عروبة الإخباري – ناقشت ندوة تطور العلوم الفقهية «فقه العصر: مناهج التجديد الديني والفقهي» في أولى جلساتها أمس إمكانية الحراك والتجديد في المذاهب الإسلامية وأكدت على أنه آن الأوان للانتقال إلى الجانب العملي في الأصول والفقه، فالواقع تحكمه الآن أساليب الغلاة والمتطرفين حتى كادت أن تكون هي المعتمدة في التعبير عن الإسلام.. مشددة على وجوب أن ننفي عن الإسلام تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.
في جانب «العرف» يظل التجديد بإمكانياته النظرية والحالية والعملية وبمدركاته الشرعية وقواعده المنضبطة الإطار الأمثل في توجيه نظرية العرف وإحكام سيرها وتدقيق أدائها بما يحقق مقاصد العرف وغايات الأحكام ومصالح الناس. وبما يهيئ أرضية تطبيق الدين وتحكيم النصوص والقواعد وجلب المصالح ودرء المفاسد وتقرير المقاربات الاجتهادية المناسبة.وأوضحت الندوة أن «العرف» يمثل باعتباراته الشرعية والإنسانية والواقعية مفردة مهمة قد استوعبها العمل التنظيري والأداء التنزيلي وارتقت بموجب ذلك إلى مستوى النظرية الجامعة والمؤسسة لسائر مشتملاتها ومتعلقاتها والموجهة لاختياراتها وتوجهاتها في مجالات تحكيم العرف واعتماده في الفهم والتطبيق وفي الفتوى والاجتهاد وفي السياسة والاجتماع وفي غير ذلك مما يجري فيه العرف من الحوادث والأفعال والأقوال والتروك والتصرفات.
وطرحت الندوة نظرية الاستحسان عند الفقهاء وإمكانية التجديد ومما يدخل في هذه النظرية «عملية التلقيح الصناعي» التي كما بينتها إحدى الأوراق المقدمة بأن مشروعيتها ثبتت استحسانا.
وبينت شروطها بوجود داعٍ طبي لإجراء هذه العملية بحيث تتعذر جميع وسائل العلاج الأخرى التي يمكن أن تجرى بها عملية التلقيح الطبيعي وأن يحتاط في إجراء هذه العملية غاية الاحتياط بحيث تمسي معها المفاسد المتوقعة نادرة أو حتى موهومة.وأن يكون هناك ضرورة لإجراء هذه العملية أو حاجة تقرب من درجة الضرورة كون الحاجة تنزل منزلة الضرورة وعليه فإذا كان للزوجين أبناء وذرية فلا يصح إجراء هذه العملية إذ لا ضرورة لها حينئذ، على أن يقوم بإجراء هذه العملية طبيب مختص حاذق عدل ثقة، وأن يراعي في ذلك درء المفاسد بقدر الإمكان، فكلما كان انكشاف الجنس على نظيره ممكنا، كان مقدما على انكشاف الجنس على غير نظيره، والطبيب المسلم الثقة مقدم على غير المسلم الثقة، شرط أن لا يكون في هذه العملية إضرار بالجنين جسميا أو نفسيا أو عقليا.
وبينت الندوة «التكييف الفقهي» الذي هو رد المسألة إلى أصلها الشرعي وأن اختلاف التكييف سبب مهم لاختلاف الفقهاء ودقته تقلص دائرة الخلاف سواء كان في القضايا السياسية أم الاقتصادية أم غيرها من القضايا. مشيرة إلى أن النية والأعراف وخصائص العقود لبنات في بناء التكييف الدقيق مع الاستفادة من لفظ العقد دون شك، وأن آليات التكييف تؤثر على الحكم التكليفي دائما وعلى الحكم القضائي حينما تظهر النتيجة.
وكانت الندوة قد افتتحت أعمالها بفندق جراند حياة مسقط تحت رعاية معالي الشيخ محمد بن أحمد الحارثي مستشار الدولة وبحضور عدد من أصحاب المعالي الوزراء وعدد من أصحاب السماحة مفتيي الدول العربية والإسلامية وعلماء من دول مجلس التعاون والدول العربية والإسلامية ورؤساء بعض الجامعات العربية.
مفتي عام السلطنة: الفقهاء مدعوون لقول كلمة حق تعالج مشكلات الأمة –
قال سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي مفتي عام السلطنة في كلمة له في افتتاح الندوة: إنه من حسن الحظ أن يكون انعقاد هذه الندوة المباركة في وقت تحتفي فيه عمان والحمد لله بعودة عاهلها المفدى إليها معافى من كل بلاء مشفيا من كل داء ونسأل الله سبحانه أن يحفظه وأن يسبغ عليه ثوب العافية وأن يوفقه للخير وأن يقويه لكل ما فيه مصلحة هذا الشعب ومصلحة امه الإسلام ومصلحة الإسلامية جميعا.وحول انطلاق الندوة قال سماحته: فرصة سعيدة أن نلتقي في ظلال الفقه في الدين في هذه الندوة المباركة التي سبقتها ثلاث عشرة ندوة من قبل لتكون هذه الندوة هي الحلقة الرابعة عشرة من حلقات هذه الندوات الطيبة التي تعنى بتطور الفقه.
وأضاف: ومن المعلوم بداهة أن المسلم فردا ومجتمعا وأمة هو بحاجة الى الفقه في الدين لأنه يضطلع بأمانة الله سبحانه وتعالى ويسير على نهج الله فالإنسان لم يخلق هملا ولم يترك سدى وإنما خلق ليضطلع بأمانة ثقلت على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان لذلك كان على المسلم أن يحمل هذه الأمانة بجدارة وبمعرفة وبصيرة لئلا يتهور كما يتهور الآخرون والمسلم دائما يحرص على أن يراعي أوامر الله سبحانه وتعالى ونواهيه في كل ما يقدم عليه وفي كل ما يحجم عنه على انه بجانب ذلك ليس هو مسؤولا عن نفسه بل هو مسؤول عن العالم بأسره، مسؤول عن توجيه هذا العالم الى الخير وتبصيره وهدايته وانتشاله من الضياع ومن المعلوم أن ذلك لا يتم إلا ببصيرة، لأجل هذا كان الفقه في الدين ضرورة ملحة كما يؤذن بذلك القرآن الكريم عندما يقول الله سبحانه وتعالى «وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون».
فالإنذار إنما هو منوط بالفقه في الدين وقد جعل الله سبحانه وتعالى طبيعة البشر متطورة ليست جامدة على حال ومع هذا التطور تنشأ مشكلات متعددة هذه المشكلات هي بحاجة الى أن يسلط الضوء عليها من حيث حكم الله سبحانه وتعالى والذين يضطلعون بهذه الأمانة بهذا الواجب إنما هم الفقهاء الربانيون القادرون على استنباط الأحكام الشرعية من مظانها وإعطاء كل مشكلة من هذه المشكلات حلولها لذلك كان هذا الاجتماع الطيب وأمثاله من اللقاءات التي تتم بين الفقهاء هي المحاضن للعلاج، علاج المشكلات التي تفرزها تطورات الحياة الإنسانية.
وبجانب هذا فإن الفقهاء هم علماء الأمة عليه أيضا أن ينظروا في مصالح الأمة فقد جعلهم الله سبحانه وتعالى قادة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر كما قال عز من قائل «ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون».
وهذا العصر إنما هو منعرج خطير بالنسبة لهذه الأمة لما حصل بين الأمة نفسها من شقاق تبعتها فتن اصطلت الأمة نارها، فالفقهاء هم مطالبون بأن يخرجوا هذه الأمة من هذا المأزق وأن يحولوها من الشقاق إلى الوفاق ومن الخلاف إلى الائتلاف حتى تجتمع كلمة الأمة على ما يحبه الله سبحانه وتعالى ويرضاه وحتى تصان دماء الأمة وتصان أعراضها وتصان حرماتها فإن الأمة مسؤولة عن نفسها كما أنها مسؤولة عن غيرها وكيف تقوم بحق هذه المسؤولية إن لم تسع إلى ردم الهوة فيما بينها والقضاء على الشقاق وإطفاء لهيب الفتنة المستعر فيما بينها.
من هنا نرجو من الفقهاء أن يقولوا كلمة هي بمثابة البلسم الشافي لأدواء هذه الأمة تعالج هذه المشكلات وتصون هذه الدماء، تمنع هذا النزيف بين الأمة وتقضي على هذه الفتنة المستعرة التي تأتي على الطارف والتليد وتهلك الحرث والنسل، والله سبحانه وتعالى لن يتركم أعمالكم فبقدر ما يكون الإخلاص والدأب والسعي إلى هذا الخير يكون التوفيق من عند الله سبحانه وتعالى.
السالمي: ندوتنا تعنى بتيار الاجتهاد والتجديد –
وفي كلمة وزارة الأوقاف والشؤون الدينية أكد الدكتور عبدالرحمن السالمي رئيس اللجنة المنظمة للندوة أن المسلمين يمتلكون عبر العصور فقها للدين، وفقها للعيش. وكلا الأمرين جرى تكونه، وجرت تنميته وتطويره، استنادا للكتاب والسنة، وتجارب المسلمين مع نصوصهم وسلفهم فهما وعيشا – ومع إدراكات جماعاتهم للمصالح في العلاقات فيما بينهم، ومع الآخر المحلي والعالمي.وقال: إن مناهج الاجتهاد والتجديد وآلياته، في تلك الأزمنة، كانت تتم ضمن المنظومة السالفة الذكر، ومن داخلها، وضمن القواعد الثلاث التي استقر العمل بمقتضاها: النص القرآني والسنة النبوية، وإجماعات المسلمين وأعرافهم، وآليات الاستنباط المتمثلة في القياس الفقهي الذي نمت البحوث بشأن جزئياته نموا كبيرا. وبخلاف الانطباعات السائدة عن توقف الاجتهاد وانسداد بابه قبل ثلاثة قرون وأكثر، فإن التطويرات النظرية، والمبادرات العملية، ظلت جارية بحسب الاحتياجات، وبحسب المفاهيم المتعارف عليها للتعامل الفقهي والمصلحي. والمصالح كما هو معروف، صارت مقصدا من مقاصد الشرع، وعملا من أعمال النظر الفردي والجماعي.
وأضاف: لقد تغير المشهد كله منذ النصف الثاني من القرن الرابع عشر الهجري. فقد تصاعدت دعوات تغييرية من نوع آخر. لقد دعا الكثيرون إلى «فتح باب الاجتهاد» الذي اعتبروا أن بابه قد انسد. وتناولوا بالنقد آليات الاجتهاد الفقهي، واتخذ النقد أحد مسارين: مسار العودة المباشرة للكتاب والسنة مع محاولة تخطي التقليد الفقهي ومسار الإصلاح الديني الذي يريد العودة للمصادر أيضا، لكنه يستهدف التلاؤم مع ظروف العصر ومتغيراته.
وأوضح أن القرن الرابع عشر الهجري انقضى دون أن تنقضي آثاره ومشكلاته، وشهد تنامي هذين التيارين، تيار الاجتهاد والتجديد، وتيار التشدد والتأصيل. ونحن نعنى في ندوتنا الرابعة عشرة هذه بتيار الاجتهاد والتجديد.
مشيرا إلى أنه لم يعد أحد يتحدث عن التقليد باعتباره البداية والنهاية. لكن باعتباره ضمن العمل في الاجتهاد والتجديد، هناك من يريد فهم التقليد وتجاوزه. وهناك من يريد فتح التقليد ونقده والبناء عليه. إن اتجاه فتح التقليد ونقده والانتقاء منه، هو الذي قام بالأعمال الكبرى في المجال الفقهي في القرن الرابع عشر الهجري. وقد اتخذ لذلك سبيلين: سبيل الانتقاء والإضافة والتحرير والتعديل. وسبيل الاستناد إلى «مقاصد الشريعة» لإحلال الأصل الغائي محل الأصل القياسي التقليدي. والانطلاق من ذلك لتأسيس منظومة فقهية جديدة تتجاوز المنظومة التقليدية دون أن تتصادم معها أو تصطنع قطيعة إزاءها، فالتقليد المذهبي ومنظومته يصبح في هذه الحالة تأريخا تشريعيا لا يمكن الاستغناء عنه. وأعمال هذه الندوة المتجددة تنطلق من هذه الرؤية فعندما نتحدث عن الفقه الإنشائي أو الابتدائي، فهو جديد من ناحيتين: الموضوعات، والاستناد المرجعي. ففي الاستناد المرجعي يجري اللجوء إلى المقاصد والغايات أو المصالح الضرورية. وفي الموضوعات، تظهر مسائل وقضايا واحتياجات جديدة، يصعب الاستناد فيها إلى القياس – فتصبح الأدلة الشرعية وفي طليعتها الكتاب والسنة هي المرجع الأساس، وتصبح احتياجات المسلمين بحسب ما يقدرها العلماء، وضمن المقاصد والغايات الأخلاقية والحاجية التي تتطلبها متغيرات حياة الجماعات والأمة.
وأردف قائلا: إن هذا التصنيف الذي لجأنا إليه عندما كنا نخطط في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية لندوة (فقه العصر)، يفتح المجال للتواصل بين سائر التيارات التي تعاملت خلال القرن الرابع عشر وبداية القرن الخامس عشر الهجريين مع مستقبل الفقه الإسلامي من مبادئ ومنطلقات بناءة. فعندما نقول بالاجتهاد أو الفقه الإنشائي، يمكن فهمه باعتباره عملا اجتهاديا في مناطق الفراغ التشريعي. فنهج المقاصد التجاوزي الذي لا يزال يفتقر إلى الآليات الدقيقة، التي يتضمنها المنهج القياسي، لا يمنع من الاستعانة – في عمليات البحث عن المصلحة – بالمنهج الآخر، واستخدام ما تتيحه البيئات الجديدة من إمكانيات للتفكير والتدبير. والتساند بين الأمرين أو المنهجين يحول دون القطيعة المضرة جدا، لأنها إما قطيعة مع التقليد لصالح التأصيل، أو قطيعة مع الجديد المتعارف عليه في العالم، لصالح الهوية المنكمشة والمتحفزة.
وأكد أن هذه الندوة المباركة تقام بتوجيهات حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله -، وها هو اليوم وبعد فترة استشفاء تهل علينا في عمان بدرا طالعا في سماء العافية والسعادة، ونحن مسرورون بعودة صاحب الجلالة، فقد ارتبط سعدنا عمانيين وعربا عقودا وعقودا في زمن النهضة المباركة بهمة صاحب الجلالة وحكمته وشجاعته واستنارته، ولا تزال الآمال معقودة عليه في قيادة الشعب والأمة إلى آفاق أبعد وأسعد، إننا إذ نستبشر بطلته وقد قدم خير مقدم، نسأله سبحانه وتعالى له ولنا به، وقد أخرج سبحانه البلاء أن يمن بدوام المعافاة ودوام التوفيق، والذي عودناه عز وجل برحمته وفضله. اللهم لقد جمعت شملنا بالسلطان، ونهضت بنا بهمته وحكمته ويمن طلعته فاكتب له الخير، وصنه بالبر والطاعة، ووفقه لما تحب وترضى، وأكرمنا، أكرم هذا البلد الطيب الذي اتبع دينك منذ زمن دعوة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، بطول عمر جلالة السلطان وقيادته وريادته وتوفيقه والتوفيق به.
هذه هي ندوتنا الرابعة عشرة في فقه الإصلاح والتجديد، ونسأل الله سبحانه أن تأتي ندوات وندوات نتشرف فيها بتوجيهات جلالة السلطان وإشرافه، وروحه النهضوية، واستنارته المشرقة، فإنك يا رب العالمين خير مسؤول، وقد أخبرتنا في كتابك الكريم بأن (ادعوني أستجب لكم). إن تكن يا رب العالمين قد ابتليت فقد عافيت، وإن تكن قد أمرضت فقد شفيت، فلك الشكر والعرفان، وبالشكر تزداد النعم.
إن خطة ندوة «فقه العصر»، وباجتهادها الإنشائي تنحو ثلاثة مناح، الأول عرض ما تم لهذه الجهة سواء في إنتاج النظم أو الاجتهادات الفردية. والثاني عرض الموضوعات الخلافية سعيا للوصول إلى توافقات حولها. والثالث طرح مسائل استشرافية في كل أبواب الندوة تقريبا.
وإننا في السلطنة لنشعر بالاعتزاز كذلك بما تضيفه هذه الندوة لسببين وهما: اجتماع هذه النخب العالمة على الخير والحق والتشاور والتضامن، والبحث الجماعي والمستمر للاحتياجات والتحديات طوال العقد ونصف العقد من عمر هذه الندوات.
مفتي الديار المصرية: علينا التخلي عن النظرة الأحادية والنظر إلى اجتهاد الآخرين –
وفي كلمة لفضيلة الشيخ الدكتور شوقي علام مفتي الديار المصرية يقول: بداية أود أن أهنئ الشعب العماني والدول العربية والعالم الإسلامي وكل محب لعمان بعودة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه – وشفاه شفاء لا يغادر سقما.وأضاف: في الواقع أن الخطاب الشرعي منذ أن نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخاطب المكلف ويتعلق بفعله أيا كان هذا المكلف ويعالج مشكلاته ويضع لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم المنهج القويم الذي تعالج به المشكلات ثم يقتفي أثر هذا المنهج من بعده صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يكون عصرا بعد عصر ولكل عصر مستجداته ومشكلاته ولا ريب أن علماء الأمة قاموا بالواجب في كل وقت وحين فألفوا وفرعوا وأعطوا الحلول العملية للمشكلات التي تحدث للأمة، ولا ريب أن العصور تفرز من المشكلات ما لا يحصى فكلما تقدمت البشرية وكلما تقدمت وسائلها وأساليبها فإن المشكلات التي تحتاج إلى بحث عميق لاستنباط حكم شرعي من الأدلة الشرعية المعتبرة لا يكون أمرا لازما بلا ريب، ولا شك أن هذه الثروة التي تركها لنا الفقهاء الأكارم من قبل هي فخر لأمة الإسلام وهي التراث الحقيقي وهو ثروة بكل معنى الكلمة ينبغي أن نحافظ عليها وينبغي أن يؤخذ من المسائل التي فرعها هؤلاء العلماء الأكابر ما يعين على فهم المناهج وما يعين على فهم القواعد فالمناهج هي الأساس للاستنباط ولا ريب أن المدارس الفقهية كالمدرسة الإباضية والمدرسية الحنفية والمدرسة المالكية والمدارس الشافعية وكل المدارس الفقهية لا ريب أنها أسهمت إسهاما كبيرا في تاريخ الإنسانية وأعطت من المناهج ما يمكن أن نسير عليه.وأضاف علام: لكن من المهم أن لا تكون ونحن نعالج قضايا العصر النظرة عندنا أحادية بل ينبغي أن ننظر الى اجتهاد الآخرين كما نظر العلماء الأسلاف الى أن اجتهادي انأ عندي صواب لأنه بني على مقدمات هي في نظري صحيحة وأدت إلى نتائج صحيحة ولكن مع ذلك فلا قطع في محل اجتهادك أن قولي هو الصواب القطع بلا إن قولي صواب عندي لكنه يحتمل الخطأ عند غيري وقول غيري خطأ عندي لكنه يحتمل الصواب لأنه بني على مقدمات عنده وبناء على ذلك كله فإن هذه النظرة الأحادية هي خطر على الأمة والمشكلات التي نعانيها الآن من هذه النظرة الأحادية التي تقصي الآخر والتي لا تعترف باجتهاد الآخر، وإنما تقول إن اجتهادي هو الحق المحض وهذا خطر شديد لم يقل به احد من العلماء أكابر الإسلام.
وأضاف: إنه من المهم ونحن نعالج قضايا العصر وهذا العصر الذي تشابكت فيه المشكلات وتعقدت تعقدا كبيرا من المهم أن يقف الفقه والمجتهد على توصيف دقيق للواقع قبل أن يصدر حكما وقبل أن يرجع إلى الأدلة الشرعية لاستنباطها واستنتاج الحكم الشرعي السديد لأنه من دون توصيف الواقع والوقوف على كل جوانبه لا يمكن في أي حال من الأحوال أن يكون الحكم سديدا بل يكون الحكم ناقصا بلا ريب.
وأضاف: إننا أمام مشكلات عديدة في هذا العصر ونحن نعوّل كثيرا على علماء وفقهاء الأمة في هذه الندوة المباركة بأن يخلصوا إلى نتائج من واقع نفوسهم ومن واقع فكرهم السديد تعالج هذه المشكلات لما يتفق ومقصود الشارع سبحانه تعالى فإن الله سبحانه وتعالى إنما جاء بهذه الشرعية لأمة محمد صلى الله عليه وسلم لتحقيق مصالح في العاجل والآجل.
ابن علوي: المجتهدون بالندوة يحاولون تقريب أنفسهم من مصادر الدين –
وصرح معالي يوسف بن علوي بن عبدالله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية حول الندوة قائلا: في هذه الندوة المباركة المجتهدون يحاولون أن يقربوا أنفسهم إلى مصادر الدين وهذه جهود لا بد أن تكون مقدرة.وأوضح معاليه أن الإشكال ليس في الدين ولا في فروعه، الإشكال في البشر وهذا هو الأمر الصعب، إن الله خلق البشر بعقول ولكن هذه العقول تبحث عن ما هو أنفع وما هو قريب من النفس البشرية.
مستشار خليفة بن زايد: الندوة فاعلة ولها مردود طيب على الأمتين العربية والإسلامية –
قال سماحة الشيخ علي الهاشمي مستشار رئيس دولة الإمارات للشؤون القضائية والدينية: أهنئ عمان وشعبها والأمتين العربية والإسلامية بشفاء جلالة السلطان الشفاء الكامل واسأل الله أن يديم ظله في عزة وسعادة ولما تمتاز به سياسته من الحكمة والأداء الحسن.هذه الندوة ضمن الحلقات التي سبقت من ندوات التي سبقت لا شك أنها ستكون فاعلة وسيكون لها من المردود الطيب على الأمتين العربية والإسلامية وخاصة على هذا الشعب الأصيل المسلم العربي الذي هو عنوان في هذا المجتمع العربي الكبير للتعاون والسلم وتغليب الحكمة.
مبلغي: إلباس الفقه لباس العصر مهم للغاية –
سماحة الشيخ آية الله أحمد مبلغي من علماء حوزة قم بإيران قال في كلمته: إن ما ركزت عليه هذه الندوة من موضوع إلباس الفقه لباس العصر مهم للغاية لا شك أن هذه المشروع أي دفع الفقه نحو العصر تتم محاولة تحقيقه بوضع القضايا المستجدة والعصرية على طاولة دراسات الفقه واستنباطاته ولكن هذا المشروع بحاجة فورية اكثر وأمس إلى أن نحقق ونعمّق دورا أكثر للفقه وأداء فاعلا عصريا للفقه والأداء العصري للفقه الفاعل يعني أن بلغ الفقه من حيث الأداء حدا من الكيفية تنحل به المشاكل للإنسان المعاصر لا أن تتسع به هذه المشاكل أو تعقد اكثر فأكثر.وتحقيق أداء فاعل قوي دقيق وعصري للفقه بحاجة إلى دراسات معمقة ومن المؤسف له أن مراكزنا تعيش في غياب عن هذه الدراسات المتوجهة إلى الشريعة ومن هنا يقترح عقد فصل أو إنشاء فرع تخصص تحت عنوان «فقه الأداءات» كي تكون مهمته توفير ما يضمن للفقه أداءات ذات كيفية بالغة وجودة عالية وطبعا في إطار الدين.
من أهم ما علينا في فقه الأداءات فتح محور علمي تحت عنوان «كلام الشريعة» أن الذي لنا هو كلام الصفات وغيرها، ولكن ليس لنا كلام الشريعة وكلام الشريعة تعني دراسة تلك الجوانب المتعلقة بالشريعة من حيث كونها من الله، إن الذي عندنا حاليا هو البحث عن مصادر الشريعة وهو بحث أصولي أو الرجوع إلى الشريعة وهو الفقه.
أما كلام الشريعة فهي المعرفة بالشريعة نفسها لا مثالبها ولا أحكامها ومعرفة الشريعة الكلامية عمدتها تتمثل في المعرفة بخصائص الشريعة وصفاتها من فطرية الشريعة، أخلاقية الشريعة، سماحة الشريعة، يسر الشريعة، بيضائية الشريعة وغيرها.
إن المستنبط الذي يقترب من الشريعة من دون أن تكون له معرفة عقلانية بالشريعة نفسها فهو في الكثير من المسائل يبتعد عن الشريعة ويؤول أمره إلى أن يعرف الشريعة للناس هي عارية عن خصائصها وبعيدة عن طعمها.
من جملة خصائص الشريعة هي دينيتها أن صح التعبير وكونها دينية يعني أن الشريعة جاءت لتقوية الدين وتنفيذ معنوياتها وجعل الناس يدخلون فيه أفواجا لا التنفير من الدين وتضعيفه.
جاءت الشريعة لأن تخدم الدين لا أن تهدمه «شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه».
إن المعرفة الكلامية لو استولت على مذاهبنا فهي تتجه نحو أن تستنبط من الشريعة ما يخدم الدين ولا أن يدخلوا في التفرقة الهادمة للدين.
وأبدي شكري إلى عودة السلطان المعظم ومكانته السامية ودوره في إيجاد السكون لهذا الشعب العظيم الذي سكونه ينعكس إيجابا على الشعوب الأخرى.
الياقوتي: الندوة أمست قبلة ومحل استشراف وفخر –
محمد مصطفى الياقوتي وزير الدولة بوزارة الإرشاد والأوقاف ورئيس المجلس الأعلى للدعوة الإسلامية بجمهورية السودان يقول: بداية أشكر الجهود المتميزة التي تقوم بها جريدة (عُمان) في تغطية هذه الندوة المباركة، وأزف التهنئة في هذه السانحة على الشعب العماني الحبيب وإلى كل المسلمين في العالم وأوضح أن هذه الندوة السنوية أمست قبلة ومحل استشراف وفخر لما سوف تخرج به من توصيات تستخلص والتي البحوث الجادة التي تقدم فقهاء وعلماء الأمة والجميل إننا تتماشى مع احتياجات الإنسان من حيث جاهزية الشرعية الإسلامية لاستيعاب كل جديد ومن حيث حفز الأمة على الاضطلاع بمسؤولياتها والقيام بواجبها الإعماري الإحيائي في بناء هذا الكون.وأضاف: إن ندوة مميزة لكن ما يميزها هذا العام أن بلغت مباشرة الى قضية التجديد الديني والفقهي وتكلفت عن الاجتهاد الإنشائي أي أنها هناك مسائل طابعها الجدية وهي تقابل بمثلها بقوالب الشريعة كي تعطى الحكم الشرعي لأننا لا نتصور في شريعة تامة خالدة أن تحدث الحوادث ولا يكون لها من الإجابة القدر الموفي .. موضحا أن النازلة عندما تنزل أما أن يتعبد بها الحق عز وجل فيها أو لا يتعبد فإن لا يتعبد هذه هي العبثية وأن يتعبد فلا يتعبد كيفما اتفق ولا بالأهواء وإنما يأتي ذلك نتيجة مجهودات كبيرة مبذولة تخرج بالحكم الفقهي المناسب لهذه القضية، مشيرا إلى أنه لا إشكال عندنا في الدين لأن القواعد تحكي ثمار هذا الدين موضحا أن هناك مناطات واسعة للنص الشرعي ينبغي أن ينظر إليها وهذا يكون من الجادين والفقهاء وأرباب المعارف حينما ينظرون الى هذه المناطات الواسعة نجد أننا قد ألحقنا الفرع المستنبط بالدلالة القرآنية الواضحة لأن القرآن شامل وكذلك سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فقط نحتاج الى الفهم والقراءة الكلية وعدم الاجتهاد المجزوء الذي ينظر الى ناحية دون ناحية بل يضم النصوص الشرعية كلها الى بعضها لتخرج بأمر جيد ونكون قد ألحقنا الناس بالقرآن وبسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهذا يعني أننا ينبغي أن نربط الناس مباشرة بالنصوص الشرعية والمفاهيم الأصلية والقيم.
السيابي: عنوانها يحمل مناهج التجديد في الفكر والفقه –
سعادة أحمد بن سعود السيابي أمين عام بمكتب مفتي عام السلطنة قال: هذه الندوة التي تقيمها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية كل عام تحمل في عنوان ملامح التنور منذ أول ندوة أقيمت قبل حوالي خمسة عشر عاما وهذه الندوة التي نحن بصددها هي الندوة الرابعة عشرة مشيرا إلى أنه في هذا العام قد وضح ذلك المفهوم اكثر من ذي قبل لأنه يحمل مناهج التجديد في الفكر وفي الفقه وهما أمران ضروريان لأن التجديد يتلاءم مع مستجدات العصر ومعايشة الواقع ومع فقه العصر فإن هذا العصر بالذات يشهد تغيرات دراماتيكية ومتغيرات متسارعة وبالتالي هذه المتغيرات أفرزت مستجدات هذه المستجدات إن شاء الله سوف توصفها هذه الندوة وبالتالي تضع حلولا للمشكلات التي نجمت من خلال هذا الحراك الحياتي في هذا العصر. وأضاف سعادته: هذه الندوة جاءت في وقت مناسب جدا فعلى النطاق الوطني جاءت متناسبة مع عودة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه – وأنعم عليه مزيدا من الصحة والعافية، مضيفا إن هذه الندوة ضمت العديد من العلماء الإجلاء من جميع المدارس الفقهية وهذا لا شك يعطي أهمية كبيرة لهذه الندوة وهذا الجمع المبارك بإذن الله قادر على إيجاد الحلول للمشكلات والصراعات التي يشهدها العالم العربي وسوف تعالج هذه الندوة بإذن الله الفرقة وهذا المد الطائفي الذي تشهده الأمة نأمل بإذن الله أن تخرج توصيات هذه الندوة مواكبة لما تأمله الأمة الإسلامية كما أمرها الله سبحانه وتعالى بذلك.