حين لايبقى غير الحوار فسيذهب الجميع إلى الطاولة، إنها المكان المقدس الذي تأنس له العدالة وأوجده الله وهو الحق الذي يتوجه ضمير خلاق.
في هذا الجو العابق بالاسى اذن، تمد يدها سلطنة عمان في مبادرة تجعل من الكلام من جديد مادة لتقريب وجهات النظر ومن ثم اعادة التوافق على ان القوة ليست حلا. لقد انشغلت السلطنة بسلطة الحوار باعتباره المخرج، والأمان، والحقيقة التي لايثبت غيرها .. وهاهي كعادتها تقول ماعندها منه، تسمي الاشياء باسمائها، وتتقدم عندما يبدي الآخرون تطلعا اليها.
العالم كله في حاجة للمسة حنان منها، هو الاقرار بأنها في الموقف السليم وفي المكان الذي تحتاجه كل الأطراف، فهي بالتالي حاجة ماسة في ظروف حساسة وخطيرة، وهي ايضا قوة ايمان بأن المدخل الى الخلاص تأمين المبادرات بكل القيمة المعنوية التي تعنيها.
لاشك انها فرصة للفوز بما قد تجترحه السلطنة إيمانا منها بأن للخير وجها يفترض اليوم تلمسه كي نتجنب الأصعب. صحيح ان المنطقة تمر بمصاعب وانها استهلكت اعصابها، الا ان الايمان يظل مفتوحا على هواه، وادراك اللحظة التاريخية يتطلب شجاعة ليس مثل السلطنة من يمثلها في هذه الظروف.
ولا بد ايضا وايضا من ان عمق المسؤولية يحتاج لقرار كبير، وبقدر ماللانسانية نداؤها الحار، فان لها ماهو اعمق، وهو الخلاص البشري، بل التخلص من الازمات التي تحدق به وتمنع قيامة سلامه.
لقد أزف الموعد الذي يتطلب موقفا شجاعا كما قلنا، وفي حالة التنبيه من الأخطار، يكون الواقع قد بلغ مرحلة يسأل فيها كل واحد عما فعله. لايراد مثلا سيادة صمت القبور كما هو حال جامعة الدول العربية التي نسيناها جميعا، ومن حقنا ان نطالب باعادة النظر بوجودها كمؤسسة راعية للعرب، فاذا بدورها ان لم يكن صمتا، ممارسة بعض العدوانية ضد بعض أعضائها، كما حصل مع ليبيا، او مع سوريا، والحبل على الجرار في هكذا مناخ تعيشه تلك المؤسسة المشلولة الأداء.
يتطلع الوطن العربي الى حاله، وليس من يجيبه على اسئلته المصيرية، لامن جامعة الدول العربية ولا من اي مكان، فتظل العيون شاخصة باتجاه السلطنة التي قدمت دائما خبرة هائلة من اجل مصير الشعوب وخصوصا مصير المنطقة، وكان لها في ذلك دلالات برهنت على عمق ماهي فيه وما تعمل من أجله.
وليس العرب من يتطلعون الى المبادرة الكريمة من السلطنة، بل العالم كله بات يعرف، حرصها على تسوية القضايا بصبر المؤمن، وبحتمية الخروج من الضرر .. لكأن ثمة نداء انسانيا متوجها اليها دائما كلما احتاج الانسان للتغيير وخصوصا في المنطقة العربية التي تنظر اليها السلطنة على انها مساحة اخوة يفترض لها ان تظل كذلك.
بكل الحرص إذن، قيل الكثير عن المبادرة العمانية وربما أيضا كما قيل تتحول أرض عمان لاستقبال أهل المتحاورين، وهي دائما تنشد الجمع وتعمل من أجله كثابت من ثوابتها المتعددة.
زهير ماجد/السلطنة في لحظات الخيار
14
المقالة السابقة