عروبة الأخباري- هيثم حسان – تُلقي روسيا بثقلها العسكري، هذه المرة، وراء أسد دمشق المثخن بالجراح، بعدما ألقت بكامل ثقلها السياسي خلفه ومن أجله، طوال اربع سنوات.
وفي 22 آب (اغسطس) الماضي عبرت السفينة الحربية الروسية نيكولاي فليتشنكوف مضيق البسفور، وكانت محملة بمعدات عسكرية وشاحنات وأربع مدرعات من نوع «بي تي أر» في طريقها إلى جهة غير معلومة.
وفي نهاية الشهر ذاته حط ضباط الروسي رحالهم في قاعدة “حميميم” في جبلة قرب اللاذقية، باعتبارها أول قاعدة عسكرية روسية حربية في سوريا، علما بأن روسيا ورثت عن العهد السوفياتي المتلاشي قاعدة بحرية في طرطوس مخصصة لرسوّ سفن الأسطول الروسي وخدمتها، واستقبال واردات الأسلحة والذخائر التي تزوّد بها موسكو، الجيش السوري.
وتشير المعلومات الواردة من سوريا إلى ان الجيش الأحمر الروسي لم ينتظر طويلا للدخول في معارك ضد القوى المناوئة للرئيس بشار الأسد، ولاسيما من خلال سلاح الطيران.
الأمر الذي يعد تطورا استراتيجيا بكل المقاييس، سوف ينعكس على الميدان وموازين القوى التي اصبحت أخيرا في غير صالح النظام الأسد وحلفائه، بعد هزيمة جيشه في عدة مناطق، بحيث لم يعد يسيطر على أكثر من سدس مساحة الأراضي السورية، وهو ما يدعو روسيا لتعديله بنفسها هذه المرة.
وكان الرئيس بشار الأسد أعلن في لقاء مع وسائل الإعلام الروسية بداية العام الحالي أنه يؤيد إقامة قاعدة عسكرية روسية جديدة على السواحل السورية، مطالبا بتعزيز الوجود العسكري الروسي في العالم لخلق ما أسماه “التوازن المفقود منذ تفكك الاتحاد السوفيتي”، كما رحب الأسد بأي توسع للوجود الروسي في شرق المتوسط، وتحديداً على الشواطئ وفي المرافئ السورية.
الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تلقف تلك الرسالة، مستندا إلى تقارير ميدانية لخبراء من الجيش الروسي، تتعلق بتوسيع وتحديث القاعدة البحرية الروسية في طرطوس، بحيث تكون أكبر محطة بحرية للاتحاد الروسي في الخارج، كما دعت تقارير اخرى إلى الاستجابة لعرض الأسد إقامة قاعدة عسكرية قتالية جديدة في سوريا.
المهم، ان التواجد الروسي على الأرض السورية يباعد فرص الحل السياسي، ويعقد فرص الحلول كافة، بل وسيزيد من حماسة “الجهاديين” الذين كانوا يقاتلون “النصيرية” و”الشيعة”، ويدفعهم للثأر من وريث الاتحاد السوفيتي، أي روسيا، التي كان لها الكثير من الذكريات المؤلمة مع أجدادهم في افغانستان في ثمانينيات القرن الماضي.
بل إن القوى الإقليمية الداعمة للثورة ضد نظام بشار الأسد ستجد في الاجراءات العسكرية الروسية تحديا لها، ولأي حديث عن حل سياسي كانت تشكك فيه أصلا، طوال الوقت.
وبالتالي، لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء هذه التطورات، الأمر الذي سيدفعها لزيادة تمويل المعارضة، بل وربما عقد صفقات مع القوى المتطرفة (بما فيها داعش) من أجل هزيمة الجيش الأحمر على الأراضي السورية.
كل ذلك يعني، ان المنطقة مقبلة على مزيد من حالة عدم الاستقرار، وانها مؤهلة لمزيد من الاشتعال، وان أطراف المعادلة في الجانبين (المؤيدة لنظام الاسد والمعادين له) لن ينصتوا إلى أية اوراق تدعو لأي حل سياسي، طالما ان روسيا أخذت زمام المبادرة بنفسها هذه المرة، وبضوء اخضر اميركي، أضاءته لها واشنطن، ربما لكسر شوكتها، وتهشيم أحلام القيصر فلاديمير بوتين باستعادة أمجاد الاتحاد السوفيتي.