قمت الأسبوع الماضي بزيارة عمل لتونس، قابلت خلالها العديد من المسؤولين الحكوميين والحزبيين، وفعاليات من المجتمع المدني، وناشطين شباب. اجتمعت برئيس الوزراء، ووزراء المالية والداخلية والتربية، إضافة إلى الشيخ راشد الغنوشي زعيم حزب حركة النهضة، والسيد حمة الهمامي أمين عام حزب الجبهة الشعبية، والسيد حمادي الجبالي رئيس الوزراء السابق، وغيرهم الكثير.
بغض النظر عن الاتجاهات المختلفة للقوى السياسية التي قابلتها من موالاة ومعارضة، فإن هناك إجماعا، بل وفخرا بالإنجاز الديمقراطي الذي تحقق من خلال عملية انتقال ديمقراطية توافقية، أدت إلى دستور جديد شكل عقداً اجتماعياً جديداً بين الدولة ومكونات المجتمع كافة، وفي علاقة هذه المكونات مع بعضها بعضا. وها هو المجتمع المدني في تونس يحصد جائزة نوبل للسلام اليوم، اعترافاً بجهوده في الخروج بدستور توافقي حداثي.
التحديات الحالية في تونس عديدة. الجيل الجديد يشعر أن الدستور لا يجري تطبيقه دائماً بدقة، وأن بعض الممارسات الحكومية، وخاصة في مجال الحريات العامة، لا تلتزم بنص وروح الدستور. والكل يجمع، من موالاة ومعارضة ومن الأجيال كافة، على أن التحدي الأكبر اليوم اقتصادي وأمني. وقد أدى النشاط الإرهابي القادم في معظمه من ليبيا، إلى تباطؤ اقتصادي خانق.
انتهت الحكومة التونسية من وضع وثيقة توجيهية اقتصادية وأمنية، تعكف على اتباعها بخطة تفصيلية للأعوام 2016-2020، تحظى بموافقة الأحزاب الأربعة المشاركة في الحكومة، بما فيها “نداء تونس” و”النهضة”. وهي تنوي تقديمها للبرلمان ليشكل إقرارها التزاماً من الحكومات المتعاقبة بتنفيذ خطة. ويُجمع التونسيون على أن الحاجة ملحة لتوافق اقتصادي شبيه بما تمكنوا من تحقيقه على المستوى السياسي، للخروج من الأزمة الحالية.
ذكّرني الجهد التونسي بمثيله الأردني، مع فارق أن “الأجندة الوطنية” كانت أكثر شمولية وتشاركية وقابلة للقياس، وأنها أُنجزت قبل عشر سنوات. وكان يمكن لنا أن نحقق الكثير خلال عقد، بدل إلقاء التهم وتخوين الجهد وإضاعة الفرص.
اليوم، نشرع ببداية جديدة مع قانون انتخاب واعد، ليس فقط من ناحية التأسيس لانفتاح سياسي سبقتنا إليه تونس، وقطعت فيه شوطاً كبيراً، ولكنه واعد أيضاً من حيث رسالة الأمل الذي يبعثها؛ بأن هناك إرادة لكسر احتكار القوى المحافظة للسلطة. وها هي القوى نفسها تواصل الهجوم اليوم على أي محاولة إصلاحية ولو متواضعة، فتعظم سلبيات القانون الجديد، وتنعته بنعوت ما تجرأت عليها عندما مرر قانون الدوائر الوهمية؛ ذاك هو القانون الذي لم يعرف من أين أتى! وها هو جلالة الملك يعبر عن عدم رضاه من محاولات إبطاء المسيرة الإصلاحية مرة أخرى من قبل هذه القوى، وتحت ذرائع عدة.
يضم الجيل الجديد صوته لصوت جلالة الملك، ليقول لسان حاله: كفاكم تسويفاً وإبطاء وعرقلة وتحججاً وتخويناً. هناك جيل يتطلع لأن يواصل جلالة الملك قيادة العملية الإصلاحية ضد التمترس والمتمترسين، وهو جيل لا أخاله يستمع لأصداء الأمس، بل لوعد المستقبل الحداثي المستقر والمزدهر.
مروان المعشر/بين الأردن وتونس
13
المقالة السابقة