رحيل مؤلف «مدرسة المشاغبين»

ali-salm5

عروبة الإخباري – رحل الكاتب المسرحي (علي سالم 1936 ــ 2015)، الذي أثارت أعماله ومواقفه السياسية جدلاً لم ولن ينتهي حتى بعد وفاته، يراه البعض شجاعاً عندما أعلن صراحة موافقته التامة على التطبيع مع إسرائيل، ثم ذهب بمفرده وبإرادته الحرّة إلى هناك بالسيارة، وقد طبّق عملياً ما كان يُنادي به. ومن زاوية أخرى يضعه البعض في زمرة الأعداء، حتى أن جدلاً كبيراً قام منذ أيام تحوّل إلى تصفية حسابات ومواقف، حينما عَرض أحد المثقفين فكرة علاج الرجل في أيامه الأخيرة على نفقة الدولة، نظراً لمكانته الأدبية، ومؤلفاته التي يشهد لها الجميع بالإبداع. هذا الجدل السياسي يلقي بظلاله أكثر من الجدل الفني، فهو الشخص نفسه الذي قام بكتابة مسرحية «مدرسة المشاغبين» 1973، التي اتهم بسببها بأنه أهدر قيم المجتمع، وقبلها بعام تم تقديم فيلم سينمائي عن نص مسرحي لعلي سالم بعنوان «أغنية على الممر» 1972، الذي يعتبر من أهم الأعمال السينمائية وأعمقها، التي تناولت الحرب وعبّرت عنها بصدق، بخلاف الأعمال الباهتة الأخرى، التي أصبحت تثير الشفقة الآن، أكثر من إثارة الضحك.

جيل الحرب

يعتبر النص المسرحي «أغنية على الممر»، الذي تم تحويله إلى فيلم سينمائي من خلال سيناريو لمصطفى محرم، وإخراج علي عبد الخالق، من أفضل الأعمال التي تناولت الحرب، ومن خلال جيل كامل من الشباب أفنى أجمل سنواته في الصحراء. في هذا العمل لم يُشر علي سالم إلا إلى الحالات النفسية وتحولاتها، التي يمر بها الجنود، أحلامهم وأوهامهم، لحظات اليقين، وأيام الوهم، بين ما يريدون تحقيقه وما يحدث بالفعل. الحدث الرئيس في العمل يأتي من خلال حصار فصيل من فرقة مُشاة، يدافعون عن أحد الممرات المهمة والحيوية، ويرفضون التسليم بالهزيمة، رغم انقطاع المؤن والاتصالات، ذلك وقت حرب 1967، فهم بمفردهم في مواجهة الموت، هذه الحالة تكون هي المُحرّك لكل فرد منهم، بأن يستعيد لحظات حياته الفارقة، ماذا سيفعل إذا ظل على قيد الحياة، وماذا فعل والموت قريب؟ وما بين الإحباط والأمنيات يعيدون النظر في كل ما حدث حتى هذه اللحظة. العمل انتقادي في المقام الأول حول الأسباب التي أدت إلى هذه الحال، من دون طنطنة أو صخب أو كلاشيهات فارغة، قريب من نفسيات الشخصيات المتنوعة، التي تمثل أطياف المجتمع المصري، من عامل وفلاح وفنان وجامعي. وفي النهاية يموت ثلاثة منهم فداءً للحظة اليقين التي تحققت في أكتوبر/تشرين الأول 1973.
لم يحظ عمل مسرحي بالجماهيرية كما حدث مع مسرحية «مدرسة المشاغبين»، التي وقعت وكاتبها في تناقض حاد عند استقبالها، فعلى قدر الجماهيرية الكبيرة، جاء الانتقاد الحاد، بأنها مسرحية أفسدت الجيل والأجيال اللاحقة، وحطّت من قيم المجتمع وأخلاقياته، فما كان من علي سالم إلا الرّد بعبارة «لا يمكن لمسرحية أن تفسد شعباً أو أن تصلح شعباً». تم تقديم المسرحية عام 1973، وربما تنبأ الرجل بزلزال القيم الذي حدث بعد ذلك، خاصة في النصف الثاني من السبعينيات، إضافة إلى أن النص المسرحي وما كان يدور حوله هو محاولة تفهم الجيل الجديد، ومساعدته على تحقيق أحلامه، من خلال أسلوب تعليمي يكتشف قدرات الطلبة الحقيقية، لا أن يقهرهم بدوره، ويستكمل دورة القهر من خلال البيت والمدرسة والعمل، ليخلق مخلوقات مشوهة، لا تمتلك سوى الإعراض عما يدور حــــولها ولا مبالاة بما يحدث، فمُدرسة الفلسفة وبعد صراع معهم ومع نفسها في المقام الأول، انتهت إلى تفُهم المشكلة وحلها، بأن جعلتهم يثقون بها، ووضعتهم على الطريق الصحيح، هذا هو هدف المسرحية، وما حاولت أن تشير إليه من خلال مفردات العمل المسرحي، فالأمر في النهاية عمل فني.

بيبلوغرافيا

بدأ علي سالم نشاطه الفني ممثلاً في عروض ارتجالية على مسارح محافظة دمياط شمال مصر، في منتصف خمسينيات القرن الفائت، ثم كتب أول نصوصه المسرحية عام 1963 بعنوان «الناس اللي في السماء الثــــامنة»، لتــــتوالى أعماله بعد ذلك، التي من أشهرها مسرحية «إنتَ اللي قتلت الوحش» وهي محاكاة ساخرة لمسرحية أوديب، حيث أصبح جمال عبد الناصر هو أوديب علي سالم، وتأتي أشهر أعماله المسرحية على الإطلاق «مدرسة المشاغبين»، التي غيّرت كثيراً وأثرت على فكرة وبنية الأعمال المسرحية.
أيد علي سالم في وضوح شديد مبادرة كامب ديفيد للسلام، التي قام بها السادات عام 1977، وأصبح يدعو إلى ضرورة ووجوب الحل السلمي. لم يقتصر الأمر على ذلك، بل ذهب الى إسرائيل عام 1994، وسجّل الرحلة في كتاب بعنوان «رحلة إلى إسرائيل» صدر في العام نفسه.
مؤلفاته … «الناس اللي في السماء الثامنة/ولا العفاريت الزرق/الرجل اللي ضحك على الملائكة/إنتَ اللي قتلت الوحش/أغنــــية على الممر/مدرسة المشاغبين/عفاريت مصر الجديدة/الملوك يدخلون القرية/العيال الطيبين/بكالوريوس في حكم الشعوب/رحلة إلى إسرائيل/خشب الورد/البترول طلع في بيتنا/الكاتب والشحات، والنص المسرحي المتفائل.

شاهد أيضاً

رواية “المنفى الخامس” لرحال في القائمة 18 للرواية التاريخية بكتارا

وصلت رواية “المنفى الخامس” للكاتب الأردني محمود رحال إلى القائمة 18 لفئة الروايات التاريخية بجائزة …

اترك تعليقاً