عروبة الإخباري – أكدت جلالة الملكة رانيا العبدالله اليوم في برلين / ألمانيا على الدور الكبير الذي يقوم به الأردن في استقبال اللاجئين السوريين على مدى السنوات الأربع الماضية على الرغم من قلة موارده.
جاء ذلك في كلمة لجلالتها خلال حفل استلامها جائزة والتر راثيناو من قبل المستشارة الالمانية انجيلا ميركل في حفل خاص نظمته مؤسسة والتر راثيناو التي اقرت منح جلالتها جائزتها السنوية لهذا العام.
وقالت جلالتها، أتشرف اليوم بتسلّم هذه الجائزة التي أعتبرها تقديراً للشعب الأردني الذي يبرهن في حياته اليومية – بالفعل والقول – القيم الرائعة كالشجاعة والرحمة والمساواة والتفاهم والتسامح والإحترام المتبادل، وهي بمعنى آخر الشعور بالإنسانية.
وأضافت جلالتها، ان جلالة المغفور له الملك الحسين رحمه الله، الذي جسد أسمى معاني التواضع والرحمة، لم يتخذ يوماً أي قرار قبل أن يضع نفسه مكان الآخرين. واليوم فإنني أستلهم العبر من زوجي جلالة الملك عبدالله الثاني والشعب الأردني الذين إنتهجوا إرث الحسين. إرث لا زال يشكل النهج الإنساني للاردن حتى يومنا هذا. حيث يستضيف بلدنا الصغير اليوم مليون وأربعمئة ألف سوري، أي ما يعادل 20% من سكان الأردن، وعلى الرغم من أن بلدنا يعاني من الفقر والبطالة، إلا أننا نقدم ما باستطاعتنا، وأنا فخورة جداً بتفاني الأردنيين وإيثارهم.
وخلال الحفل الذي حضره ما يزيد على 400 من الشخصيات السياسية والاعلامية والعاملين في مجال المجتمع المدني والأعمال، تحدثت جلالتها عن الجهود التي يبذلها الأردن من أجل ضمان استمرار الأطفال السوريين في الحصول على التعليم وحصول اللاجئين على الرعاية الصحية وغيرها.
وقالت جلالتها ان الازمات التي تعصف بمناطق مختلفة من العالم هي عالمية التأثير ويمكن ان تجد طريقها لابوابنا في اي مكان، ونبهت الى خطورة خلط المفاهيم ومنها كلمة لاجئ التي كانت تثير مشاعر التعاطف والرحمة فور سماعها، وبات الناس يعتبرون اللاجئ والمهاجر وجهان لعملة واحدة، وأصبح البعض يطلق عليهم عبارات تحمل نظرة وكأنهم أقل من غيرهم.
واضافت هنا يكمن الخطر الحقيقي، فبمرور الوقت، المسميات تنتقص من إنسانية الشخص ويتسلل الشك والتعصب إلى قلوب الناس، ويتجذر الخوف. كل نظرة جارحة، كل لفظ مسيء، كل تسمية .. جميعها يعرض جوهرنا الأثمن، إنسانيتنا، للخطر.
واعطت جلالتها مثالا اخر عن التأثير السلبي لخلط المفاهيم الخلط بين “مسلم” و”متطرف”. وقالت أن المسلم يعتنق دين المحبة والسلام، دين الرحمة والتفاهم. أما المتطرف فلا دين له، ويملأ الشر قلبه ولا يضع أي اعتبار لحرمة الحياة البشرية.
وبينت جلالتها ان العديد من الناس يستخدمون مسميات مثل “متطرف مسلم” أو “إرهابي مسلم”، والتي تحمل في طياتها تشويهاً لسمعة الملايين من الناس الطيبين والشرفاء في العالم، وتبني دوامة من الشك وسوء الفهم وتغيّب الثقة.
ودعت الجميع لتجاوز تلك المسميات والنظر إلى ما هو أعمق، من اجل ان ندرك جميعاً بأن أوجه التشابه التي تجمعنا أكثر بكثير من التي تفرقنا.
وقالت جلالتها، لإيجاد حل دائم لأزمة اللاجئين، دعونا نقتدي بالمغفور له الملك الحسين، ونحاول رؤية الأزمة من منظور أوروبي. ويجب ان نتفهم مشاعر البعض عندما ينظروا لهؤلاء اللاجئين على انهم غرباء حلّوا عليهم، من بلدان مختلفة، ولا يفهمون لغتهم ولا يشاركونهم المعتقد الديني. ويشكل هؤلاء بالنسبة للبعض تهديداً لمعتقداتهم وطريقة عيشهم واقتصادات بلدانهم، ويتعدى ذلك أحياناً ليصفهم البعض بالتهديد الأمني. لذلك، قد يتبادر لأذهان بعضهم إغلاق الأبواب في وجوه اللاجئين، ليس من قبيل الكراهية، بل من قبيل الخوف من المجهول.
وأضافت أن ذلك يوجب علينا العمل معاً وبسرعة، وأن نوظف الشعور بالآخرين والشجاعة جنباً إلى جنب مع العمل، فالأمر يتعلق بمساعدة المجتمعات المحلية لفهم ما يسعى اليه اللاجئين من الملاذ والأمن والسلام، وذلك ما حُرموا منه في بلدانهم.
وقالت جلالتها، اليوم نجد أنفسنا في مواجهة أزمة إستثنائية تتطلب حلولاً إستثنائية. الحلول الجزئية في هذه الحالة لن تجدي نفعاً، لذلك على المجتمع الدولي أن يستثمر الفرصة، إذ يتوجب علينا في أوروبا والشرق الأوسط وبقية العالم أن نضع سياسة متماسكة وشاملة تخدم مصالحنا جميعاً.
وأشارت جلالتها إلى إن الأمر لا يتعلق فقط بوجوب قبول الدول إستقبال اللاجئين، أو بأي دول التي يتعين عليها إستقبالهم، إنما هو أمر يتعلق باستجابة جماعية تبدأ بتحديد التدابير التي يمكننا إتخاذها معاً.
وأكدت جلالتها على أن عدم التصرف سيكون فشلاً ذريعاً سيشكك بمصداقية مصطلح “أسرتنا العالمية”. مشيرة الى أن حرمان اللاجئين من أبسط حقوقهم سينشئ جيلاً يائساً ومقهوراً في أقوى حالات يأسه يمكن إستغلاله من قبل ذوي الفكر المتطرف.
وفي نهاية كلمتها عبرت جلالتها عن أملها في أن يستقي المجتمع الدولي العبر من هذه المأساة، وأن تكون فرصة للقيام بالأمر الصائب، وأن نتخيل أنفسنا مكان بعضنا البعض والخروج بأنفسنا من الإطار الذي يشعرنا بالراحة.
وخلال الحفل ألقت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل كلمة اعربت فيها عن سعادتها لتكريم جلالتها باعتبارها نموذجا وقدوة تستحق التقدير العالمي لعملها في بناء الجسور والتواصل بين مختلف الثقافات، ولجهودها في مجال التعليم وتمكين النساء وحماية الاطفال واعداد الشباب لسوق العمل وعملها لنشر السلام والتسامح والاحترام بين الشعوب ومواجهة العنف والتطرف.
كما تحدثت عن جهود الاردن الانسانية فيما يخص ازمة اللاجئين، معتبرة الاردن ملاذا آمناً في منطقة غير مستقرة، مؤكدة على دعم المانيا لجهود الاردن.
كما القى رئيس مؤسسة والتر راثيناو الدكتور فيرنر هوير كلمة خلال حفل التسليم، اشاد فيها بجهود جلالة الملكة رانيا العبدالله في التقارب بين الشعوب وعملها من اجل تعليم افضل للجيل الشاب، وسلط الضوء على التحدي المشترك الذي يواجه الاردن والمانيا في استقبال اللاجين.
يذكر أن الجائزة أطلقت عام 2008 باسم احد رجالات المانيا الراحلين والمميزين في العمل السياسي والاقتصادي الصناعي وفي مجال حقوق الانسان، وجرى منحها للعديد من الشخصيات العالمية المؤثرة والفاعلة في المجالات الانسانية وحوار الثقافات والعمل المتميز في السياسة الخارجية وتجسير الفجوة بين الشعوب.
وكانت جلالتها خلال تواجدها في المانيا قد التقت مع وزير التنمية والتعاون الاقتصادي الالماني جيرهارد مولر حيث جرى بحث مجالات التعاون، واشاد الوزير الالماني بالجهود الاردنية في تحمل اعباء ازمة اللاجئين السوريين، داعيا المجتمع الدولي لدعم الاردن والوقوف الى جانبه في مواجهة التحديات الناجمة جراء ذلك.
كما شاركت في “منتدى G7 للحوار مع السيدات” بقيادة أنجيلا ميركل وإلى جانب عدد من السيدات الناشطات في مجال العمل الاجتماعي وحوار الثقافات، كما قامت بزيارة لمختبر فاب لاب الذي يتميز بتقنيات عالية وإبداع في التصاميم.