المسؤولية .. بين المصلحة الوطنية والمنفعة الشخصية سعود الحارثي

المسؤولية أمانة عظيمة، عبء ثقيل على النفس، تتطلب تجردا وكفاءة وإخلاصا والتزاما وانحيازا إلى المصلحة الوطنية، ووقاية وحذرا وبعدا عن الشبهات في إعداد الخطط وإقرار السياسات واتخاذ القرارات وفي تنفيذها وتقييمها ومراقبة آثارها ونتائجها على أمن الوطن واستقراره أولا، ومصالح الناس ومنافعهم ثانيا، وتحتاج إلى عمل مضنٍ للوفاء بالتزاماتها وضمان تحقيقها لأهدافها وغاياتها الوطنية، إشرافا متواصلا ومراجعة أمينة وتقييما دقيقا وتطويرا مستمرا ومتابعة لا تعرف الوهن والكسل ليبلغ المسؤول بما كلف به من مسؤولية مرحلة مطمئنة إلى أن الأداء والإنتاج والجودة حققت الدرجة المقبولة ـ على أقل تقدير ـ من الرضا وأصابت الأهداف الموضوعة، وأظهرت أن الاختصاصات والمهام والأعمال والمشاريع تنفذ وتسير وفقا للقوانين واللوائح المنظمة.

ومن استسهل المسؤولية وسعى إليها وخطب ودها ورغب فيها، وشغف بها وحرص على تقلدها تحقيقا لرغبة وهوى وتعلقا وقرت في النفس، ونشبت أظفارها بشغاف القلب وابتغاء لوجاهة وجريا وراء المظاهر وغاية وطمعا بمصالح شخصية ربطها بالمنصب، وقارن بينه وبين غيره ممن جعلوا منه جسرا وعبورا لتحقيق المنافع والمكاسب والرفعة والغنى والحصول على الحقوق والامتيازات، ونظر إليها ـ أي المسؤولية ـ نظرة تكريم وتقدير لشخصه على سنوات عمل قضاها واستحقاقا ووفاء لجهد وإخلاص اعتقده متكئا على تقييمه الشخصي ورؤيته الضيقة المحدودة، فقد ظلمها حقها وألحق الإساءة بنفسه وكان تقديره ناقصا قاصرا وتفكيره ضحلا وبصيرته أصابها الغبش، وغفل أو تغافل عن الحساب ـ وإن طال أمده ـ والذي ينتظره متى ما قصر في حق مسؤولياته وأخل بواجباتها، ونسي أو تناسى بأن العمر قصير والعصر في حالة تقلب وتبدل وتغير، وقوانين الزمن محتومة بأقدار، وأيام الإنسان في الحياة معدودة وأمامه احتمالات لا فكاك له منها أو من واحدة منها، والأخيرة هي قدر الأحياء ولا مناص ولا منجاة لإنسان من بلوغها وإن تأخرت عليه النهاية، مرض وشيب وفراق أحبة وموت، يصحبها ندم وألم وأوجاع وحزن على ماضٍ قصر فيه وأخطأ، أحل حراما وحرم حلالا، تطاول على قيم وقوانين وأنظمة وألحق ظلما ببشر، أو راحة وبهجة وسعادة وشعورا ينساب بالطمأنينة والرضا إن كان الأداء ثمره طيب والعمل صالحا محققا لغاياته والنية صادقة والتصرف والقرارات والسياسات نفذت وطبقت وفقا للقوانين والأنظمة والمصالح والأموال الشخصية لم تختلط بالعام ..

فعلى كل مسؤول تقلد إدارة مؤسسة من المؤسسات، أو ترأس قسما من الأقسام، أو أشرف على عمل أو لجنة من اللجان، وتولى أمانة من الأمانات، أن يعي ويدرك ويعلم بأن الإدارة فن عليه أن يتقنه، والعمل المؤسسي قائم على أنظمة ولوائح ومراحل وخطوات وإجراءات إدارية، وعلى حوارات ومشاورات ومساهمات عليه أن يشرك فيها كل مختص ومرتبط بالعمل، ابتغاء للمصلحة العامة وتحقيقا لأهداف التطوير والتجويد في العمل وتيسيرا للإجراءات والارتقاء بالأداء ومعالجة المشكلات ورفع درجات الرضا الوظيفي، وعليه واجب الالتزام بها ومراعاتها والمحافظة عليها في قراراته وفي أدائه لمسؤولياته وفي ممارسة مهامه وفي قيامه بكل ما من شأنه تحقيق تلك الأهداف والغايات السامية التي ترسمها البرامج والخطط للنهوض بالعمل والوفاء بمتطلبات المسؤولية ..

نعم على كل مسؤول ومشرف ومتقلد لمنصب وظيفي أن يعي بأن المؤسسة أو الإدارة أو القسم ليست ملكا خاصا وليست تبعا أو أداة في يده أي ـ المسؤول ـ يتحكم فيها كيفما شاء وأراد، فليس من حقه أن يتخذ قرارات فردية يبتغي من خلالها تحقيق مصالحه وخدمة أهدافه الشخصية وتعميق ارتباطاته وعلاقاته وتلبية متطلبات وضغوط خاصته ومن يعملون على خدمته ويحرصون على إرضاءه وإدخال البهجة والسعادة إلى قلبه… من المتزلفين والمتملقين ومن في حكمهم. إن خدمة الوطن وتحقيق مصالح المجتمع وتوظيف المقدرات والإمكانات للارتقاء بالأداء وتنفيذ المهام والاختصاصات على أكمل وجه هي ما على المسؤول أن يسعى لتحقيقه، موظفا جهده ووقته وخبرته وكفاءته لخدمة مسؤولياته .. نعم، في مؤسساتنا من المسؤولين من يعمل وفق وسائل وأدوات وطرق وممارسات خارجة عن نطاق الأنظمة واللوائح، بغية تحقيق أجندات ومصالح شخصية، وبعيدا عن سمع وبصر المختصين والمعنيين والمرتبطين بذلك العمل كي لا يعيقونه عن مسعاه ومبتغاه ومن أجل أن لا يضعوا العقبات أمام تحقيق مصالحه وأهدافه، نعم، في مؤسساتنا من يشخصن الأمور ويسعى إلى تصفية الخلافات في تقييمه وفي مراجعاته وحكمه وقراراته التي يتخذها ويجريها ويؤديها ويقوم بها، ومنهم من يخضع المؤسسة بما فيها ومن فيها لإرادته، يحدث التغييرات ويصدر القرارات ويجري التنقلات بين الموظفين وفقا لأهوائه ومصالحه ونزواته ..

وهو ما يؤكد ويدعو بشكل ملح إلى أهمية توفير وتحقيق بيئة عمل مؤسسي تقوم على: تحقيق العدالة والمصلحة الوطنية في تبوؤ الوظائف القيادية من خلال إيجاد آليات وضمانات تصبح فيها الفرص متكافئة والتنافس الشريف في تقلد المناصب وتولي المسؤوليات متاحا وفق أسس تعتمد الكفاءة والتميز والخبرة والسلوك المتوازن والشخصية الجادة في عملية الاختيار، ومن الأهمية كذلك أن يكون العمل وما يرتبط به من مناقشات ومراجعة وتقييم واتخاذ قرارات وتطوير وحقوق وامتيازات قائم على أسس إدارية سليمة ووفق قاعدة تأخذ في الاعتبار العمل المؤسسي المحقق للمصلحة العامة والتقيد بالنصوص القانونية والإجراءات والمعايير الدقيقة والموضوعية في مختلف القرارات المتخذة، ومما لا شك فيه أن إلزام جميع المسؤولين على مختلف درجاتهم وتخصصاتهم ومهامهم الوظيفية بتبعات المنصب وضبط جميع قراراتهم وأعمالهم وإنجازاتهم وتقييدها بالنص القانوني، وتعزيز دور واختصاصات المؤسسات الرقابية والمحاسبة وإصلاح الهيكل التنظيمي لمؤسسات الدولة … من الأسس الضامنة لرفع الأداء وتحقيق الرضا وضبط المال العام وترشيد الإنفاق وتعظيم الموارد وتفعيل الاختصاصات وتحقيق التطور والتقدم.

شاهد أيضاً

إلى سيدنا…. اليوبيل الفضي* بقلم لين عطيات

عروبة الإخباري – لا يمكن للكلمات أن تُغنى  فهناك من يسّل سيفه حين نُغني … …