هذه الأيام تتناول الصحافة وعديد وسائل الإعلام وكُتَّاب ، موضوع تمدد الأردن خارج حدوده جغرافياً وسياسياً، وهو موضوع أثير فجأة وبدأ الناس في مجالسهم يتحدثون بقوة حوله والكل يغني فيه على ليلاه، وأصبح البعض يناقش الموضوع وكأنه واقع وتوجه أردني . المؤكد في هذه القضية أن الأردن غير معني بما يثيره البعض وقد نفى أكثر من مرة مثل هذه الأخبار التي يتم تداولها مؤكداً حرصه على أمنه واستقراره وعلى أمن واستقرار أمته ، وأن الحوار السياسي هو الطريق الوحيد الذي ينهي حالة التمزق والاقتتال التي تعيشها عديد دولنا العربية. إنني أؤمن بإن خروج أمتنا من حالة الضعف والهوان التي تعيشها وعودتها أمَّة قوية ودولاً آمنة مستقرة ، تحول دون تمكن الأجنبي من العبث بها وبإحلام شعوبها يتمثل بضرورة العمل على وضع استراتيجية عربية للتكامل الاقتصادي فيما بيننا جميعاً ، إستراتيجية تؤمن بأن قوتنا بوحدتنا وتكاملنا . إن الأوضاع الأليمة التي تُمر بها أمتنا العربية ، وحالة الهوان والضعف التي تعيشها ،واستمرارها بالاعتماد على الغير لحل مشاكلها والتحديات التي تواجهها سبق أن حذَّرت من الوصول اليها ، وذلك خلال المؤتمر السابع عشر للاتحاد البرلماني العربي الذي عقد في الدوحة بداية العام 2011 ، فقد أطلقت حينها مبادرة في المؤتمر تدعو إلى التكامل وفتح آفاق التعاون الاقتصادي بين الدول العربية، وأن تكون هناك مساهمات حقيقية للبرلمانات العربية في حل مشكلتي الفقر والبطالة التي باتت تهدد الأمة العربية وكانت المبادرة تحت عنوان «إعلان الدوحة البرلماني الاقتصادي» لكن -للأسف- لم تأخذ هذه المبادرة مداها والتفاعل الحقيقي معها ، وذلك لفشل العمل البرلماني العربي ، وعدم قدرتها على التعامل بجدية ومسؤولية مع مختلف التحديات والصعوبات التي تواجه شعوب أمتنا العربية وهمومها وتطلعاتها. وفي المؤتمر بيَّنت أن الدول التي تدخل في مثل هذا التعاون تجهد في البحث عن قواسم مشتركة وإمكانات بشرية وقدرات اقتصادية، وأشرت إلى أن دول الاتحاد الاوروبي عاشت عقوداً من الصراع والاقتتال ، وما يفرقها أكثر مما يجمعها ، إلا أنها تجاوزت كافة خلافاتها وعملت من أجل أن تكون أقوى فتوحدت كعائلة واحدة ، وبنت توحدها على التكامل الاقتصادي باعتباره الأساس المتين لحل كافة المشكلات التي تواجهها ، وباعتباره الطريق والسبيل الوحيد لرفاه شعوبها وأمنها واستقرارها ، وأكدت حينها أننا في الوطن العربي نمتلك قواسمَ مشتركة في كافة المجالات ، وتتوافر لإمتنا القدرات الاقتصادية ،لذلك نحن من يجب أن يسبق غيرنا في مثل هذا التكامل ، وأكدت في المؤتمر ، على أنه إذا ما استجمعنا قواسمنا المشتركة ، فإننا بذلك نحمي استقلالنا وعروبتنا ، ونوفر الحياة الكريمة للمواطن العربي ونحقق أحلام أمتنا بالوحدة. وعرضتُ حينها مجمل التحديات التي تواجه الأمة العربية وطالبت كافة الحكومات العربية بتطبيق الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة بين الدول العربية والتي باركتها الإرادات السياسية لما لها من دور في تحقيق المصالح العربية المشتركة. وأوضحت أن هنالك متغيرات بدأنا نشهدها ونلمسها في عالمنا العربي، لها دلالاتها وأبعادها ولا بد لنا من بحثها وإعطائها الأولوية والأهمية التي تستحق ، وان ما تشهده العديد من البلاد العربية من احتجاجات واعتصامات ومظاهرات – بغض النظر عن مسمياتها وأماكن حدوثها- تعود الى عوامل عدة، منها: السياسية والاقتصادية، وهذا الأمر يحتم إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية ، تكون روافع للنظام السياسي العربي بشكل عام ، وفي كل بلد عربي بشكل خاص ، وأكدت على ضرورة إجراء إصلاحات اقتصادية مترافقة مع الإصلاحات السياسية لمواجهة كافة التحديات المتمثلة بشكل أساس في مشكلتي الفقر والبطالة ، وهذا يتطلب من كافة الدول العربية وضع خلافاتها جانباً وإيلاء الشأن الاقتصادي العربي الاهتمام الأكبر ، من أجل صياغة مُستقبل واعد للإجيال القادمة، على اعتبار أن المستجدات التي تشهدها الساحة العربية تستوجب تناول موضوع التكامل الاقتصادي العربي، خاصة من قبل البرلمانات العربية عبر تعاون وثيق فيما بينها باعتبارها الأقرب للشارع العربي والأقدر على تلمس وإدراك أحواله. وإنني هنا ومن أجل الحفاظ على أمن واستقرار دولنا العربية ، وإعادة الأمن والاستقرار للدول التي فقدت هذا الاستقرار، أؤكد اليوم -كما أكدت في مؤتمر الدوحة- أنه لا بد من بناء علاقات اقتصادية استراتيجية طويلة الأمد بين الدول العربية ، وتفعيل دور القطاع الخاص في التنمية ، حيث بينت حينها أيضاً أنه ونحن نتحدث عن الأمن والاستقرار في أوطاننا وعن المصالح العليا لها ، فإننا ندرك الحاجة الى أهمية أن نؤسس لاستراتيجية تحمي عالمنا العربي من التدخل الأجنبي ، بحيث تكون هذه الإستراتيجية لكافة شؤوننا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية ، واقترحت لأجل المساهمة في تحقيق ذلك ، ضرورة تشكيل لجنة برلمانية لدراسة إمكانية وضع هذه الاستراتيجية وآليات تنفيذها ، وأن يكون هناك مؤتمر خاص برؤساء البرلمانات العربية إسوة بما تقوم به البرلمانات الدولية ، للوقوف على القضايا التي تُهم الشعوب العربية واتخاذ الإجراءات اللازمة حيالها ، لكن هذه المبادرة وجملة الاقتراحات التي تقدمت فيها ذهبت أدراج الرياح ، وذلك لعدم جدية العمل العربي المشترك خاصة البرلماني منه ، وأصبحت دولنا العربية كافتها مهددة بأمنها واستقرارها من قبل قوى الإرهاب والتطرف ، ومهددة بإعادة ترسيم حدودها وتقسيمها. ونحن نتحدث عن التكامل الاقتصادي بين دولنا العربية وضرورة تعزيز العلاقات التشاركية فيما بينها في كافة المجالات ، فإنني أشير هنا الى أن علاقة الأردن مع الأشقاء العرب خاصة دول الخليج منها شكلت على الدوام إنموذجاً في العمل العربي المشترك ، فقد أسس الأردن علاقاته مع دول الخليج وفق استراتيجية ثابتة ، أساسها المصالح المتبادلة والهم الواحد والمصير المشترك، ووفق هذه الرؤية وهذه الاستراتيجية فقد كانت دول الخليج العربي تشكل دوماً عمقاً استراتيجياً للأردن ويشكل الأردن عمقاً استراتيجياًلها ، وإنطلاقاً من حرص الاردن الدائم في الحفاظ على هذه العلاقات الأخوية المُمتدة عبر عقود طويلة ، لم يتوانَ يوماً وفي أية لحظة مهما كانت ظروفه عن نجدة ونصرة الأشقاء العرب ومساعدتهم في المحن التي ألمَّت بهم، فروت دماء جنوده الطاهرة الزكية كل بقعة عربية دفاعاً عنها وعن سيادتها واستقرارها وكرامة شعوبها، واستمر ايضا في التصدي لعصابات الإجرام ، ومنع تجار المخدرات والسلاح من اختراق أمنه وأمن دول الخليج العربي. واليوم وبسب الظروف الصعبة والدقيقة والأخطار التي تحدق بإمتنا، بات الحديث في الدوائر المغلقة يدور حول تقسيم منطقتنا ورسم خرائط جديدة لها ، وما يجري في العراق وسوريا واليمن وليبيا يؤشر على ذلك ، فقد عاهد الأردن نفسه وأمته بأن يبقى صمام الأمان لها كما كان على الدوام . ولأجل ذلك كان في طليعة الدول في الحرب على قوى الإرهاب والتطرف لمنع تسللها الى بلدنا ودول الخليج العربي، ومن أجل الحفاظ على أمنه وامن دول الخليج العربي يرابط جنوده على الثغور، للتصدي لهذه القوى الظلامية التي أصبح خطرها يهدد الجميع، وهذه المواقف القومية والعروبية كانت نهجنا ، ونهج قيادتنا الهاشمية على الدوام ، لكن الأردن اليوم يمر في ظروف اقتصادية صعبة بسبب ما يجري في محيطة ، وبسبب الدور القومي والعروبي الذي يقوم فيه دفاعاً عن عمقه العربي ، وهذه الأعباء الاقتصادية التي يمر بها الأردن ألقت بظلالها على حياة مواطنيه المعيشية والحياتية ، وزاد من هذه الأعباء ما تحمله الأردن نيابة عن أمته وإخوته وقيامه باستضافة ملايين اللاجئين السوريين وغيرهم ، لذلك يجب ألا يُترك الأردن وحيداً في مواجهة هذه الظروف الاستثنائية والتصدي لقوى الإرهاب والتطرف خوارج هذا العصر،رغم قناعتي الأكيدة بأن علاقاتنا مع الأشقاء في الخليج هي علاقات راسخة وقوية واستراتيجية . في الأردن لا ننكر دعم الأشقاء في دول الخليج العربي لنا وفي طليعتها المملكة العربية السعودية ، وقد كانت هذه المساعدات محط تقدير من قبل الشعب الأردني ، وانعكست آثارها بشكل إيجابي على المواطن الأردني ، وساهمت في نهضة الاردن في العديد من المجالات، لكن الاردن يعاني اليوم من ظروف اقتصادية صعبة تحتاج الى وقفة جادة لجانبه من قبل أشقائه في محنته التي يمر يها ، فالأشقاء يعرفون أن الاردن يعاني من فقر حاد في موارده الطبيعية ، وعجز كبير في الموازنة العامة بفعل أسعار الطاقة ، ولذلك لن يكون باستطاعته الاستمرار في توفير المياه والغذاء والدواء للاجئين السوريين وغيرهم على أرضه ، ولن يستطيع وحده مواجهة خوارج هذا العصر ، إذا لم يجد المساعدة العاجلة من أشقائه في دول الخليج ، ومن المجتمع الدولي عموماً. ومن منطلق حاجة الأردن الى دعم الاشقاء فإنني أؤكد هنا أيضاً، على حاجة الاردن إلى قيام دول الخليج العربي بفتح أسواق العمل فيها للاردنيين ، وإلى زيادة الاستثمارات الخليجية والعربية على أرضه، استثمارات نوعية تعمل على تشغيل الأيدي العاملة ، للتخفيف من مشكلتي الفقر والبطالة ، على أن تكون هذه الاستثمارات مبنية على قاعدة ان الاستثمار في الاردن والمغرب مثلاً ، هو استثمار في الأمن الوطني العربي عموماً وأمن دول الخليج خصوصاً ، انطلاقاً من المسؤولية التشاركية في الحفاظ على صمودنا العربي ، وانطلاقاً من المسؤولية العروبية والقومية في عدم ترك الأردن والمغرب وحدهما في هذه الظروف الدقيقة ، وذلك لتمكينهما على الدوام من الاستمرار بدورهم الطليعي في خدمة الأمة ، وحتى لا يكون شبابهما فريسة سهلة لقوى الإرهاب والتطرف ، وفي هذه الظروف فإنه من مصلحة الجميع دعم الأردن وعدم تركه وحيداً في مواجهة قوى الإرهاب والتطرف ، وحتى لا يتطاير شرر هذه القوى الظلامية في كافة الاتجاهات. وحتى يبقى الأردن قلعة صمود عربية كدأبه دائماً ، وليبقى الحصن المنيع في وجه أعداء أمتنا خاصة دول الخليج العربي ، وليستمر بدوره الإنساني والعروبي في مساعدة اللاجئين والمستضعفين من أبناء أمته ، فإن حاجته الآن إلى دعم الأشقاء والمجتمع الدولي هي أكبر وأكثر مما مضى ، ونحن كافة على ثقة بالأشقاء والأصدقاء بأنهم لن يتخلوا عن الأردن .
فيصل الفايز/التكامل الاقتصادي… مفتاح قوتنا واستقرارنا
11
المقالة السابقة