ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب في الأردن، لم يعد -لشدة وضوحه- أمراً يحتاج إلى دراسات تؤكده. فالمدى الكبير للمشكلة وانعكاساتها، واضحان تماماً، يمكن للجميع رصدهما.
ومن هذه الانعكاسات والنتائج معدلات الجريمة بين الشباب، نتيجة شيوع العنف بينهم كثقافة للتعامل. أما أخطر النتائج، فهو نجاح التنظيمات الإرهابية في استقطاب شبابنا الذي يعاني من غياب الأمل والأفق، فلا يكاد كثير منهم يجد بصيص ضوء في آخر الطريق الكئيبة هذه.
بطالة الشباب ربما تكون مؤشرا مبكراً على فشل المخططين في اغتنام الفرصة السكانية، والتي إن مرت السنوات دون استثمارها، فإنها ستتحول إلى نقيضها؛ أي نقمة سكانية، بعد أن يشيخ المجتمع. فإنتاجية الاقتصاد منخفضة حالياً، رغم كون المجتمع شابا، إذ إن 60 % من السكان تتراوح أعمارهم بين 15– 64 عاما؛ فكيف ستكون أرقام الإنتاجية بعد سنوات؟!
الدراسة التي أجراها فريق الأمم المتحدة القُطري في الأردن مؤخراً، وشملت نحو 45 ألف مواطن، حددت لنا أولويات الأردنيين. إذ تبدو هذه النتائج منطقية، وتعكس الواقع الصعب والتحديات التي يعيشها المجتمع كل يوم.
فأبرز تطلعات العينة كان ضرورة توفير فرص عمل أفضل. يليها توفير تعليم أكثر جودة، ثم “نزاهة الحكومة”، وتوفير رعاية صحية أفضل.
مواجهة التحدي، وسحب فتيل القنبلة السكانية، ولاسيما بطالة الشباب، تحتاج عقلية مختلفة تدير العملية. فحتى إن سلمنا بالأرقام الرسمية، يظل صحيحاً أيضا أن عشرات آلاف فرص العمل التي تقول الحكومة إنها خلقتها لم تنعكس على واقع الشباب؛ إذ ما يزال الفراغ يفتك بشريحة واسعة منهم، وليكون المجهول هو مصيرهم.
بالعودة إلى التقرير القُطري، فإن نتائجه تنسجم أيضاً مع دراسات رسمية محلية. إذ بين التقرير أن الشباب “يعاني من نسبة بطالة عالية حاليا، حيث تظهر البيانات الحديثة أنّ معدل البطالة بلغ 30.1 % بين الفئة من 20-24 عاما، وللخريجات 68 %”.
البطالة المتزايدة، متضافرة مع تواصل عجز السياسات الاقتصادية عن التخفيف من الآفة، يعظمان قلق الخريجين الشباب الذين يحاولون دخول سوق العمل من دون فائدة. الأمر الذي يخلق مشكلة أكبر، تتمثل في رغبة شبابنا في ترك البلد والهجرة. وقد بينت الدراسة الأممية أن نسبة من يرغبون في الهجرة إلى الخارج بشكل دائم تصل إلى 34 %.
صحيح أن الاغتراب ليس جديدا على المجتمع الأردني، ولطالما ساهم مواطنونا في بناء دول شقيقة. لكن الفارق الكبير بين الماضي والحاضر، يتمثل في أن الأردني كان يغترب في السابق كونه كفاءة بشرية مشهودا لها، إنما من دون ضغوط القنوط من أحواله في بلده، كما نرى حالياً.
فاليوم، ونتيجة غياب الخيارات المحلية، صار كل شاب أردني، لاسيما صاحب الكفاءة، مشروع مهاجر؛ يهرع بحثا عن فرصة عزت في بلده. وبهذا صار الخارج مصدر الأمل، وبالقدر نفسه سبباً لمغادرة الكفاءات، وبحيث يصبح السؤال الملحّ إزاء ذلك: من يبني الأردن في ظل استنزاف العقول والمهارات؟
للأسف، فإن الحكومات، ورغم حديثها الطويل والمزمن عن الشباب وهمومهم وضرورة تمكنيهم، ما تزال عاجزة عن اجتراح حلول، تعيد لشبابنا الأمل بالحاضر والمستقبل. مع التذكير ببدهية أن البطالة ليست قضية اقتصادية بحتة، وإنما هي قضية سياسية أمنية بامتياز.
بالأرقام، تقول الحكومة الحالية إنها خفضت أرقام البطالة، والتي تدور في فلك الـ12 %. لكنها لا تقنع الأردنيين بهذا المنجز؛ إذ ما يزال الشباب يحلمون بالهجرة بحثا عن مستقبلهم، والذي يبقى منقوصا خارج بلدهم.
بعد ثلاث سنوات من عمر حكومة د.عبدالله النسور، يحتاج ملف البطالة، ولاسيما إجراءات معالجته، إلى محاكمة شعبية عادلة تقوم على الحقائق، وبحيث تقنع الحكومة الشباب الباحث عن الوظائف، وليس أي طرف آخر، أنها مهدت لهم الطريق على الأقل، إن لم تكن قد أمنت لهم فعلاً فرص عمل لائقة.