عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب – ينادي المُلقي بضم الميم وليس بفتحها لأنه اسم فاعل، هكذا يريد وهكذا اعتقد، فقد كان عالم اللغة “المُبرد” قد اعترض على من ينادونه بالمبرد بفتح الراء وطالب أن ينادونه بكسرها ليكون اسم فاعل قائلا لهم: برد الله من بردني.
والملقي الدكتور هاني صعد الى سلم الوظيفة العليا بنفسه ولم يستعمل اسم والده وقليلون يعرفونه انه ابن اول رئيس وزراء في الاردن زمن الراحل الحسين وانه به بدأ مرحلة جديدة شابة في البناء الوطني وان (فوزي الملقي) الرجل السياسي الدمث خريج بريطانيا كان قد عمل مع الراحل الحسين حين كان الحسين يافعا صغيرالسن وقليل التجربة. وكان الراحل قد تعرف عليه في سن مبكر في اثناء دراسته في كلية سانت هيرست ببريطانيا واعجبته صفات عدة في (فوزي الملقي) فجاء به رئيسا لأول حكومة في المملكة الثالثة عام 1952..
أعود للكلام عن الدكتور هاني الملقي الذي يشغل الان رئيس المفوضين بمنطقة العقبة الاقتصادية حين لا يذهب الكلام الى التاريخ..
قلت ان الرجل لا يمتطي اسم والده ولا يستعمله سلما ليغطي به مواقف او رغبات فقد جاء هاني الى الدنيا متمكنا، كان في المدرسة الابرز بين أقرانه والاكثر نشاطا وميولا الى تشكيل الفريق وروح الفريق والتعاون وميله الى العمل الكشفي والرياضي صاحبه منذ الصغر .. كان قد تعلم من والده الكثير رغم مصاحبته له صغيرا قبل ان يفقده وبقي التأثير الكبير لوالدته التي تعلم منها الانضباط والاستماع والحس الانساني الدافق..
احب القاهرة وكانت من نصيبه وهو طالب ان يدرس فيها الهندسة ورأى طبائع المصريين وتفاعل معها وأدرك عمق الشخصية المصرية التي تبدو للبعض لأول مرة انها شخصية ساذجة، وحين نضجت به مصر ونضج بها ظل لديه الشوق في معاودتها، وكان ذلك من نصيبه مندوبا للاردن في الجامعة العربية وسفيرا في القاهرة ويقال على لسانه ان عمله في القاهرة كان اجمل ايام حياته وان حالته كسفير فيها كان يفضلها عن حالته كوزير في وزارة لاحقة اقتلعته حقيبتها من مصر لتعيده الى الاردن..
لدى الملقي وانت تجالسه مساحة يسرقها منك للتفكير، وحين يتحدث تتسع حدقات عيونه فكلامه يأتي مرورا بالقلب الى العقل، لا يحب ترف الثرثرة واللغو وتصيد الكلمات كما لا يحب ان يهزأ بأحد او ان يمارس الغيبة والنميمة. فإن قال شيئا في احد فإنه يقوله بصيغة تقريرية وبرأي يظل على استعداد ان يدافع عنه حتى يثبت عكسه..
لديه شيء من التعصب لوجهة نظره وربما كانت هذه واحدة من المآخذ عليه ولكن هذه الصلابة غالبا ما تكون مبررة حين تفقد وجهات النظر صلابتها وتتحول الى بضاعة رخيصة التداول،فيمسك برأيه حتى يحافظ على عمق الطرح وأولوية الحقائق..
في معظم عمله ظل لصيقا بالديوان الملكي وعمل مستشارا للأمير الحسن، وقد كان رغم سنه المبكرة يعكف على قراءة وجهات النظر المختلفة ويدرك ان للملوك مزاجا مختلفا ورؤية قد لا يراها الكثيرون إن لم يدمنوا مجالسة الملوك ومعرفة ميولهم والقدرة على المتابعة، ولعله في ذلك متأثرا بابن وطنه الاصلي خير الدين الزركلي الشامي وهو سياسي وأديب بارع ومفكر وطني انشغل في خدمة ملوك الهاشميين في مكة، وكان في بلاطاتهم وحين جاء الملك المؤسس الى عمان صاحبه وجاء في معيته خير الدين اذ اقام في عمان سنتين اورثهما كتابا أسماه “عامان في عمان” منعته الرقابة من التوزيع فحشر في الغرفة السوداء في مكتبة الجامعة الاردنية ولم يفرج عنه طيلة العقود الماضية التي زادت عن السبعين سنة إلا قبل عدة سنوات قليلة لتعاد طباعته ويوزع مجددا..
ولا اعرف ان كان الملقي الذي فيه صفات من الزركلي قد اطلع على كتابه ام لا فقد اعجبت بكتبه وخاصة كتابه “الاعلام” الواقع في ثمانية أجزاء..
لدى هاني الملقي نفس طويل وصبر واصرار ومبادرة، واحيانا اندفاع، وهو يريد انجاز عمل اليوم منذ امس، لا يحتمل التأجيل او البطء، ويرغب ان يبادر الشيء بنفسه وان يطلع عليه ويحيط به معرفة وتفاصيل وهو لا يغادر شيئا إلا اذا فهمه وعرف كيف يتعامل معه..
لدى الرجل مصداقية بدت بارزة وملموسة لانه ورث مرحلة في عمل السابقين عنه في العقبة لم تتوفر فيها المصداقية وعمت الوعود واساليب الفهلوة والتضليل، ولهذا عانى حتى أعاد تأكيد مصداقية السلطة في تعاطيها مع مشاريعها ومع المواطنين.. ولذا كان قدومه لموقعه الجديد رغم انه جاء محملا بتاريخ من العمل حيث حمل اكثر من حقيبة وزارية وغير وزارية وحيث زكى ولاءه وجودة عمله بمجموعة كبيرة من الاوسمة التي تحمل الدرجة الأولى. وايضا مجموعة من الاوسمة الاخرى من الدنمارك والسويد وفرنسا وهولندا، وتعددت الحقائب التي حملها في وزارات مختلفة والتي تنوعت بين الخارجية والمياه والطاقة والتموين والصناعة، وسعت خبراته وعززتها ولونتها ولذا جاء الى العقبة وقد تعلم من الصناعة ما يمكنه من ان يقول ويفعل، ومن المياه ومن الطاقة وحتى من الخارجية، وهو يدرك ان الفكرة الملكية في العقبة تريد حاضنة وروافع وفهما بعيدا عن التصنع والاستبدال والذهاب بعيدا في اجندات متصادمة.
اراد بقدومه ان يمسح سوء الفهم عن الفكرة الملكية المتعلقة بالعقبة وان يعيد تأصيلها وشفافيتها كما هي في الاساس، والتي تقوم على مزيد من استقطاب الاستثمار العربي والاجنبي وتعزيزه وحمايته، وتوفير المزيد من فرص العمل للاردنيين والارتقاء بالمجتمع المحلي وتطبيق القانون وعدم السماح بالتعديات..
ادرك وهو يضع الرحال في العقبة ويصر على ملازمة المكان حتى في ايام العطل لانه يدرك ان الذي يحضر مولد معزايته “عنزه” بجيب توم .. ولذا فانك تجد الدكتور هاني الملقي في العقبة باستمرار وفي الميدان فيما اغلب الوقت ما لم يكن قد استدعي الى عمان للاجتماع او لامر هام..
كان قد وجد ان التشريعات التي وضعت لتخدم العقبة يجري انتهاكها وان هناك بعض الحكومات من تواطأ على الفكرة الاساسية التي صنعت العقبة منطقة اقتصادية وحاول تشويهها او اعادة الحال الى ما كانت عليه من تبعية العاصمة بعد ان تكون العقبة قد فقدت سماتها وخصوصتها والغت كل خطوة اتخذت في سبيل بناء المنطقة الاقتصادية فيها…
حين وصل العقبة واجهته موجة من التحريض حين وجدت شريحة ان مصالحها ستتضرر بقدومه لانه لا يقبل الخطأ ولا يتجاوز عنه او يسكت عليه وخاصة التحديات في الشارع ومخالفات الابنية واستعمال الارصفة وتشويه الامكنة والتنظيم واراد ان يبدأ في تنظيف العقبة من هذه المخالفات وان يعيد انتاجها لتكون ترجمة للرؤية الملكية وليس موقعاً للتجريب خارج هذه الرؤية، وكان في سبيل ذلك قد واجه عنتاً وارهاقا وسوء نوايا. فقد وصل العقبة ليجد ان التصورات التي وضعت في الاصل للمنطقة الاقتصادية الخاصة قد محيت او شوهت وان التنظيم الاداري قد اختل وان موقع رئيس السلطة لم يعد هو ذلك الموقع الذي كان عليه من قوة ونفوذ.
وحين رأى ان الصيغة المشوهة تذهب الى التفاصيل الصغيرة والى مركزية القرار قال في ايامه الاولى التي التقيته فيها: انا لم احضر هنا لأكون بديلاً لرئيس البلدية او اي هيئة اخرى وان آخذ عملها، جئت من أجل ان أمكن كل الاطراف ان تعمل بجد واجتهاد وقدرة على تحقيق الاهداف ..
كانت الاشهر الثلاثة الاولى صعبة ..مملوءة بالتحريض على قدومه وفكرة مجيئة .. ثم على اجراءاته التي اصطدمت مع اصحاب اجندات خاصة وحين بدأ العمل بشكل جاد وأحيانا مندفع لازالة التشوهات والندوب من وجهة العقبة وشوارعها كان محافظ العقبة صديقه فواز ارشيدات الى جانبه وبقي كذلك منذ ذلك الوقت، فالملقي يعرف كيف يكسب الاصدقاء ويعرف كيف لا يخسرهم.
ظل هاجس الاستثمار يشغله اسلوبا ومعطيات ونتائج وظل يضع عينه على ذلك رغم تبدل الظروف والمعطيات والظروف الموضوعية في الاقليم .كما ظل الملقي يرى ان الاستثمارات واستقطابها وتوظيفها تحتاج الى بنية تشريعية متماسكة وواعية ولانفاذها مصداقية، وقد عمل على ذلك متعاونا مع المركز”الحكومة” ومع مجلس النواب الذي تمكن من التعرف على عمل الملقي عن قرب وبما قدمه الدكتور هاني لمجلس النواب وللجان محددة فيه من تصورات ومشروع ورؤيا ساعدت كلها على حل الكثير من الازمات وخاصة تلك التي كانت قبل مجيئه وعند مجيئه تعصف بالعقبة على شكل اضرابات واحتجاجات ومخالفات.
اليوم يضع الملقي قدميه على بداية مرحلة جديدة باركها الملك بزيارة للمنطقة الاقتصادية الخاصة وطرحه لمجموعة من الاسئلة عنها وقد وجد ان الاسئلة تجد لها اجابات في مزيد من العمل.
كنت قد طرحت على رئيس مجلس المفوضين مجموعة من الاسئلة والمقترحات المتعلقة بتمدين المكان وتعميق روح المبادرة والتفاعل والحاجة الى صيغة ثقافية وفنية والى جرعة افضل لانعاش السياحة وتنويع مدخلاتها ومكوناتها.. كانت استجابته قد سبقت اسئلتي في بعضها ورأيت حرصه على ذلك لكنه يحتاج لمن يساعد ويدرك ان مسؤوليته الاجتماعية في هذا المجال تتعاظم وانه لا بد من رعاية افضل لشباب العقبة وشاباتها والاستمرار سيثمر في الانسان الاردني في العقبة التي تبدلت كثيرا واستفاد مواطنوهنا كثيرا من المتغيرات التي اصابت العقبة منذ اكثر من عقد من الزمان.
الامور في العقبة الآن هادئة وهي تدخل مرحلة جديدة يجري تصميم حالة الاقلااع فيها فما هو قائم لا يكفي، والمطلوب التطلع للمستقبل وهناك بين يدي الملقي الآن كما عرفت خارطة عمل جديدة فيها آليات وتصورات وستدخل الى التنفيذ مع اطلالة عام 2016، حيث تستكمل عديد من المشاريع التي كانت بدأت لتنطلق اخرى وحيث يقدم جهد السنوات السابقة في اكثر من ثمرة كما في انجاز الميناء..
ولعل ذراع السلطة الاكثر قدرة على تنفيذ استراتيجيتها وهو شركة تطوير العقبة قد قدمت الكثير واثبتت ان روايتها كانت صائبة في ميناء الحاويات وغيره وفي ايجاد استثمارات سياحية وفي اعادة النظر في توزيع الاراضي او التعامل مع العمال او المضربين او المحتجين..
هاني الملقي كما عرفته قبل اكثر من عشرين سنة رجل دولة ادمن المواقع العامة واعطاها وما زال يعطيها بحيوية وهو يتطلع دائما الى ترجمة تجربته بشكل واضح وكبير لانه يدرك انه يدفع بخدمته ضريبة الانسان المخلص لوطنه ومليكه.. فهو يصمت احيانا حين يرى حقوقه ويدرك انه لا يبحث عن ثروة وانما عن عطاء، وترتفع وتائر عمله حين يرى واجباته ويعمل على تحقيقها..
الكتابة عن صديق مثله تحتاج الى موضوعية شديدة حتى لا تأخذني معرفتي به الى زيادة الفضل له حين لا يرغب هو نفسه في ان يقال عنه بما يرى انه مدح او اعلاء من قيمة ما اعطى.
الملقي يخجل من المدح والثناء ولكني اعتقد انه حان وقت انصافه في عمله وتميزه فيه وان يلهج بما انجز، لأن الله لا يسمع من ساكت، والسكوت مع الانجاز يستجلب الحسد، وربما رواية الاخير من الذي لا يحسنون الا الهدم.
كان الله في عونك يا هاني فما زالت الطريق طويلة وما زال يمكنك العطاء لانك ما زلت تؤمن بهذا الوطن وقائده وتضع ذلك بوصلة امامك..