عروبة الإخباري – أعادت جلالة الملكة رانيا العبدالله نشر مقال كتبه الصحفي الألماني شتيفين هوك حول استضافة الأردن للاجئين السوريين، وكرم الضيافة التي يلقاها اللاجئون في المملكة رغم شح الإمكانات.
وتأتي إعادة نشر جلالة الملكة للمقال عبر صفحتها على “تويتر” بعد أن أبدت أسفها على الطفل السوري الغريق قرب شواطئ تركيا، حيث علقت على صورة الطفل في تغريدة سابقة قائلة “صورة مأساوية لطفل لا يملك إلا البراءة… وواقع مرير يعيشه الكثيرون”.
وتاليا نص المقال كاملا:
يستقبل الأردن أعدادا من اللاجئين تفوق من تستقبلهم ألمانيا، وبالرغم من ذلك لا تشهد البلاد احتجاجات أو اشتباكات. وعلى من أراد تعلم معنى حب الآخر متابعة أوضاع اللاجئين هناك، فالبلد الذي يبلغ عدد سكانه نحو ستة ملايين نسمة، يستضيف ما يقرب من مليون ونصف لاجئ. الصحفي الألماني شتيفين هوك زار الأردن، ويسلط الضوء في مقاله التالي على هذا البلد العربي ويرصد أوضاع اللاجئين فيه.
كان هذا ثاني أيام إقامتنا في مقرنا الجديد بالعاصمة الأردنية عمان، عندما حاولت فتح صنبور الماء في المطبخ لتخرج قطرات قليلة ثم ينقطع الماء تماما. وعندما استفسرنا عن الأمر أخبرنا جيراننا اللطفاء أن هناك خزانا تملؤه السلطات المعنية مرة واحدة في الأسبوع. وفي حالة استهلاك الماء قبل الموعد المحدد لإعادة ملء الخزان، لا يبقى أمامك سوى شراء الماء من السوق.
وبعد مكالمة هاتفية ونصف ساعة من الوقت، وصلت سيارة نقل وقام السائق ومساعده بتمرير خرطوم عبر الحديقة لملء الخزان بخمسة مترات مكعبة من الماء مقابل 50 دينارا أردنيا أي ما يعادل تقريبا 65 يورو. وللمقارنة فإن نفس الكمية من الماء تتكلف في ألمانيا حوالي 10 يورو فقط.
يعتبر الأردن أحد أفقر دول العالم من حيث مصادر الماء، فنهر الأردن الذي كان شديد التدفق في الماضي، صار الآن أشبه بالجدول المائي لاسيما في موقع تعميد المسيح الذي رأيته لأول مرة والذي يبلغ عرضه الآن ثلاثة أمتار فقط. وتحصل دول أخرى شمالا، على كميات كبيرة من الماء منذ وقت طويل، لذا تنطلق الاحتفالات في الأردن عندما تسقط الأمطار، بنفس الشكل الذي يحدث في ألمانيا في بداية أيام الربيع المشمسة.
لكنة سورية في كل مكان
ومع تدفق ما يقدر بواحد ونصف مليون لاجئ على الأردن، لم يعد من الممكن ملء الخزانات في أحياء عديدة بشكل أسبوعي، بل مرة كل أسبوعين ومن لم يمكنه ماديا تحمل نفقات شراء الماء من التجار، فعليه تقليص استهلاكه للنصف وهو أمر صعب لاسيما وأن كمية الماء التي تملأ بها الخزانات هي في الأصل شحيحة للغاية.
ومن الطبيعي أن تستمتع لشكاوى أهل البلد من صعوبة هذا الأمر، لكن ما لا تسمعه منهم هو الاحتجاج على اللاجئين وذلك على الرغم من أن خمسهم فقط يعيش في مخيمات اللاجئين في حين وجدت الغالبية طريقها للمدن والقرى الأردنية، ما أدى بدوره لارتفاع الإيجارات، وهو ثاني أهم قطاعات الحياة بعد المياه التي تأثرت بشدة بسبب أزمة اللاجئين.
أما القطاع الثالث في حياة الأردنيين والذي تأثر بهذه الأزمة، فهو سوق العمل والذي شهد انخفاضا في القطاعات السوقية المتدنية وهو أمر يستفيد منه بعض أصحاب الأعمال لكنه لا يعود بنفع يذكر على غالبية الأردنيين.
في الوقت نفسه ينتعش قطاع البناء في عمان بشكل كبير، فقلما يوجد شارع لا يشهد أعمال بناء فالمدينة تعج بالضوضاء.
وهنا يلاحظ المرء اللكنة السورية بوضوح بين العاملين في في مواقع البناء كما هو الحال في المطاعم.
قنبلة في حفاظ الطفل؟
مليون ونصف لاجئ يعيشون في بلد يقدر عدد سكان بنحو ستة ملايين نسمة. وبحساب الفرق في عدد السكان، فإن هذا يماثل تقريبا استقبال ألمانيا لعشرين مليون لاجئ. والأردن في النهاية هو بلد نامٍ فقير في الموارد ويقدر دخل الفرد فيه بربع دخل الفرد في ألمانيا.
وبالرغم من كل هذه العوامل فإن عدم حدوث اشتباكات ولا حتى احتجاجات هو أمر أشبه بالمعجزة. لكن هذه المعجزة لا تحظى بالاهتمام الكبير في الرأي العام الغربي، الذي تسيطر علي تغطياته، الأعمال الإرهابية للإسلامويين المتشددين. ولا تتجه الأنظار للعالم العربي إلا عندما تهدم آثار أو تدمر أماكن مدرجة على قائمة التراث العالمي أو بعد أن تقع واحدة من الجرائم البشعة الجديدة لتنظيم “الدولة الإسلامية” (المعروف بداعش).
ويتسبب التركيز على الأخبار السيئة في ظهور المنطقة العربية ودين غالبية سكانها، في صورة محزنة وممزقة، يعاني منها نحو 1.6 مليار شخص حول العالم يدينون بالإسلام. وقلما يوجد أي من أصدقائنا في الأردن لم يواجه تبعات هذه الصورة والتي تتنوع بين نظرات استياء من ركاب الطائرات أو أسئلة معينة على بوابات المطارات ووحدات التفتيش الحدودية. وعند السفر إلى إسرائيل يجب خلع حفاظ الرضع للتأكد من عدم وجود متفجرات تحته.
وطن جديد
يشاهد المرء في عمان يوميا تنوعا أيدولوجيا ودينيا مبهرا يظهر في صور عديدة مثل: نساء محجبات يقدن سيارات الفئة إس من مرسيدس ويتوقفن أمام المتاجر التي تعج بنساء غالبيتهن لا يضعن الحجاب، ومصارف تفكر قياداتها طويلا فيما إذا كان تقديم منتجات متوافقة مع الشريعة قد يعطي انطباعات سيئة، وفي إعداد أركان للصلاة بأبسط الإمكانيات في مكاتب غالبية العاملين فيها من المسيحيين، وكذلك في موظفين مسلمين يرغبون في تقديم أي مساعدة لمديرتهم المسيحية ولذا يشعرون بحرج بالغ في رفض مساعدتها في حمل صندوق النبيذ، وأيضا في أعيان القرى والبلدات المسلمين الذين يعرفون كل شيء عن أنواع النبيذ.
وهنا أيضا صار المجتمع أكثر محافظة خلال الثلاثين عاما الأخيرة، وهو أمر ربما يؤرق الطبقة العليا التي تميل للتوجه الليبرالي إلا أن التعامل مع هذه الظروف (التي تتحمل سياسة الشيطنة والمبالغة الغربية دورا فيها) يتسم بالتسامح الواضح والذي يجعل أبناء الأقلية المسيحية في البلاد يشعرون بالامتنان. يطبق الناس في الأردن مبدأ حب الآخر والتي لا تشمل اللاجئين القادمين من سوريا فحسب، بل المسيحيين القادمين من شمال العراق والذين وجدوا وطنا جديدا لهم هنا، يبدو أن بقاءهم فيه سيدوم للأبد.
بلد يئن من الأعباء
يوشك القطاع السياحي، وهو أحد أهم القطاعات الاقتصادية في البلاد، على الانهيار. وعندما سافرنا باتجاه العراق لزيارة قلاع الصحراء والمصنفة ضمن مواقع التراث العالمي لليونيسكو، تسبننا في حالة من الارتباك سببها أنه لم يعد هناك أي أوروبيين يسافرون في هذه الرحلة عبر الأردن الذي يقدم تنوعا ثقافيا مبهرا. وتعتبر الرحلة من جرش حيث توجد أقدم أعمدة رومانية مازالت قائمة حتى الآن، عبر معجزة البتراء ومنها إلى وادي الروم (المعروف أيضا بوادي القمر) الذي يتميز بطبيعته الخلابة، وصولا إلى العقبة وهي قبلة محبي الغطس، رحلة آمنة ربما أكثر من التنقل في مترو لندن والسبب في ذلك يرجع إلى كفاءة الجيش الذي يقوم بمراقبة الأماكن الحساسة والمواقع الحدودية، والذي يقابل رجاله المدججون بالسلاح، الناس بود يتمنى المرء أن يجده عند حدود الولايات المتحدة على سبيل المثال.
ويئن الأردن تحت وطأة هذه الواجبات، فيما يقدم العالم بعض المساعدة. وبالرغم من التعهدات، إلا أن المساعدات التنموية الإضافية تبقى محدودة. وارتفعت المساعدات الدولية للأردن على خلفية أزمة اللاجئين، بمقدار نصف مليار يورو تقريبا وهو ما يعادل أكثر بقليل من ثلاثمئة يورو لكل لاجئ. وفي الوقت الذي يمكن أن يساعد فيه زيادة الدعم للأردن وما يتبعه من سلام في المنطقة على الأقل لفترة قصيرة، إلا أن إقرار الغرب المسيحي بأن رسالة المسيح لا تطبق في أي مكان في العالم بهذا الانضباط كما تطبق في الأردن، يمكنه أن يساعد بشكل أكبر وعلى المدى الطويل.