عروبة الإخباري- شيء ما يتبدّل في المشهد السوري في ربع الساعة الأخير ما قبل الجلوس الى طاولة التفاوض الايراني ــــ الأميركي حول ملفات المنطقة بعد اقرار الاتفاق النووي: لهجة أوروبية مرنة، عبّرت عنها مدريد وفيينا وباريس ولندن، حيال القبول بدور للرئيس السوري بشار الأسد في أي حل سياسي بعد أعوام من التعنت؛ تحول في الموقف الروسي حيال الجهر بتسليح الجيش السوري لمحاربة الإرهاب وصولاً الى الوجود العسكري المباشر.
بالتزامن، يتواصل إقدام دول عربية على خطوات انفتاحية تجاه سوريا. فبعد اعلان تونس مؤخراً إعادة العلاقات الدبلوماسية، رفعت القاهرة التواصل مع دمشق الى مستوى رئاسي.
ففي الثلث الأخير من شهر آب المنصرم، زار رئيس مكتب الأمن القومي السوري اللواء علي مملوك القاهرة بعيداً من الأضواء، والتقى عدداً من كبار المسؤولين في الجيش والاستخبارات والأمن. وتُوّجت الزيارة باستقبال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للمسؤول السوري.
ومعلوم أن التنسيق الأمني بين البلدين لم ينقطع حتى في فترة حكم الرئيس «الإخواني» محمد مرسي، إن لم يكن بعلم القيادة السياسية «الإخوانية»، فعلى الأقل بعلم المؤسسة العسكرية المصرية التي «تدرك أهمية سوريا الاستراتيجية». غير أن زيارة مملوك تأتي في سياق مختلف يمليه موقع الرجل ودوره السياسي الذي يتجاوز التنسيق الأمني التقني البحت. الزائر السوري بحث مع مضيفيه المصريين في التعاون الأمني بين البلدين في مواجهة الارهاب، وفي آفاق الحل السياسي في سوريا والمبادرات المطروحة وخطة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا والمساعي لعقد «موسكو 3». وقد جرى التوافق على «ضرورة أن تلعب مصر دوراً أكبر في الشأن السوري لما تشكله سوريا من عمق استراتيجي للأمن القومي المصري».
وسمع مملوك من المسؤولين المصريين تأكيدات بأن القاهرة ترى أن الحلّ للأزمة السورية لا يمكن إلا أن يكون سياسياً، وأنها «تعتبر أن البلدين يواجهان عدواً مشتركاً يتمثّل في جماعة الاخوان المسلمين (وضمناً تركيا) التي تشكّل خطراً على مصر أكبر مما تشكله على سوريا». وأبلغ المسؤولون المصريون ضيفهم السوري أن «القاهرة مؤمنة بأن النظام في البلدين يرتكز على قوة جيشيهما اللذين يشكّلان قاعدة أساسية للحكم فيهما»، وهي، بالتالي، لا ترغب في أن ترى في سوريا تكراراً لتجربتي العراق وليبيا، «وطالما أن الجيش متماسك ستبقى الدولة السورية قائمة، وأي انهيار للجيش السوري سيعني أننا دخلنا عصر التقسيم في المنطقة. لذلك، فإن مواجهة التقسيم تبدأ من سوريا».
وتم الاتفاق خلال الزيارة على إعادة تفعيل العلاقات الديبلوماسية بين البلدين وصولاً الى إعادة تبادل السفراء قريباً. علماً أن مصادر أشارت أخيراً الى أن القاهرة تستعد لتسمية الدبلوماسي أحمد حلمي، الذي كان في عداد طاقم سفارتها في بيروت، قنصلاً عاماً مصرياً في سوريا.
وكانت دمشق سحبت في شباط 2012 سفيرها في القاهرة يوسف الأحمد بعدما استدعت مصر نظيره في سوريا شوقي اسماعيل للتشاور، في سياق الحصار الدبلوماسي الذي فرضته دول عربية وغربية، على رأسها السعودية ودول الخليج، على سوريا بذريعة «رفضها الانصياع لقرارات الجامعة العربية لحل الأزمة». وأكّدت المصادر أن المؤسسة العسكرية المصرية أبدت اعتراضها يومها على قرار حكومة مرسي باعتباره «مخالفاً للعقيدة العسكرية المصرية التي تعتبر أن الدفاع عن مصر يبدأ من سوريا». وقد كُلّف الأحمد، الذي عُيّن لاحقاً عضواً في القيادة القطرية لحزب البعث، متابعة الشأن المصري من دمشق.
وبالتزامن مع زيارة مملوك للقاهرة، سُجّل انفتاح اعلامي مصري على دمشق تمثّل في زيارة وفد اعلامي كبير، بالتنسيق مع الخارجية المصرية، في 20 الشهر الماضي، العاصمة السورية حيث التقى عدداً من المسؤولين وجال على بعض المحافظات السورية. وخلال الزيارة، أجرى وزير الخارجية وليد المعلم حوارات مع رؤساء تحرير صحف مصرية، ومع قناة «النهار»، في أول إطلالة لمسؤول سوري على التلفزيون المصري منذ خمس سنوات. ودعا المعلم القاهرة الى لعب دور في حل الأزمة السورية، وكشف عن تعاون أمني مشترك لمكافحة الارهاب، وهاجم تركيا وجماعة الاخوان المسلمين.