يترك لنا مركب الصراعات المحتدمة في منطقتنا بصيص أمل في أن نخرج، من ساحاتها، بذخيرة ما، سياسية وثقافية واجتماعية، لمستقبل منيع نتمناه لأمتنا. ففي العراق صراعات داخلية تحتدم على كل جبهة حتى بين رفاق السلاح في الخندق الواحد.
فالمكون الشيعي فيه منقسم على نفسه بين موال لإيران؛ وآخر للعراق نفسه؛ وثالث تعمل عناصره على خدمة نفسها، ولو من خلال النهب والقتل ولتدمير، معلنة دائما إخلاصها للمليشيا ذاتها التي ينتسب لها هؤلاء الأفراد. والجميع يمتشق السلاح المنهوب أيضا مستعدا لاستخدامه في كل وقت.
أما جيش العراق فجيش منهك بالصراعات والسياسات والأحقاد، المنقسم، هو الآخر، بين ولاءات لمراكز قوى داخلية تعمل كما لو كانت وكيلة للشيطان؛ وبين ولاءات خارجية همها الأول تفكيك العراق كدولة ذات إمكانات مالية وبشرية وعلمية كبيرة يمكن، لو أتيحت لها فرصة، أن تشكل خطرا على كل من يريد بها وبشعبها شرا. هذا الجيش تهزمه مجموعات داعش في كل مواجهاته معها: في ديالى وكركوك، وصلاح الدين والأنبار، وحتى في بابل- جرف الصخر- ولسببب بسيط وهو أن مجرمي هذا التنظيم لا ينتسبون للأرض ولا للناس فوقها، همهم الأول القتل والتدمير وزرع الرعب منهم يحقنون به المكان وسكان المكان ثم يتركون كليهما لقوات وطنية مضلله تأتي عليهما وتدمرهما لحسابهم.
أما أهل الأرض المستهدفة فمحرومون، كما لو بخطة مسبقة، من كل وسائل الدفاع عن أنفسهم وأهلهم وتراثهم. فهم متهمون دائما من قبل داعش نفسها وحكومة الجيش الذي يفترض فيه أن يحميهم، فصار يتمنى لو تخلى عنهم في أوقات الرخاء قبل أوقات الشدة، بما يجعلهم هدفا رخوا لكل مستهدف.
أما القوى خارج العراق، وخاصة إيران صاحبة الأمر وقوة التدخل في شؤونه الداخلية، والولايات المتحدة صانعة هذه الساحة المفتوحة لكل عدو، فتعملان، منفردتين أو متفقتين، على استخدام هذا الوضع المتفكك، لتحقيق أهدافهما فيه وفي المنطقة كلها خارجه.
أمس تقدم عضو الحزب الجمهوري، ماك تورن بيري، للكونغرس الأمريكي بمشروع قرار يقضي بتفويض الدفاع الوطني الأمريكي لعام 2016 بتمويل مباشر لقوات أمنية عشائرية سنية، وقوات الحرس الوطني في محافظات غرب وشمال العراق السنية أيضا، على أن تعامل تلك المحافظات، تسليحا وتمويلا، كدولة ليكون تدخل كهذا ضمن الاشتراطات الدستورية الأمريكية.
وقد اثار هذا التحرك الأمريكي ردود فعل غاضبة، شيعية في أكثرها، على اعتبار أن أمريكا تريد تقسيم العراق، كما لو أن العراق ليس مقسما حتى الآن؛ وكما لو أن المليشيات الشيعية إيرانية الولاء لم تبن كل تصرفاتها اعتمادا على هذه القاعدة التي تنطلق من أن العراق مقسم فعلا لصالح دول وسياسات ليست عراقية.
ومع كل هذا الحقد النازف، نرى بوادر وعي وطني لدى العراقيين على ما يراد بهم. وهو وعي يتراكم بسرعة فائقة. ولنا بصيص أمل في أنه سيبني كتلته الحرجة في يوم قريب، ليتصلب أمام هذا المرض فينتصر عليه ليعود ليبني نفسه بنفسه ليكون كما كان قويا صلبا يقف إلى جانب الأمة فتلتف حوله.
أما في سورية، فإن الأمل أخذ يكبر في أنها ستخرج من محنتها قريبا. هناك بوادر كثيرة لذلك، أهمها تجمع فصائل المعارضة المعتدلة، وجبهة النصرة ذاتها، لتخرج النظام، وأحيانا النظام وداعش، من حصونهما الواحدة، في حوران والجولان، وفي إدلب وسهل الغاب وحماة. وقد أثبتت أحداث الصراع أن النظام وداعش حليفان في حقدهما ضد سورية والسوريين. بان ذلك، واضحا، في معارك مخيم اليرموك والجولان وجسر الشغور.
نذكر، هنا، أيضا، أن ثمة جهدا كبيرا يبذل اليوم لجمع المعارضة السورية المعتدلة حول مجلس تمثيلي واحد يتحدث باسم سورية وشعبها وجيشها الوطني، يناضل من أجلهم، جميعا، ضد نظام لا علاقة له بسورية العربية. ذلك ما نراه يخطط لوضعه موضع التنفيذ في اجتماع المعارضة القادم في الرياض عاصمة عاصفة الحزم. وهي خطوة مهمة ذات مصداقية تحدث لأول مرة في تاريخ العمل العربي المشترك تمثله عاصفة الحزم وما سيبنى عليها مثل تشكيل القوة العربية المشتركة التي تبحث الآن وبروح جديدة تتناسب والتحديات التي تواجه الأمة. هذه وكل الترتيبات اللازمة لوضعها موضع التنفيذ وبسرعة لم يحسب لها المعادون لحركة الأمة حسابا من قبل. وهم يرون الآن بأن العرب يتعافون بخروجهم من هذه الفوضى بروح جديدة صلبة سقاها الحقد الذي رُشِقوا به بلا ترو أو هوادة.
لنا أمل كبير وليس مجرد بصيص أمل في أننا اكتسبنا بكل ذلك، وعلى مهل، مناعة جديدة دفعنا ثمنا غاليا لها، لنكون أشد وأقوى مما كنا في تاريخنا القريب والمتوسط، وأصلب على المقاومة والاستجابة الفاعلة لشروط الصراع.