تتحدث أوساط «الإخوان المسلمين» والناشطين القريبين من الجماعة عن صدام محتدم داخل الجماعة، ليس من بين نتائجه المحتملة أي خيار يتعلق بالتهدئة أو القبول بالأمر الواقع، إذ يتصارع فريقان داخل الجماعة على التطرف أكثر.
وبالنسبة إلى تنظيم سياسي يرفع راية الدين في مواجهة الحكم كجماعة «الإخوان» تعرض لأزمة حقيقية وإحباط هائل وفشل ذريع بعدما استغل ما جرى في 25 كانون الثاني (يناير) 2011 وقفز إلى السلطة لكنه لم يستطع البقاء وأزيح بفعل إرادة شعبية جارفة وجيش قوي استجاب لزحف الجماهير على الشوارع والميادين، طبيعي أن يعاني التنظيم مشاكل داخلية، وأن ينشأ صراع بين جناحين داخله، وأن تتباين الآراء بين قادته وعناصره في شأن أسباب الفشل والإحباط والهزيمة، وكذلك سبل علاج ما جرى، وطرق استعادة النفوذ والهيبة والشعبية والعودة إلى واجهة الأحداث.
ويبدو أن الهدف الحقيقي من الترويج لحكاية الصراع تلك أن يقتنع الناس بأن المرشد الحالي محمد بديع وفريقه هم «الحمائم»، وأن البديل سيكون تولي «الصقور» قيادة الجماعة. وما لا يدركه «الإخوان» أن المصريين لا ينظرون إلى الأمر من الزاوية نفسها التي ينظر منها «الإخواني» في كل مكان إليه، ولا فرق لدى المصريين ما إذا كان الصراع داخل «الإخوان» بين إصلاحيين وراديكاليين، أو بين منتقدين للسياسات التي أوصلت الجماعة إلى ما هي عليه الآن وبين مبررين يعتقدون في سلامة كل سياسات وإجراءات وأفكار الجماعة أو بين جناح رأى أن الجماعة ارتكبت أخطاء أثناء حكمها لمصر ويعترض على الاستمرار في الخطأ بعد فقد الحكم، أو يرفض الدخول في المحظور باعتماد العنف وسيلة لمعالجة الفشل بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي من جهة وبين فريق متشدد مُصر على نظرية المؤامرة الكونية التي تعرضت لها الجماعة، ومصمم على استمرار المواجهة مع الحكم، وحريص على تحالفات أعمق مع جماعات العنف الديني مثل «أنصار بيت المقدس» وولاءات لجهات ودول خارجية كتركيا وقطر، وإنما الصراع بين فريق متشدد وآخر أكثر تشدداً!
«الإخوان» لدى المصريين فريق واحد يدعي السلمية ويعتقد بأن سيطرته على التنظيم كفيلة بأن يحقق للجماعة احترامها بالعودة إلى حكم مصر، وفريق يعتقد بأن الحديث عن السلمية في العلن وإشعال البلد بالحرائق وضرب أبراج الكهرباء ومحطاتها وتقطيع وسائل النقل وقطع الشوارع واستهداف رجال الجيش والشرطة والقضاة سينطلي على الناس وسيحقق المراد. وإذ ظهر فريق آخر يعتقد أن الأوان آن لمحو كلمة السلمية، حتى لو كانت مجرد شعار أو لافتة من البيانات الإعلامية، ويجهر بتبني الجماعة العنف وسيلة لتحقيق أهدافها والدخول في مواجهات مسلحة مع قوى المجتمع فلن يقابل من جموع المصريين إلا بمزيد من الإصرار على إقصاء الجماعة.
حتى لو صحت المعلومات عن ذلك الصراع المزعوم فإنه بين شيوخ الجماعة من «القطبيين» وبين شبابها «الثوريين». وسواء انتصر هذا الفريق أو ذاك فلا فارق. فالمغزى أن الجماعة تصر على التصعيد وتتوهم بفريقيها المتصارعين أنها ستسقط النظام بضرب أبراج الكهرباء أو الاعتداء على القطارات أو تحطيم قاعات المحاضرات في الجامعات أو رمي «المولوتوف» على رجال الشرطة، معتقدة بأن هذا يلقى ترحيب الناس ويشجعهم على الثورة على النظام، أو أن شتم السيسي ورجال الحكم أو التشهير بكل من يتعامل مع مؤسسات الدولة أو ينتمي إليها سيعجل بالثورة!
نحن أمام حالة فريدة في التاريخ السياسي لتنظيم يخسر ويصدق أنه يربح، وجماعة فقدت شعبيتها التي كانت بالفعل واقعاً على الأرض، وتتوهم أن الجماهير خلفها وأن الناس يتنظرون إشارة من هذا المرشد أو ذاك ليغيروا النظام.
توعد «الإخوان» بإشعال مصر في مناسبات عدة منذ إزاحتهم عن الحكم، وبمرور الوقت ظهر أن قوتهم على الأرض تضعف شيئاً فشيئاً، وأن تأثيرهم يقل درجة ودرجات، وأن نجمهم يأفل يوماً بعد يوم. وحتى إذا استمرت تركيا تساندهم وقطر تدعمهم و «الجزيرة» تناصرهم، فإن واقع الأمور يشير إلى أن أحوال الناس في مصر تتحسن، ولو ببطء، وأن اللعب على وتر الفقر وسوء الخدمات وصعوبة المعيشة لن يدفع الناس كي يستجيروا من الرمضاء بالنار، خصوصاً إذا كان الناس من الأصل لا يعتبرون أن هناك ناراً إلا نار «الإخوان»!
محمد صلاح/الصراع الوهمي لدى «الإخوان»
13
المقالة السابقة