لم تفاجئ مواقف إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما من التدخُّل الروسي العسكري المباشر في سوريا الشعوب العربية والمسلمة في الشرق الأوسط، يقول المتابعون الأميركيون الجدّيون أنفسهم. ذلك أنها عرفت منذ “الربيع العربي” السوري أنه لم يضع استراتيجيا لمواجهة نتائجه وأبرزها الحرب المذهبية والإرهاب التكفيري. وعرفَت أيضاً أنه لن يخرق تعهُّده للشعب الأميركي عدم إرسال قوات برية إلى الشرق الأوسط إلا إذا فرضت عليه ذلك المصالح الحيوية والاستراتيجية لبلاده. ويبدو في رأيها أن سوريا ليست من ضمنها بدليل تردّده في استعمال القوة لإنهاء حربها، وإن ألحق ذلك بحلفائه الاستراتيجيين في المنطقة أضراراً كبيرة. ولم تُفاجئ الشعوب نفسها المواقف الأميركية المندِّدة بـ”تخاذله” السوري وتوجُّهه نحو إيران من أجل التوصُّل إلى اتفاق نووي يؤسِّس لتعاون جدي لمواجهة الإرهاب. لكن الذي سيكون مفاجئاً لهذه الشعوب معرفتها بجهات أميركية بعضها عسكري تلوم الرئيس أوباما لعدم مسارعته إلى دعم التدخُّل العسكري المباشر لروسيا في سوريا.
من هي هذه الجهات؟
هي أكثر من واحدة، يجيب عاملون في مركز أبحاث عربي جدِّي. إلاّ أن أبرزها يبقى الرئيس السابق لوكالة الإستخبارات التابعة لوزارة الدفاع الأميركية الليوتنانت جنرال مايكل فْلِنّ (Michael Flynn) الذي أُزيح من منصبه السنة الماضية بعدما عبَّر بصوتٍ عالٍ مع مجموعة من الضباط عن “قرفهم” من عدم امتلاك إدارة أوباما استراتيجيا متماسكة لإلحاق الهزيمة بـ”داعش” في سوريا والعراق. كما عبّروا علانية عن دعمهم التدخُّل العسكري الروسي في سوريا، وطالبوا بشراكة أميركية – روسية للنجاح في القضاء على التنظيم المذكور، وإن أدى ذلك إلى إرجاء إزاحة الرئيس بشار الأسد عن السلطة. ولا تزال لهؤلاء علاقة متينة بزملائهم المستمرّين في الخدمة. ومما قاله فلِنّ: “ليس هناك تماسك ولا وضوح في استراتيجيتنا. وأنا كنت صلباً في إثارة هذا الأمر”. وأضاف: “لا تستطيع أُمّتان كبيرتان مثل روسيا وأميركا أن تغوصا في وضع معقَّد كالحالي، وأن تصطدما ببعضهما في أعماقه لأن نتائج ذلك ستكون مختلفة عن المطلوب. أعتقد أن عليهما أن يعملا معاً على هذا الموضوع، وأن هناك ضرورة لإقامة تحالف دولي لإنجاز المهمة”. وتابع: “يجب أن نفهم كأميركيين أن لروسيا أيضاً سياسة خارجية واستراتيجيا أمن قومي. وأعتقد أننا فشلنا بسبب عدم فهمنا ذلك. فهناك خطوط حمراء روسية تمّ تجاوزها”. طبعاً اعترف فلِنّ بأن التدخُّل الروسي “عقَّد الوضع داخل سوريا”، وأشار إلى “عدم وجود أجوبة سهلة عن وضعها وتطوراته”، معتبراً “أننا نقترب من صراع كبير، وذلك يقلِّص الخيارات أمامنا ويزيد الأخطار (Risks)، كما يزيد كلفة حلّ هذه المعضلة (السورية). وسبب ذلك عدم قيامنا بأي شيء”.
من هم العسكريون الأميركيون الآخرون الذين شاركوا الجنرال فلِنّ مواقفه الانتقادية؟
يعطي المتابعون والباحثون أنفسهم اسمين من أسماء كثيرة، الأول الكولونيل لورنس ولكنسون الذي عمل قبل سنوات مساعداً لرئيس الاركان الجنرال كولن باول. وقد قال لفضائية “روسيا اليوم” في التاسع من الجاري إنه “رحّب بالمساعدة الروسية لإلحاق الهزيمة بـ”الدولة الإسلامية” وعلى موسكو وواشنطن وأنقرة وطهران تنسيق جهودها للقضاء عليها باعتبار ذلك أولوية أولى”. أما الاسم الثاني فخدمت صاحبته سابقاً عسكرياً في العراق وأفغانستان، ثم أصبحت عضواً في مجلس النواب وهي تولسي غبّارد (Tulsi Gabbard). وقد قالت لـلـ”سي. إن. إن” على الرئيس أوباما العمل مع الرئيس بوتين مثلما عمل الرئيس فرنكلين روزفلت مع “الجزار” جوزف ستالين لهزيمة هتلر في الحرب العالمية الثانية”. وانتقدت “بوش الابن وأوباما لانشغالهما بسياسة “تغيير النظام” و”بناء الدولة” وتالياً لإسقاطهما أولوية القضاء على “القاعدة” سابقاً وعلى “داعش” حالياً”.
ما هو المشترك بين المواقف الأميركية الداعية إلى تعاون أميركا وروسيا ضد “داعش” والأخرى المشيدة بـ”حكمة” أوباما لابتعاده عن التدخُّل المباشر في سوريا؟
“هو “الفراغ” الذي أحدثه فشل السياسة الخارجية الأميركية”. يجيب العاملون أنفسهم في مركز أبحاث عربي، “والذي سمح لـ”الجهاديين” بالحصول على سلطة كبيرة جداً. كما الذي دفع روسيا إلى تحدِّي أميركا في منطقة نفوذ أساسية لها هي الشرق الأوسط”.