يعتبر الخلاف السياسي بين حركة فتح، وحركة حماس، من أهم الإعاقات للقضية الفلسطينية الراهنة وتراجعها عن المشهد السياسي العربي والأجنبي، وهذا ما برز في الأشهر الماضية في الأمم المتحدة، وفي غيرها من المناسبات، واستغلال إسرائيل لهذا الظرف القائم،وكذلك الأوضاع العربية الراهنة، لتنفيذ مخططات التهويد في القدس وفي غيرها من الأراضي العربية المحتلة، ولا شك أن الخلافات الفلسطينية الداخلية ساهمت في هذا الوضع الخطير للحق الفلسطيني في المقام الأول، وباتت القضية الفلسطينية تتوارى عن المشهد العالمي في السنوات الأخيرة، وهو نتيجة من نتائج الخلافات بين الفرقاء الفلسطينيين، كما أن الصراعات العربية / العربية أيضا أسهمت في هذا الأمر ،وعززت من عدم الاهتمام بقضية العرب الأولى ، بشكل أو بآخر، لأن القضية الفلسطينية قضية عربية بالأساس ، وليست قضية فلسطينية خالصة، والحقيقة أن الوضع العربي الراهن، والخلافات الفلسطينية/ الفلسطينية، جعلت الكيان الإسرائيلي، يخطط لإعادة الأوضاع في الضفة الغربية والقدس، على ما كانت عليه بعد حرب 1967، وهو ما تفكر فيه الأحزاب اليمينية الإسرائيلية المتطرفة في الفترة الراهنة، ومنها الحزب الحاكم (الليكود)..والإشكالية أن أسباب الخلافات بين فتح وحماس تتمحور في قضايا عدة:
أولاً: أن بروز حماس كحركة فلسطينية جديدة، على القضية الفلسطينية، أثرت شعبيا على حركة فتح، وهى التي قادت النضال الفلسطيني منذ منتصف الستينيات كأول حركة منظمة معترف بها من كل الدول العربية، وان كانت قيادات في حركة فتح كانت تنتمي فكريا للمشروع الحمساوي، قبل ولادته فعليا، لكن المتغيرات السياسية، وهزيمة 1967، جعلت المشاريع الأخرى المختلفة مع الفكر القومي العربي، تظهر على الساحة السياسية الفلسطينية، كقوى سياسية لها فكرها المختلف اليساري والإسلامي، كالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وما تفرعت عنها من منظمات أخرى، طلعت من رحم هذه المنظمة، تتبنى نفس الفكر الماركسي، وجاء ظهورها، بعد هزيمة 67، على أثر هزيمة المشروع القومي الناصري كما يقول البعض، وقد أخفوا فكرهم الماركسي، تحت مسمى القوميين العرب، ثم ظهرت بعد ذلك حركة حماس التي كانت تنظيما تابعا لحركة الإخوان المسلمين في الأردن،وأن لها المساحة السياسية المختلة وفق الظرف القائم بفلسطين، ،فظهور هذه الحركات جاءت بعد تراجع الحركة الفلسطينية الأم (فتح)، وهذا جاء للحق لأسباب كثيرة ليس مجال مناقشتها في هذه المقالة، وربما أن الظروف التي كانت في ذلك الوقت لم تساعدها على النجاح المأمول في مشروعها التحرري منذ انطلاقتها، ودخولها مع بعض الحركات اليسارية في صراعات مع بعض الأنظمة العربية، وهذا أسهم في التراجع والانقسام في الصف الفلسطيني، وانحياز بعض هذه المنظمات الفلسطينية لبعض الأنظمة العربية، على حساب القضية الفلسطينية المركزية .ثانيا: إن الخلاف السياسي حول كيفية التحرير والنظرة إليه، بين هذه المنظمات، جعلهم يتباعدون عن التعاون والتنسيق فيما بينهم،وهذا ما جعلهم عرضة للصراعات والاقتتال، والانقسام التام حول الحلول المقبولة لمواجهة الاحتلال، وهو ما جعلهم يدخلون في صراعات مع بعضهم البعض في لبنان في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وهذا ما ألحق بالقضية الفلسطينية أضرارا كبيرة على المستوى الوطني والعربي والدولي. وقد استفادت منه إسرائيل أيما استفادة في توجيه رسائل للعالم، بأكاذيب كثيرة للنيل من أصحاب القضية العادلة، والحقوق المسلوبة، ولاشك أن هذه الخلافات لا تزال متجذرة وعالقة إلى الآن، وهذا سبب لقيام إسرائيل بعمل اغتيالات كثيرة لقيادات بارزة في حركة فتح وفي المنظمات الأخرى منذ السبعينيات وحتى الآن، بهدف إضعاف الحركات، وبث أسباب الخلاف بينهم. وكان الأولى للمنظمات الفلسطينية جميعا أن تتحد في الهدف الأسمى، وهو تحرير الأرض المحتلة بكل الوسائل المتاحة وأن تتفق على المشروع الأول للتحرير، مع احترام التعدد والتنوع فكريا،لأن الأساس الذي لا خلاف عليه، هو إزالة هذا الاحتلال، وإرجاع الحق السليب.
ثالثا: أن بعض المصالح الفئوية، والحزبية، طغت على المصلحة العامة، وأصبحت مصلحة هذه المنظمة وتلك ،أهم من مصلحة فلسطين، وهو ما جعل بعض القيادات في هذه الحركات، تقيم الدنيا وتقعدها من أجل مكانة ومصلحة هذه الحركة وتلك، وهذا للأسف قمة الأنانية والتردي الفكري الذي يجلب الفشل والإخفاق وقد حصل، وهو بدوره تستغله إسرائيل في إثارة الشقاق بوسائلها المختلفة!.وكلنا يعرف ما جرى بعد الانتخابات الفلسطينية في العقد المنصرم، والخلاف الذي جلب الاقتتال، والصراعات بين فتح وحماس، وكان الأولى أن تقبل النتائج، وتتاح لحماس أن تدير العمل السياسي، وليس سهلا لحركة حماس أن تدير الضفة الغربية وغزة، في ظل هيمنة الاحتلال، ولن تحقق الكثير من المكاسب،لكن إلغاء نتائج الانتخابات، وحدوث الانقسام، يأتي بنتائج عكسية على القضية برمتها، فالتفاهم والحوار، أهم من الاختلاف والانقسام، لو قدمت بعض القيادات المصلحة الفلسطينية العليا لكان الأمر أفضل حالا مما يجري الآن.
ولذلك فإن تقديم المصلحة الفلسطينية، يجب أن يبرز ويهيمن على كل المصالح الخاصة، الفئوية،أو الحزبية، كما أنه يجب على القيادة الفلسطينية، أن تدرك أن الوعود والتطمينات الغربية بقيام دولة فلسطينية، أثبتت الآن أنه مجرد سراب يحسبه الظمآن ماءً، بعد التخلي الكامل عن جدية إقامة دولة فلسطينية، حتى على أراضي الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية، فالمراهنة على الحل العادل في ظل الانقسام الفلسطيني مسألة غير واردة للقوى الفلسطينية المنقسمة على نفسها. والآن مضى على اتفاق أوسلو ما يقرب 22 عاما، دون أن يحصل أدنى تقدم في الحكم الذاتي الفلسطيني، الذي بقى كما هو ، في ظل مخططات التهويد، وبناء المستوطنات، والقمع والقتل وغيرها من الممارسات الإسرائيلية.والحل الأهم والأصلح والأجدر للقضية الفلسطينية عموما، هو أن تتحقق المصالحة الفلسطينية الكاملة، وأن تتوحد الصفوف، سواء في إدارة السلطة والأعمال الإدارية في الضفة وغزة، أو مجال توحيد المواقف تجاه الاحتلال سياسيا، والموقف الفلسطيني الموحد في الظرف الراهن، هو الذي سيعطي القضية وأهلها القوة المعنية، واحترام العالم لموقف ثابت تجاه الحقوق السليبة.