عروبة الإخباري – 10 سنوات بأكملها استغرقتها الكاميرونية حبيبة باكو، لتجميع كلفة زيارتها للبقاع المقدّسة في مكة المكرّمة لأداء مناسك الحج.. “مخطّط ادّخار” انطلق قبل عقد من الآن، ومع ذلك، فإنها لم تفلح مشاعر اليأس أو الضجر في التسرّب إلى نفس لطالما تاقت إلى الطواف بالكعبة الشريفة، على حدّ تعبيرها في حديث للأناضول.
سنوات انقضت، قبل أن تتمكّن، أخيرا، من السفر إلى بيت الله الحرام، خلال موسم الحج الجاري حاليا، وتحقّق حلم عمرها.. تعود حبيبة بذاكرتها إلى الأيام التي سبقت رحيلها في اتجاه المدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية.. لحوم ملفوفة في معجّنات الفول السوداني، أو ما يعرف محلّيا في الكاميرون بـ”الكيليشي”، وضعتها على طبق لتجفّ على مهل، فيما تنافست بناتها على قلي لحم الدجاج في المطبخ، لوضعه، في مرحلة تالية، في ورق خاص، تحمله معها الحاجة حبيبة زادا لها خلال رحلتها.
فرحتها كانت أكبر من أن تترجمها ابتسامتها ونظراتها التي ارتفعت إلى السماء شاكرة الله على عطائه، وهي تبلّغ بأنها ستكون ضمن الفوج الأخير الذي سيغادر العاصمة ياوندي باتجاه البقاع المقدّسة، والموعد كان الجمعة الماضية. “حملت معي القليل من الطعام”، تقول حبيبة، قبيل مغادرتها بأيام قليلة، لـ”أنّني لا أدري إن كان الأكل هناك سيعجبني أم لا”.
حلم تحوّل إلى حقيقة ملموسة.. صحيح أنّه استغرق 10 سنوات بأكملها ليتجسّد، إلاّ أنّ مذاقه أروع من أن تصفه الكلمات، تتابع حبيبة، هذه التاجرة التي تبيع الخضر بالتقسيط في إحدى أسواق ياوندي، ما يحقق لها مكاسب قليلة يوميا. أمّا زوجها، فيعمل طباخا لدى إحدى العائلات الكاميرونية، وقد تمكّن، بفضل كرم صاحب العمل الذي تكفّل بدفع النفقات عنه، من الحج، وذلك منذ ما يزيد على 10 سنوات.
وتضيف حبيبة: “حين عاد زوجي من الحج حينذاك.. قرّرنا أنه عليّ الذهاب أنا أيضا إلى مكة المكرمة، وبناء على ذلك، فقد بدأنا مخطّط ادّخار لتحقيق حلمي رغم قلة مواردنا المالية”.
وعملا بالاتفاق، فقد أصبح الزوجان يقتصدان في حاجيات حياتهما اليومية، لادّخار ما يمكّنهما من دفع نفقات الحجّ. وبالنسبة لهذا العام، فقد حدّدت اللجنة الوطنية المشرفة على الحج في الكاميرون كلفته الإجمالية بمليونين و154 ألف فرنك أفريقي (4 آلاف و300 دولار) لكل حاج. حبيبة، وهي أمّ لخمسة أطفال، قالت إنّ “هذا يعتبر مبلغا هاما بالنسبة لنا، وبه يمكن أن نشيّد منزلا صغيرا، أو ادّخاره لمواجهة نفقات دراسة أبنائنا، غير أنّي اخترت زيارة بيت الله الحرام.. إنّها تضحية تستحقّ العناء، وهي تجسيد لإيماني”.
أمثال حبيبة ممّن يقدّمون تضحيات جساما من أجل تحقيق حلم الحج كثيرون في الكاميرون. أبو بكر الحاج نابانيا، أحد المؤطّرين للحجيج منذ حوالي 15 عاما، قال للأناضول إنّ “أكثر من نصف الحجاج يدّخرون لسنوات طويلة لجمع الأموال اللازمة لزيارة البقاع المقدّسة”.
وزارة الحج في المملكة العربية السعودية منحت الكاميرون هذا العام 4 آلاف و500 تأشيرة، غير أنّ عدد من قدّموا ملفاتهم تجاوز الـ10 آلاف، ما اضطرّ الهيئة المعنية بالحج في الكاميرون إلى تطبيق قانون “أوّل الوافدين هو أول الحاصلين على الخدمة”. حبيبة قالت إنه حين طلب منها دفع المبلغ المطلوب، لم تكن قد ادّخرته بالكامل، ولذلك فقد “اضطررت لاقتراض 180 ألف فرنك أفريقي (352 دولارا) لاستكمال المبلغ، وبفضل الله تمكّنت من التسجيل في الموعد”.
مامودا مبومبوو، غادر هو الآخر العام الماضي، نحو مكة المكرمة لأداء الركن الخامس للإسلام. قال للأناضول إنّه ادّخر ربع كلفة الحج تقريبا وحصل على بقية المبلغ من أحد المحسنين. “تذوّقت ماء زمزم، فتحسّنت حالي كثيرا”، يضيف بسعادة وخشوع، إذ، بالإضافة إلى أن “الحج يعتبر خامس أركان الإسلام، فإنّي أتوق دوما إلى شرب أكبر كمية ممكنة من هذا الماء”.
في الواقع، يسمح للحجاج الكاميرونيين بالعودة من البقاع المقدّسة حاملين 10 لترات من ماء زمزم. وفي معظم الأحيان، توزع كمية من تلك المياه المعروفة بفوائدها ومزاياها العديدة على المقرّبين من الحاج، فيما يحتفظ الأخير بالكمية المتبقّية. وبهذه الطريقة، استطاع مبومبوو شرب ماء زمزم على مدار العام. طريقة من بين أخرى يستنبطها الحجاج للحصول على أكبر قدر من مآثر زيارة بيت الله الحرام، شأنهم في ذلك شأن جميع الحجيج في شتى أنحاء المعمورة.
ويمثّل المسلمون في الكاميرون 25% من عدد السكان البالغ عددهم 20 مليون نسمة، أي حوالي خمسة ملايين مسلم، يتمركز معظمهم في مناطق الشمال وأقصى الشمال وغربي البلاد، وفقا لتقديرات رسمية.