فيصل الفايز..حكاية رجل دولة/ بقلم: هيثم حسّان

alfayez_2.jpg

عروبة الإخباري- عندما يكون الإرثُ عظيماً ينوء كاهل الوريث بثقل ما يرث، وقليل من الورثة يدركون قيمة ما ورثوا، فيما يبدد بعض الورثة ما جمعه الآباء طوال سني عمرهم بلحظة.

ودولة الشيخ فيصل عاكف مثقال الفايز من تلك القلّة، لا من ذلك البعض؛ حيث أدرك عميقا قيمة العباءة التي ورثها عن جده وأبيه..

فقد كان الجد شيخ مشايخ قبيلته التي شرّقت خيلها وغرّبت وكان لها نفوذها وسطوتها ما بين المزيريب(جنوب دمشق) شمالاً ومعان جنوباً، وكان لها دورها الكبير في حماية قافلة الحج الشامي، وكان مثقال الفايز ابن الثلاثة عقود شيخا مُطاعا في قومه، لا تُطفأ له نار، ولا يخبو له أوار، واستظل بخيمة “راعي البلها” الكثير من المستجيرين من عاديات الزمان.

وقد دونت صفحات التاريخ سيرة الجد (مثقال) عندما قام باعتقال وسجن الضابط البريطاني (فريدريك بك) وحجزه لمدة يومين في (مخزن التبن) في عام 1920م، وتم الإفراج عنه بوساطة من الأمير عبد الله (قبل قدومه من معان إلى عمان).

أما الأب الشيخ عاكف فقد قضى عشرينيات عمره موظفا في القصر الملكي، وتبوأ موقع رئيس التشريفات في القصر ولم يبلغ الـ 26 عاما، ولينتخب بعدئذ عضوا في 8 مجالس نيابية، ومن ثم ليعين وزيرا لـ 14 مرة، ومن ثم عينا في  6مجالس أعيان، وكاد أن يشكل الحكومة عام 1968.

ومالم يحققه الأب حققه الإبن عام 2003، عندما كُلف فيصل الفايز  بتشكيل الحكومة رقم 65 منذ تأسيس الدولة الأردنية، وليكون رئيس الوزراء الـ  34 في الدولة الأردنية.

ويحمل فيصل الفايز درجة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة كارديف، المملكة المتحدة (عام 1978)، وعندما حاز شهادته الأكاديمية، عُيّن قنصلا في السفارة الاردنية في بلجيكا بين عامي 1979-1983، وحصل خلال مهمته الديبلوماسية على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة بوستن في بروكسل عام 1981.

وبعد انتهاء عمله الديبلوماسي في بروكسل عاد إلى عمان، ليعمل في الدوائر السياسية والقانونية والاقتصادية والمراسم في وزارة الخارجية، حتى عام 1986، وهو العام الذي شهد انتقاله من مبنى وزارة الخارجية إلى الديوان الملكي الهاشمي، الذي تدرج في مناصبه؛ ليعمل بمنصب مساعد لرئيس التشريفات الملكية حتى عام 1995، ومن ثم نائباً لرئيس التشريفات الملكية حتى عام 1999، ومن ثم رئيساً للتشريفات الملكية وليس أخيرا وزيرا للبلاط الملكي الهاشمي حتى عام 2003، وكان المنصب تحضيرا للانتقال إلى “الدوار الرابع” في تشرين الأول (اكتوبر) عام 2003، لتتكون تشكيلة حكومته، التي استمرت لـ ـ18 شهرا وشهدت تعديلين، من  32 وزيرا، بينهم ثلاثة سيدات.

ومن “الدوار الرابع” انتقل الفايز  في ربيع عام 2005 إلى رئاسة الديوان الملكي، وسرعان ما عُيّن عضوا في مجلس الإعيان.

وانتخب عضوا في مجلس النواب السادس عشر  ومن ثم رئيسا له عام 2010، ثم جرى تعيينه عينا في مجلس الأعيان لأربع مرات، ثم أخيرا رئيسا لمجلس الأعيان.. ليصبح الرئيس رقم 11 للمجلس..وبات الفايز الوحيد من بين أقرانه، في نادي رؤساء الوزارات، الذي يتسلم رئاسة أربع رئاسات مؤثرة، في الدولة الأردنية، بعد رئاسته الحكومة والديوان الملكي ومجلس النواب في فترات سابقة.

وفي رسالته التي أرسلها الفايز لجلالة الملك عقب توليه منصبه الأخير، تعهد الفايز   بـ” ترجمة تطلعات جلالتكم حول الإصلاح الشامل، الذي رسمتموه وقدمتموه لشعبكم في أوراقكم النقاشية، ولتسريع هذا الاصلاح بدون تراجع أو تخاذل أو تجاذبات جانبية”..

الكثيرون رأى في تلك الفقرة من الرسالة “مربط الفرس”، بل هناك من وصل به الاعتقاد إلى أنها غمز من قناة آخرين كانوا يميلون إلى التمترس خلف رؤاهم بعيدا عن الإصلاح الذي يرنو له جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين.

وهناك من رأى في تعيين الفايز على سدة مجلس الأعيان “فرصة” للتخلص من مظاهر الحدة في إدارة نقاشات ومشاورات الأعيان ومنح النشطاء منهم فرصة التعامل مع التشريعات بدون مثل هذه المظاهر وبقدر أكبر من الاسترخاء، وذلك لأن الرئيس الجديد لمجلس الأعيان يعتبر  من الشخصيات التوافقية وغير الحادة والتي تميل دوما لإنتاج توازنات وامتصاص واحتواء احتقانات، بعيدا عن “المركزية” في إدارة الجلسات والنقاشات..

ولاشك بأن وجود الفايز  في موقعه الجديد يسرع ببرنامج الإصلاح والتوجهات الملكية الداعمة في هذا الاتجاه، سيما وأنه لا ينتمي إلى المجموعات التقليدية الثلاث في اللعبة السياسية، وهي القطاع الخاص، والليبراليون الجدد، والحرس الكلاسيكي القديم.
ويرصد الكثيرون أن الرئيس الفايز  أرسل العديد من الرسائل، خلال العام الماضي، لجماعة الإخوان المسلمين؛ حيث وصف نفسه في أحد المقالات التي كتبها بقلمه بـ “صديق الإخوان المسلمين”، مقدما لهم العديد من النصائح للعودة عن نهج التصلب والتعنت..، ويرى هؤلاء المحللون ان وصول الفايز إلى سدة مجلس الملك تسهم بإعادة تأهيل الإخوان المسلمين للمشاركة في اللعبة السياسية، ويهيئ الأرضية لمرحلة وطنية توافقية بامتياز.

فيصل الفايز  من طينة رجال الدولة، الذين يتمدد نفوذهم إلى مسافات أبعد من مواقعهم. وتتميز أدوارهم بأنها أكبر من ألقابهم. وأحلامهم بحجم وطن.

شاهد أيضاً

مستشار بايدن للأمن القومي: كوريا الشمالية “رفضت تماما” التواصل الأمريكي

عروبة الإخباري – قال مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جيك سوليفان، الأربعاء، إن كوريا الشمالية …

اترك تعليقاً