جوهرية للانقلابيين، وليس للمحاصصة السياسية، لأنها ستجر اليمن إلى الهاوية، كما الحال في العراق ولبنان. وعلى دول التحالف العربي إنجاز المهمة العسكرية في مأرب والجوف والحديدة، قبل أن تستفحل الأمور في المنطقة.