انتهى الاجتماع الأول -عبر “الستلايت” بين العسكريين الروس والأميركيين للتباحث حول ما يسمى العمليات الآمنة فوق سورية، لتجنّب اصطدام القوتين العالميتين هناك- بنجاح، كما وصف ذلك مسؤولو “البنتاغون” (وزارة الدفاع الأميركية)، مع الترتيب لعقد اجتماعات أخرى!
هذا الاجتماع يكشف حجم التراخي الأميركي إزاء التدخل العسكري الروسي، إن لم نقل “التواطؤ” السافر هناك. وهو الموقف الرسمي الذي وصفته افتتاحية صحيفة “واشنطن بوست”، أمس، بأنه بمثابة “ضوء أخضر” أميركي للرئيس فلاديمير بوتين للإمعان في مشروعه الرامي إلى دعم بشار الأسد، وضرب فصائل المعارضة المختلفة.
بالضرورة، الروس غيّروا “قواعد اللعبة” في سورية، وربما في المنطقة عموماً، واستثمروا غياب أي استراتيجية ناجعة لدى الرئيس الأميركي باراك أوباما لإيجاد حلول سياسية أو حتى عسكرية وفرضها في سورية. لكن من قال إنّ الروس يستطيعون بالفعل حسم الصراع، أو فرض الحل السياسي بعد تعديل ميزان القوى على الأرض؟ ذلك وهم كبير. فهم كسبوا عداء نسبة كبيرة من الشعب السوري في الداخل، وعزّزوا من دعاية تنظيم “داعش” وأجندته الإعلامية والسياسية، عبر التأكيد أنّ هناك مؤامرة دولية-إقليمية-محلية ضد الشعب السوري!
المفارقة أنّ التدخل الروسي لمكافحة الإرهاب، بينما هو يشعل فتيل الغضب والاحتقان والإحباط لدى آلاف الشباب المسلم اليوم. وهي مشاعر نفسية كفيلة بتخليق الحاضنة النفسية لجرثومة فيروس التطرف = التجنيد لتنظيم “داعش“!
ليس ذلك فحسب. فإذا تجاوزنا التهوّر في تصريح الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، وعلى هامش الحديث عن تداعيات التدخل الروسي والتراجع الأميركي-العربي؛ فإنّ التقارير التي تشير إلى توقف الدعم العربي والغربي للجبهة الجنوبية في سورية، وبروز الصراع بين أجنحتها بعد أن تمّ إفشال عاصفة الجنوب إقليمياً، مثل هذه التقارير تعزّز بدورها محاولات “داعش” وفرصه لاختراق الجبهة الجنوبية، بما يؤثّر جوهرياً على الأمن الوطني الأردني!
وربما السؤال المهم على هذا الصعيد هو: لماذا نخسر هذه الميزة الأردنية المهمة والرئيسة التي تتمثّل في وجود حليف عسكري قوي مسنود بحاضنة اجتماعية في الجنوب، يوفر شبه منطقة آمنة هناك، تجعل الأردن على مسافة آمنة من تداعيات الصراع السوري؟! ولماذا نرسل ببرقيات متعجّلة في قراءة نتائج التدخل العسكري الروسي، ونفشل في الحفاظ على إنجاز عسكري وأمني وسياسي مهم حقّقناه خلال الأعوام الماضية، وبما يتعارض بصراحة مع “الحكمة الأردنية” الكبيرة في التعامل مع الملف السوري حتى الآن؟!
ما قد يؤجّج الصراع في المنطقة ويشعل عود الثقاب ليلقيه على براميل البارود التي تملأ شوارع الشرق الأوسط اليوم، ليس التدخل العسكري الروسي لخدمة الأسد، ولا رعونة الإدارة الأميركية في تعاملها مع ملفات المنطقة ورهانها على التورط الروسي، وإنما هو شخص آخر كان يجلس على كرسي ينظر إلى الدول العربية التي تنهار حوله مبتسماً؛ إنّه بنيامين نتنياهو الذي يصرّ اليوم على إشعال المنطقة بأسرها عبر ما يقوم به جيشه والمستوطنون من أعمال بربرية متوحشة بحق الفلسطينيين في القدس، وفي مناطق الاشتباك في الضفة الغربية. وهو الذي يعطي الضوء الأخضر لانفجار الاحتقانات وصعود الراديكالية في المنطقة!
عندما ينظر الشباب العربي اليوم إلى الرقعة المتسعة للمعمورة العربية والإسلامية، فيرون مشهد قتل الفتيات الفلسطينيات والأطفال هناك بدمٍ بارد على يد الجيش والمستوطنين، ويرون بأمّ عينهم اقتحامات المسجد الأقصى، والإهانة لكل من يعتقل، وعجز السلطة الفلسطينية التي يكبّلها التنسيق الأمني تماماً ويمثّل لها سبب البقاء؛ وفي ظل التفكك العربي وفشل الحل السلمي، بالتزامن مع الاستبداد واستخدام الأسلحة المختلفة لقمع الشعوب وحركتها السلمية، عند ذلك لن يكون الجواب إلا ذهاب هؤلاء الشباب إلى أحضان “داعش” وأخواته!