عروبة الإخباري – يرجَّح أن تشهد الأسابيع المقبلة انفراجاً ولو نسبياً في العلاقات الخليجية ــ الإيرانية، في حال وصول العرض الإيراني القاضي ببدء حوار خليجي ــ إيراني في شهر سبتمبر/أيلول المقبل، أو قبل ذلك التاريخ حتى، إلى خواتيمه السعيدة.
مصادر صحفية أكدت أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، قدم خلال جولته العربية التي شملت ثلاث دول خليجية، عرضاً بإطلاق هذا الحوار لحل القضايا الخلافية بين الطرفين، وهو ما دعا إليه المسؤولين في الكويت وقطر وطلب توجيه هذه الدعوة إلى السعودية، وهي الطرف الأكثر تشددا مع إيران في الوقت الراهن.
وتفيد المعلومات بأن الحوار المقترح من قبل ظريف، هو على صعيد وزراء الخارجية، على أن يكون تحت شعار “طي صفحة الماضي المليئة بالخلافات وفتح حوار رسمي لوزراء الخارجية العرب وإيران”. ماضٍ كانت سمته خلال ثمانية أعوام، خطاباً متشدداً للرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد.
العرض لم يلق رداً خليجياً رسمياً بعد، لكن الترجيحات تضع كلاً من الكويت وقطر والإمارات وسلطنة عُمان، من خلال مراجعة مواقفها، من الدول الداعمة لهذا التوجه الحواري، وهو ما قد يرجح أن تؤدي دوراً ما في الموقف السعودي إزاء الدعوة لناحية تلبيتها من عدمه.
ويرجح الدبلوماسي السابق في الخارجية الإيرانية هادي أفقهي أن ظريف طرح في الكويت والدوحة مبادرة من هذا النوع، فقال إنه قدم مقترحا يدعو بداية إلى ترميم العلاقات الثنائية مع الرياض، “وهي العلاقات التي توترت بسبب ما جرى في البحرين وإدخال قوات درع الجزيرة إلى هناك قبل سنوات، وهو ما رفضته طهران بشدة، وعاد وتأزم الوضع إثر أزمة اليمن، ومع وجود خلاف إيديولوجي جوهري بين البلدين، لا يخفى على أحد أن كلاً من الرياض وطهران تتزعمان اليوم قطبين مختلفين في المنطقة، كما تكاد مواقفهما تختلف إزاء غالبية الملفات” على حد تعبيره.
وأضاف أفقهي إن الخارجية الإيرانية تدرك أنه لا يمكن للبلاد أن تلعب الدور الذي تريده أو التعاون مع بقية الأطراف إذا لم تتقارب مع السعودية أولاً، قائلا إنه لا يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي أن تفضل التقارب مع إيران على حساب علاقاتها مع الرياض، وعلى هذا الأساس تتحرك مبادرة ظريف نحو توجيه دعوة للسعودية إلى طاولة حوار إيراني خليجي ستبحث، في حال تمت الموافقة على الدعوة، قضايا خلافية عدة مستقبلا، مشيرا إلى أن “الحوار يعني التقارب والتفاوض”، ومعتبرا أنه “من المبكر الحديث عن صفقات أو مقترحات نوعية في الوقت الراهن”.
وتوقع الدبلوماسي نفسه أن تستفيد طهران من اتفاقها النووي مع الغرب عبر المشاركة بطرح حلول لما يجري في العراق واليمن بالدرجة الأولى، فضلا عما يجري في كل من سورية والبحرين وحتى لبنان، “لكن هذه الملفات سترتب حسب الأولوية وحسب المعطيات، فضلا عن أن طهران ستسعى إلى طرح سيناريو تشكيل تحالف إقليمي لضرب الإرهاب”، قائلاً إن إيران “ستنتظر الرد على مبادرتها ولكن يبقى المحدد الأول الذي قد يواجه هذه الرغبة متعلقا بالرياض”.
يبدو جليا أن الدبلوماسية الإيرانية وضعت سياسة التوجه نحو المنطقة على رأس أولوياتها، وهو ما أكده المسؤولون فور التوصل لاتفاق نووي، إذ تحدث رئيس البلاد حسن روحاني كما وزير خارجيته ظريف، عن ضرورة أن تلعب إيران دورا إيجابيا في عدد من القضايا عبر التعاون مع الأطراف الإقليمية والدولية، وجولة ظريف الأخيرة تصب في السياق نفسه.
يقرأ المحللون في زيارة ظريف للكويت وقطر تحديدا توجها نحو الأطراف الأقل تشددا تجاه طهران، أما في العراق فكان الإرهاب العنوان الرئيس الذي شغل الوزير في محطته الثالثة، حيث التقى بأبرز المسؤولين هناك، فأجمعوا بدورهم على ضرورة التعاون مع طهران، وقال الرئيس العراقي فؤاد معصوم خلال لقائه بظريف أن “تعاون إيران مع العراق وتركيا والدول الخليجية بات ضروريا لتحقيق استقرار المنطقة”.
كما أكد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ضرورة التعاون بما يصب في مصلحة العراق والمنطقة ككل، فيما أكد وزير الخارجية إبراهيم الجعفري، جهوزية بلاده لتأدية دور إيجابي في القضايا الإقليمية والقضاء على الإرهاب.
وفي الوقت الذي أجمع فيه المسؤولون العراقيون على أن الاتفاق النووي الإيراني سيحقق الفائدة لقضايا أخرى، أكد ظريف أنه يحمل “رسالة للجيران في المنطقة تدعو إلى إطلاق حوار يلغي سوء التفاهم بين طهران والآخرين”، قائلا إنه “ليس لدى إيران أي مشكلة مع الجيران” معتبرا أن اختلاف وجهة النظر الإيرانية بخصوص ما يجري في سورية والعراق واليمن “لا ينفي أن أمن إيران يبقى من أمن المنطقة”.
ومع أن المواقع الإيرانية ترى في زيارات المسؤولين الغربيين أهمية اقتصادية بالدرجة الأولى، لكن المسؤولين في البلاد يركزون أكثر على الأهمية السياسية لهذه الزيارات، وهي الأهمية التي عكستها تصريحات منسقة الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي فيدريكا موغريني والتي قالت خلال مؤتمر صحافي عقدته في الرياض، إنها ستخبر الإيرانيين بضرورة انتهاز فرصة الاتفاق لتشكيل إطار إقليمي ينقل العلاقات من المواجهة إلى التعاون وهو ما سيشكل أرضية حل الأزمات في المنطقة، وكررت التصريح ذاته في مؤتمرها المشترك مع ظريف، فذكرت أن ملفات المنطقة تحتاج لإطلاق حوار.
وكانت تصريحات موغريني من طهران قد شددت على دعم الاتحاد الأوروبي للاتفاق النووي “عساه يكون مقدمة لتعاون أوسع مع طهران” على حد تعبيرها. وذكرت موغريني أن تنفيذ الاتفاق النووي “يعتمد على الإرادة السياسية لكل الأطراف المعنية والتنفيذ سيمهد الطريق أمام تعاون أوسع بين إيران والغرب”. بدوره، لفت ظريف في المؤتمر الصحافي المشترك مع موغريني إلى أن “إيران والاتحاد اتفقا على بدء محادثات بشأن قضايا متنوعة”. وأضاف: “ستجرى محادثات رفيعة المستوى بين إيران والاتحاد الأوروبي بشأن قضايا مختلفة من بينها التعاون في مجال الطاقة.. وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب والقضايا الإقليمية”.