عروبة الإخباري – كتب خالد البحيري – عشر سنوات قضاها فضيلة الدكتور شوقي إبراهيم علام مفتي الديار المصرية في السلطنة كان خلالها عضوا في هيئة التدريس بمعهد العلوم الشرعية ورئيسا لقسم الفقه وأصوله، ولا يزال يختزن في مخيلته الكثير من الذكريات عن عمان وأهلها، وعن المذهب الإباضي..
قال: عشت في رحاب عمان 10 سنين فما وجدت إلا كل خير على كافة المستويات سواء من طلابه أو إدارة المعهد أو الشعب العماني المتسم بالتصالح مع نفسه والتسامح مع الغير.
المؤسسة الدينية
وأضاف: المؤسسة الدينية في مصر والمتمثلة في الأزهر الشريف، منبر الدعوة للعالم ولها قبول كبير في جميع أنحاء العالم وهي الضمانة الوحيدة للإسلام الوسطي ليس في مصر وحدها ولكن في العالم كله من خلال المليار ونصف المليار مسلم.
وتابع: نعاني من حالة استعداء وتشويه غير عادية ضد الإسلام تشنها وتمارسها كثير من وسائل الإعلام الموجهة وبخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، ولا بد لنا من التواجد بصورة حقيقية مع المسلمين بالخارج، لتصحيح الفهم الخاطئ عن الإسلام. وإلى تفاصيل الحوار..
جئت من المؤسسة الأزهرية لتدريس الفقه في السلطنة.. كيف وجدت المذهب الإباضي؟
لم أكن أعلم عن المذهب الإباضي قبل أن آتي إلى عمان إلا فكرة موجزة وأنه المذهب الرسمي للسلطنة، لكنني قرأت الكتب المتخصصة في المذهب وبعضا من علم أصول الفقه والعقيدة.. وكانت المفاجأة أن كل ما قرأته كان بخلاف ما سطر عن المذهب من قبل أصحاب المذاهب الأخرى، ولذلك كانت نصيحتي لطالب العلم ألا يأخذ المعرفة إلا من مصادرها الأصلية وكتب علمائها فضلا عن السلوك العام لأصحاب هذا المذهب.
ماذا عن فترة اقامتك في السلطنة؟ وكيف وجدت أهلها؟
عايشت عمان شعبا في الشارع والبيت وجيرة ووظيفة عامة وعايشته طلابا، فما وجدت إلا السلوك القويم الذي يستحق التقدير والثناء، فتجانس النظر مع التطبيق، والفكرة مع الواقع، وترسخت لدي قناعة بضرورة أن يعاد النظر من جديد في التاريخ الإسلامي كله، لا في تاريخ الإباضية فقط، بل في تاريخ كل المذاهب الإسلامية.
ونحن على ثقة تامة بأن الكثير فيما بيننا نستطيع أن نتعايش من خلاله، وبين المذاهب الإسلامية قدر كبير من التفاهم يمكن أن يكون أرضية للتعايش، لكن يحتاج الأمر إلى حسن نية، وتدبر من أصحاب العقول الراجحة لكي نرجع إلى عهدنا الأول عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس في منطقة الاجتهاد الكثير من الاختلاف إنما هي وجهات نظر يمكن أن تحتوي الواقع في كل أرجاء الدنيا، بتسامح ودون تعصب، لو قرأنا منطقة المختلف فيه بروح الفقيه والقواعد الضابطة لا نجد في الحقيقة أننا أمام خلاف كبير، فليس المنطقة واسعة جدا في الاختلاف إنما هي قريبة جدا من التوافق والعيش المشترك.
نور الدين السالمي
ذكرت أنك تعمقت في المذهب الإباضي وأنت في عمان.. ماذا عن هذه الفترة؟
المذهب الإباضي من أقدم المذاهب الإسلامية، عكف على بحثه وتأصيله والتعمق فيه عدد كبير من العلماء على اختلاف العصور، ومما قرأته من كتب المذهب كتاب “النكاح” فوجدت صاحبه ذا عقلية متميزة كبيرة يميل إلى إعمال العقل إلى بعد حد حتى إن خالف شيوخه وأقرانه، وهي منزلة كبيرة في الحرية العلمية دون تعصب أو تقليل من شأن الشيوخ، وقد شغفت بتأليف مجدد العصر الإمام نور الدين السالمي رحمه الله تعالى فقرأت له كتاب معارج الآمال، وعندما تطالع هذا الكتاب رغم أنه لم يكتمل تجده موسوعة علمية عميقة ولو أن القدر شاء للإمام السالمي إكمال كتابه لكان للفقه الإباضي شأن جديد مختلف عن التآليف السابقة، وقرأت أيضا لصاحب كتاب نثار الجوهر الذي ألف كتابه بمنهجية غريبة لم نعهدها في التآليف السابقة إنما أتى بمنهج جديد كأنك تقرأ كتابا ألف اليوم، مع عمق في التحليل وإحاطة بالمسألة إحاطة تامة، ولو أن القدر شاء لهذين الكتابين أن يكتملا لكان للمذهب شأن آخر الآن، لكن الأمل لا ينقطع، فجاء على رأس المذهب الآن سماحة الشيخ العلامة الكبير الخليلي، ولا نقول إن الشيخ بفتاويه المقربة جمع بين أهل عمان فحسب بل بين العالم الإسلامي كله، ونحن كطلبة علم نلمس ذلك ونلحظه جيدا، من خلال فكره الذي ينبني على التقريب، والأمل معقود على شباب عمان في أن ينهض وأن يكون عميقا في دراسته.
الإقناع العقلي
بصفتك عضوا في هيئة كبار علماء الأزهر.. كيف ترى المخرج من حالة التطرف التي تضرب المنطقة العربية؟
المؤسسة الدينية المصرية متمثلة في الأزهر منبر الدعوة والذي له قبول كبير في جميع أنحاء العالم، هو الضمانة الوحيدة للإسلام الوسطي ليس في مصر وحدها ولكن في العالم كله، وما تقوم به من دور وطني ومجهودات من أجل مصلحة مصر والمصريين هي محل تقدير من الجميع في الداخل والخارج.
وهنا يجب أن ننتبه إلى أن غياب الإقناع العقلي عن الخطاب الديني يقلل من دوره الدعوي ومن قيمته، وبالتالي لابد من تفعيل دور العقل حتى يتسنى لنا أن نحارب الأفكار المتطرفة فتجديد الخطاب الديني أصبح ضرورة ملحة، ولكن يجب أن يتم ذلك دون المساس بالثوابت الدينية، وأن يكون عبر تجديد الطرق والأساليب الأدوات التي تُعرض بها الأحكام الشرعية والمفاهيم والتعاليم الإسلامية، وإزالة اللبس عن بعض الأمور التي قد تُلتبس على الناس.
تتزايد التخوفات من الإسلام في الغرب، بسبب ممارسة “تنظيم داعش وأخوانه”.. كيف نسهم في تصحيح الفهم الخاطئ عن الإسلام؟
بالفعل نعاني من حالة استعداء وتشويه غير عادية ضد الإسلام تشنها وتمارسها كثير من وسائل الإعلام الموجهة وبخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، ولا بد لنا من التواجد بصورة حقيقية مع المسلمين بالخارج، لذا فعلى الجميع التعاون مع المؤسسات الدينية وأن يوجهوا الطاقات الكبيرة إلى تصحيح صورة الإسلام إعلاميا ودعويا بمختلف الألسنة واللغات، بدلاً من حالة الإثارة واللغط، وتفعيل دورنا جميعًا من خلال تكاتف كل هذه الجهود المبعثرة في شكل منضبط ومنظم للمساهمة في تصحيح الصورة والمفاهيم المغلوطة المشوهة ومن ثم تخفيف ما لحق بالإسلام من عداء وتشويه يقوم به أعداؤنا في الداخل قبل الخارج.
فوضى الفتوى
تعاني الساحة المصرية والعربية من فوضى الفتوى وتصدر غير المتخصصين لها.. ما هي استراتيجيتكم لعلاج هذا الأمر؟
نتيجة لفوضى الفتاوى، التي تلبس على الناس أمر دينهم قررنا عقد دورات لتدريب شباب العلماء على الفتوى، وتخرجت أكثر من دفعة، أضف إلى ذلك أننا استشعرنا خطر الجماعات المتطرفة من خلال فتاويهم الشاذة وآرائهم التكفيرية فأنشأنا المرصد التكفيري لرصد كل ما يقولون وللرد عليهم وفق منهج علمي رصين، وتوصيل صورة صحيحة للناس لتجفيف منابع إمداد هؤلاء المتطرفين بالشباب المغرر بهم، أيضًا لم يتوقف الأمر على الداخل فحسب فقد قررت دار الافتاء المصرية إيفاد علمائها إلى الخارج لعلاج ظاهرة الإسلاموفوبيا وتصحيح صورة الإسلام بالخارج والتواصل مع المسلمين هناك والتفاعل مع قضاياهم، علاوة على إمدادنا للجميع بالنتاج العلمي للدار سواء من خلال المطبوعات باللغات المختلفة أو من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.
بالإضافة إلى إرسال قوافل من علماء دار الإفتاء المصرية للقيام بجولات خارجية تجوب خمس قارات لنشر الفكر الصحيح، وتوضيح العديد من المفاهيم التي يستغلها المتطرفون وأعداء الإسلام في تشويه صورة الإسلام والمسلمين في الخارج.